''أمن المعلومات الالكترونية'' معضلة تؤرق العالم (تقرير)
القاهرة - (أ ش أ):
بات ''أمن المعلومات الالكترونية'' يشكل جزءاً أساسياً من أي سياسة أمنية وطنية، وأصبحت الدول تنظر إليه بمثابة ''سيادة الدولة'' التي تواجه تحديات جديدة تنبع من الأنشطة عبر الإنترنت، التي يمكن ممارستها وتوجيهها عبر جميع أنحاء العالم بشكل غير منضبط، دون وجود إطار واضح لمساءلة الأفراد القائمين على هذه الأنشطة.
لذا أصبح صناع القرار في أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند وغيرها من الدول، يصنفون مسائل ''أمن المعلومات الالكترونية'' كأولوية في سياساتهم الدفاعية الوطنية، كما أعلنت أكثر من 130 دولة حول العالم عن تخصيص أقساماً وسيناريوهات خاصة لمحاربة الجرائم الالكترونية وجرائم الاحتيال الالكتروني.
وظهر مفهوم الأمن الالكتروني للمرة الأولى في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وارتبط ظهوره بعلماء تكنولوجيا المعلومات والحواسيب الآلية، الذين كانوا يبحثون سبل إيجاد حلول لسلسلة المخاطر والتهديدات المتعلقة بالحواسيب المتصلة ببعضُها البعض.
إلا أنه مع مرور الوقت، ومع اتضاح التأثيرات الاجتماعية للتكنولوجيا الرقمية، بات مفهوم الأمن الالكتروني أبعد من كونه مجرد مفهوم فني مرتبط بتكنولوجيا المعلومات، وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لتلقي مزيدًا من الضوء على العلاقة التي تربط التكنولوجيا بالأمن.
''جهود إقليمية متواصلة''
ولخطورة هذه القضية وتأثيراتها السلبية على الأمن الوطني في كل دولة، تتواصل الجهود الإقليمية والدولية لتقنين ومواجهة هذه المسألة، وفي إطار هذه الجهود،عُقد بماليزيا خلال الفترة من 6 إلى 10 سبتمبر الجاري، مؤتمراً بعنوان (تجسير المسافات حول العالم – نحو فضاء إلكتروني آمن).
وشهد المؤتمر توقيع مذكرة تفاهم بين المراكز الوطنية للأمن الالكتروني بدول منظمة التعاون الإسلامي والمراكز الوطنية للأمن الالكتروني لمنطقة آسيا والمحيط الهادي الذي سينتج عنه تعزيز التعاون الإقليمي ومواجهة القضايا المستجدة، وهذه هي المرة الأولى التي تتشارك فيها المنظمتان الإقليميتان في تنظيم هذا الحدث متيحة بذلك الفرصة لأكثر من 25 دولة من ممثلي المراكز الوطنية للأمن الالكتروني والسلامة المعلوماتية لمنطقة آسيا والمحيط الهادي وأكثر من 57 دولة من أعضاء المراكز الوطنية للأمن الالكتروني لمنظمة التعاون الإسلامية للمشاركة وتبادل الآراء حول القضايا المشتركة في هذا المجال.
وسلّط المؤتمر الضوء على التعاون بين المراكز الوطنية للأمن والسلامة المعلوماتية بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، ومراكز الأمن الالكتروني والسلامة المعلوماتية لدول منظمة التعاون الإسلامي، ومن شأن ذلك أن يقدم الفرصة للمختصين في الأمن المعلوماتي من المنظمتين للالتقاء والعمل في أنشطة تعاونية نحو تعزيز الأمن والمبادرات الدولية، وبالتالي يقدم هذا الحدث فرص الشراكة والتعاون وتسهيل العمل في الفضاء الإلكتروني.
ويعد المؤتمر السنوي بمثابة منصة لمشاركة المعلومات حول مختلف القضايا وتعزيز فاعلية الأعضاء وكفاءتهم من خلال تطوير القدرات التقنية والإدارية في التعامل مع الحوادث، فضلاً عن كونه قناة لمناقشة التوجهات الاستراتيجية والتحديات المستقبلية.
يذكر أن المراكز الوطنية للأمن الالكتروني والسلامة المعلوماتية بدول منظمة التعاون الإسلامي تم تأسيسها لتشجيع ودعم الدول الأعضاء التي تسعى إلى تقوية علاقتها مع المراكز الوطنية للأمن والسلامة المعلوماتية في الدول الأعضاء، فضلاً عن تبادل البيانات في هذا المجال، ومنع الإرهاب الإلكتروني والتصدي للهجمات الإلكترونية، وتعزيز برامج التعليم والوعي في هذا المجال، بالإضافة إلى رفع مستوى التعاون في البحث والتطوير التكنولوجي.
وقد أظهرت توصيات الاتحاد الدولي للاتصالات حول أفضل الممارسات الدولية أن الأمن الالكتروني يعتمد على مزيج مركب من التحديات التقنية، السياسية، الاجتماعية والثقافية وبشكل أدق فإن صلاحية الأمن الالكتروني الوطني تعتمد على الركائز التالية: تطوير استراتجية وطنية للأمن الالكتروني وحماية البنية التحتية للمعلومات الحساسة، وإنشاء تعاون وطني بين الحكومة ومجتمع صناعة الاتصالات والمعلومات، وردع الجريمة وخلق قدرات وطنية لإدارة حوادث الحاسب الآلي، وتحفيز ثقافة وطنية للأمن الالكتروني.
كما أظهر أن نقطة انطلاق الأمن الالكتروني الوطني تبدأ بتطوير سياسة وطنية لرفع الوعي حول قضايا الأمن والحاجة لإجراءات وطنية وإلى التعاون الدولي. أما الخطوة الثانية فتتمثل بتطوير المخطط الوطني لتحفيز الأمن الالكتروني بهدف تقليص مخاطر وأثار التهديدات الالكترونية وتتضمن المشاركة في الجهود الدولية والإقليمية لتحفيز الوقاية الوطنية من الحوادث الالكترونية.
ولا شك أن التهديدات الالكترونية يصعب التصدي لها؛ وذلك لأن الفضاء الافتراضي من الصعب السيطرة التامة على محتواه؛ فالجماعات المتطرفة على سبيل المثال، دومًا ما تجد سبلاً بديلة.
وفي مواجهة التهديدات، قد يكون فرض قدر من الرقابة على استخدامات الإنترنت وسيلة فعالة؛ وذلك على غرار ما تقوم به العديد من الدول الديمقراطية، كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية.
ولكن في الوقت ذاته، يجب أن يراعى توافر مجموعة من الشروط فيها، كعدم انفراد جهة واحدة بممارسة الرقابة على استخدامات الإنترنت، وألا تنتهك الرقابة خصوصيات المواطنين، وإذا كان ثمة وجوبية الرقابة، فالأجدر أن تتم رقابة المجال الخاص (المحادثات والرسائل والمكالمات الخاصة) بموجب إذن مسبق من الجهات الرسمية المعنية، وألا يكون الهدف من الرقابة تقييد وقمع الحريات ومنع المواطنين من ممارسة حقوقهم المشروعة المكفولة لهم بموجب الدستور.
ويبقى القول أن معالجة قضايا الأمن على مستوى العالم تحتاج إلى عمل وتعاون جماعي دولي. ورغم إقرارهما بصعوبة تحقيق مثل هذا التعاون، فإن الرغبة في حماية المصالح الخاصة، وامتلاك قدرٍ من الثقة فيما بين الحكومات، قد يمهد لتعاون دولي يعمل على تحجيم التهديدات الالكتروني المستقبلية.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: