كيف يستطيع العلماء قياس عمر الحفريات والآثار؟
كتبت-جهاد التابعي:
هل سألت نفسك وأنت تقرأ الأخبار العلمية عن الحفريات القديمة التي تم اكتشافها وتحديد تاريخها لملايين السنين، كيف يفعل العلماء ذلك؟، كيف
يستطيعون معرفة عمر الحفريات والأشجار والصخور؟ كيف عرفنا أن عمر حضارتنا وآثارنا الفرعونية يعود إلى سبعة آلاف عام؟
يعود الفضل في ذلك للعالم الكيميائي والفيزيائي الأمريكي ''ويلارد ليبي فرانك'' الذي اكتشف مادة نظير الكربون ١٤، وهي مادة مشعة تستخدم في قياس عمر الحفريات، وحصل علي جائزة نوبل في الكيمياء علي اكتشافه هذا عام 1960، وتوفي في مثل هذا اليوم 7 سبتمبر من عام 1980.
يستخدم نظير الكربون في قياس أعمار الآثار والحفريات التي قد تصل في بعض الأحيان إلى 50 الف سنة، ويتحلل بمرور الوقت فإذا كانت لدينا كمية معينة منه فبعد مرور 5730 سيتحلل نصفها، وهذا ما يدعى بعمر النصف.
والكربون عنصر أساسي في كل الكائنات الحية، فالنباتات تمتصه من ثاني أكسيد الكربون ليدخل في أنسجتها، وينتقل إلى الحيوانات والإنسان عن طريق النبات، وتكون نسبة نظير الكربون 14 متوازنة داخل جسم الكائن الحي، ولكن لا يلبث أن ينتهي هذا التوازن بمجرد موته، وذلك لعدم قدرته على تناول الغذاء، وبهذا تستمر عملية تحلل نظير الكاربون 14 بنصف عمر قدره 5730 تقريبا، أي أن كمية نظير الكاربون 14 تصل إلى النصف بعد 5730 سنة.
يقول الدكتور أحمد مستجير في كتابه ''بحور العلم'' : ''يمتص كل كائن حي في حياته هذا النظير المشع من الجو، الذي يحمل منه نسبة معينة، فإذا ما مات الكائن توقفت عملية الامتصاص لتحلل ما يحمله في أنسجته من هذا النظير دون أن يستبدل به غيره. فإذا كانت لدينا عينة من بقايا حيوان أو نبات مات من زمان طويل، ثم قمنا بتقدير ما تبقى بها منها، أمكننا أن نحدد عمرها، الفكرة بكل بساطة، عند وفاة الكائن الحي فإن الكمية المفقودة من الكاربون 14 ستتوقف عن التجدد أو التعويض بسبب عدم قدرة الكائن الحي على التغذية وعدم امتصاصه من الجو''.
وينتج الكربون 14، عندما تقصف الأشعة الكونية الغلاف الجوي للأرض بكثافة كما يحدث كل يوم، ويسلك الكربون 14 نفس سلوك النظائر غير المشعة للكربون وهي الكربون 12 والكربون 13 حيث يتحد مع الأكسجين مكونا غاز ثاني أكسيد الكربون، وتمتص جميع النباتات الكربون 12 ونظيره المشع الكربون 14 أثناء عملية البناء الضوئي، ولذلك فهي تصل كذلك إلى أنسجة البشر والحيوانات عبر امتصاصها عند تناول تلك النباتات.
وتكون النسبة بين الكربون 12 والكربون 14 في جسم الكائنات الحية مماثلة لنسبتيهما في الغلاف الجوي في ذلك الوقت، وعند موت الكائنات الحية تظل كمية الكربون 12 ثابتة، بينما تبدأ كمية الكربون 14 في التآكل دون أن يحل محلها جديد كما يحدث أثناء حياة الكائن الحي، حيث تتحلل إلى نيتروجين 14 (أحد نظائر النيتروجين).
وتتآكل كمية الكربون 14 في المادة العضوية بمعدل فترة نصف عمر تبلغ 5730 سنة، بمعنى أن نصف الكمية من الكربون 14 تتآكل كل 5730 سنة، ولذلك يمكن على سبيل المثال قياس الكربون الباقي في شجرة متحجرة مقابل كميته في شجرة حية ليعطي ذلك دليلا على عمر الشجرة المتحجرة أو تأريخها.
ويتم ذلك عن طريق أخذ عينة من المتحجرات المراد دراستها ثم معالجتها وحرقها لكي تتحول إلى غاز، ولأن ذرات الكربون 14 تتحلل إلى نيتروجين 14 فإنها تطلق إلكترونات يتم رصدها وعدها عن طريق كاشف الإشعاع، ويعطي ذلك الأسلوب نتائج موثوقة في الحفريات التي لا يزيد عمرها عن خمسين ألف سنة، حيث لا يتبقى نسبة من الكربون يمكن قياسها إذا زاد عمر الحفريات عن ذلك.
إلا أنه يمكن تطبيق مبدأ تأريخ الكربون 14 على العديد من النظائر الأخرى ذات فترة نصف عمر أكبر بكثير مثل البوتاسيوم 40 الذي يوجد داخل الجسم البشري وتبلغ فترة نصف عمره 1.3 مليار سنة، وكذلك اليورانيوم 235 ذو فترة نصف عمر 704 ملايين سنة، واليورانيوم 238 بفترة نصف عمر 4.5 مليارات سنة، والثوريوم 232 بفترة نصف عمر 14 مليار سنة، والروبيديوم 87 بفترة نصف عمر 49 مليار سنة.
وحديثا يتم استخدام معجل الطيف الكتلي، والذي يقوم بعد الجزيئات في كتلة ما بعد وضعها في مجال مغناطيسي، ولذلك يمكن لمعجل الطيف الكتلي تحديد عمر كمية قليلة جدا من المادة العضوية، وإن كانت نتائجه أقل دقة، بدلا من الأسلوب التقليدي الذي يتطلب عينة كبيرة نسبيا من المادة المكتشفة يتم حرقها وتحويلها إلى غاز، وهو غالبا ما يرفضه المستكشفون وعلماء الآثار، ويشير الباحثون إلى أن الدقة العالية للنظائر المشعة في تحديد أعمار الحفريات والمكتشفات العضوية لا يجب أن تنسينا أن كثرة الأنشطة النووية والإشعاعية، والتي زادت بكثرة منذ الحرب العالمية الثانية، لابد وأن تؤثر على تلك الدقة في المستقبل.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: