دعوة ''السيسي'' لثورة دينية.. وأد للتطرف أم اتجاه للعلمانية؟
دويتشه فيلله:
تنتاب المحللين الحيرة حول حقيقة ما يرمي إليه الرئيس السيسي حين دعا إلى ''ثورة دينية'' في خطاب له وتوقفوا عند هذا التعبير. فهل يقصد اتجاه الدولة للعلمانية أم مراجعة المفاهيم في المعتقدات الدينية للتخلص من الأفكار المتطرفة؟
''ثورة دينية''، هي ما دعى إليها الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في خطابه الذي ألقاه أمام صرح من الحضور، احتفالًا بالمولد النبوي الشريف. وطالب ''السيسي'' الشيوخ والأئمة بتصحيح المفاهيم الخاطئة ''التي ترسخت في أذهان الأمة الإسلامية، وتم تقديسها لمئات السنين وأصبح الخروج عليها صعبا للغاية''، حسب قوله، فيما أكد أن تلك المفاهيم والأفكار تعادي العالم بأجمعه''.
وتوقف كثيرون عند تعبير ''الثورة الدينية''، الذي أطلقه الرئيس، بين مفسر لها على أنه يحمل تلميحًا حول اتجاه الدولة للعلمانية، لا سيما هؤلاء المناصرين لجماعة الإخوان المسلمين، والذين يتهمون ''السيسي'' دائمًا بمعاداة الدين، وبين من فسره على أنه تعبير في محله يعني مراجعة الأفكار والمفاهيم الراسخة في المعتقدات الدينية وتفنيدها والتخلص مما يثبت عدم صحته من تلك المفاهيم والأفكار، التي حملت البعض إلى التطرف والإرهاب، وبين هذا التفسير وذاك، احتارت الآراء حول حقيقة ما يرمي إليه الرئيس المصري، فيما تحاول DW عربية البحث عن إجابة في هذا التقرير.
''دعوة الرئيس لثورة دينية منطقية تمامًا''
''ما يقصده الرئيس هو ثورة على الأفكار المتطرفة التي انتشرت في السنوات الآخيرة، وكي نكون أكثر دقة، منذ بداية سفر العمالة المصرية إلى دول الخليج، وقبل تلك الفترة كان هناك سيد قطب، أشهر الأسماء صاحبة الأفكار المتطرفة، إلا أن النظام الحاكم حينها استطاع أن يحد من انتشار هذه الأفكار بشكل كبير، إلا أنه لم يستطع القضاء عليها نهائيًا''، يقول الباحث السياسي محمد سعيد لـDW عربية.
ويتابع: ''سفر المصريين إلى الخليج تبعه تأثر بكثير من الأفكار المتشددة هناك، بل واعتقادهم أن هذا هو صحيح الإسلام وأن سواه ما هو إلا فسق وانحلال، ومع الوقت انتشرت هذه الأفكار عن طريق العائدون من تلك الدول، لا سيما المملكة العربية السعودية، كما أن عدد ممن اعتنقوا هذه الأفكار لم يكتفوا بها بل بحثوا عن طريقة لجعلهم أكثر تدينًا وخدمة لدينهم، وقادهم ذلك إلى الكتب والأفكار الجهادية، خاصة مع الحرب السوفيتية الأفغانية، التي خلقت بيئة مهيئة لما أسموه الجهاد''.
واستطرد: ''هذه المعتقدات، التي بنيت على فهم خاطئ للنصوص الدينية، انتشرت بشدة في السنوات الأخيرة وتمددت، حتى وصلنا لما واجهناه من إرهاب في الثمانينات والتسعينات، وما نواجهه الآن من جماعات إرهابية متطرفة، لذا فدعوة الرئيس لمراجعة تلك النصوص والأفكار والمعتقدات منطقية تمامًا، لأنك ربما لا تستطيع أن تقنع الإرهابيين أن يعودوا عن أفعالهم لكن بإمكانك أن تنقذ شبابك وتمنع المزيد من الانضمام إلى تلك الجماعات بتصحيح المفاهيم الخاطئة.
''السيسي يرسخ صورة الرئيس المسلم المتدين المتسامح''
أما الباحث السياسي محمد خالد، فيرى، في حديثه لـDW عربية، أن الاتهامات التي وجهت لـ''السيسي'' والتي تزعم تلميحه لعلمانية الدولة غير منطقية، ويفسر وجهة نظره قائلًا: ''في معظم خطابات السيسي دائمًا ما يستخدم مفردات وخلفيات دينية، فهو يعلم جيدًا أن الشعب المصري لن يتقبل فكرة الدولة العلمانية، كما يعلم ارتباط المصريين بدينهم''.
وأضاف: ''ما يحاول السيسي فعله حقًا هو ترسيخ صورة الرئيس المسلم المتدين المتسامح، وبرز ذلك جيدًا في زيارته للكاتدرائية في عيد الميلاد، والتي سبقها قوله أننا بحاجة لثورة دينية، فما قصده هو ثورة على أفكار من نوعية تهنئة الأقباط بعيدهم حرام''.
وكان علماء الأزهر قد أشادوا بخطوة ''السيسي'' معتبرينها خطوة شجاعة من الحاكم المصري موضحين أن الرئيس قصد ''النصوص الاجتهادية والتراثية التي تعادي العالم بأجمعه وتسببت في معاداة العالم للإسلام''.
إمام مسجد: ''نحن في أشد الحاجة لثورة دينية''
ومن ضمن المشيدين بخطوة السيسي، إمام مسجد الرحمة محمد سلامة، الذي أوضح، في حديثه لـ DW عربية: ''الإسلام دين سلام ومحبة ولا يحرض على سفك الدماء، وكل ما يستند عليه الإرهابيون هو تحريف وتأويل على الله والعياذ بالله، ونحن في أشد الحاجة لثورة دينية بالفعل على كل الأفكار الدخيلة على ديننا وعلى التفسيرات والفتاوى التي تخرج علينا من أناس لا يحملون العلم الكافي للتفسير والفتوى''.
وأوضح: ''الأمر لا يتعلق بالإرهاب فقط، فقد رأينا في العام الماضي كم من الفتاوى الشاذة التي لا علاقة لها بديننا، والشباب غير الواعي يرى هذه الأمور فيعتقد أنها من صحيح الدين، لمجرد أن شخصًا ما جلس أمام كاميرا إحدى الفضائيات يقول قال الله وقال الرسول، وهو لا يعلم ولم يدرس الدين بشكل صحيح من الأساس''. أما عن ادعائات البعض بأن دعوة الرئيس لـ''ثورة دينية''، هي بمثابة تلميح للاتجاه لعلمانية الدولة، قال ''سلامة'': ''لا أعتقد أن هذا الكلام له أي أساس من الصحة، فليس معنى أن ندعو لتصحيح المفاهيم الخاطئة أننا ندعو للعلمانية، أعتقد أنه مجرد خلط للأمور بسبب الخلاف السياسي''.
وتحدث إمام المسجد عن حاجة الأزهر والمؤسسات الدينية للإصلاح، قائلًا: ''الأزهر هو معقل الإسلام الوسطي، وإذا كانت هناك ثورة دينية ستحدث حقًا فستنبع من الأزهر الشريف، والمؤسسات الدينية كغيرها من المؤسسات، بالطبع بها بعض العناصر غير المؤهلة، إلا أن أغلبيتها علماء أجلاء نثق بهم جميعًا''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: