الحقوقي محمد لطفي: السُلطة لا تُريد مكافحة التعذيب.. والدولة البوليسية نتيجتها "الثورة" - حوار
حوارـ هاجر حسني:
تصويرـ فريد قطب:
"عام 2015 هو من ضمن السنوات الكارثية التي عاشتها مصر"، هكذا يرى الحقوقي محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات.
وأكد لطفي، في حوار مع مصراوي، أن الإرادة السياسة لمكافحة التعذيب غير موجودة وهو ما ظهر جليًا في التحقيق مع الحقوقي نجاد البرعي عندما تقدم بمسودة مشروع لمكافحة التعذيب ـ على حد تعبيره ـ مضيفًا أن التنازلات فيما يتعلق بحقوق الإنسان أمر مرفوض، وإلى نص الحوار:
كيف تُقيم عام 2015 من الناحية الحقوقية؟
أهم ما يميز 2015 على مستوى السنوات الكارثية في حقوق الإنسان من 2013 و2014 هو أنها سنة انفلات اللجام للأمن الوطني، ويتضح ذلك جليًا من خلال انتشار ظاهرة الاختفاء القسري على يد ضباط أمن الدولة من خلال احتجاز نشطاء سياسيين أو متظاهرين غير مرغوب فيهم على المستوى السياسي.
مصر لم توقع حتى الآن على اتفاقية الاختفاء القسري ولا تعترف بوجود الظاهرة، كيف ترى ذلك؟
سياسة الإنكار هي أسهل وسيلة يستغلها المسئولين في حالة عدم معرفة الرد المناسب والإحراج ووجود دلائل دامغة وتوثيق لهذه الحالات ووجود سخط إعلامي وحقوقي، ويصعب على المسئولين في وزارة الداخلية الاعتراف بمثل هذه الحالات، وكان من الممكن أن تقول وزارة الداخلية أن هؤلاء جميعا إرهابيين ولكنها تعلم جيدا أن هذا العذر غير كافي، فلذلك تصمت وتنكر.
وهل سيكون من الصعب التوقيع على هذه الاتفاقية؟
سيكون من الصعب لأننا لم نر من الحكومة المصرية أية بوادر نية لتحسين وضع حقوق الإنسان في مصر، ومن شأن هذه الاتفاقية أن تضع المزيد من الالتزامات على الدولة المصرية في حماية حقوق المتهمين في أماكن الاحتجاز ومحاسبة المسئولين عن الاختفاء القسري، ومن غير المنطقي أن تبادر الحكومة طواعية للتوقيع على الاتفاقية دون ضغط قوى عليها.
المفوضية أطلقت حملة أوقفوا الاختفاء القسري، كم عدد الحالات التي رصدتها حتى الآن؟
الحملة بدأت في 31 أغسطس 2015، ورصدت 215 حالة خلال شهري أغسطس وسبتمبر وحوالي 125 حالة في أكتوبر ونوفمبر وظهر حوالي 60 من المختفين خلال الشهرين.
الآراء الرسمية تذهب دائما نحو أن التعذيب حالات فردية وليس مُمنهج، ما مدى صحة ذلك في وجهة نظرك؟
التعذيب كان من أهم أسباب سخط الشعب المصري على الوضع السياسي في 2010 وحادث خالد سعيد كان القشة التي قسمت ظهر البعير، وهو ما أدى لثورة 25 يناير، قبل 2011 كان يُمارس التعذيب في الأقسام والسجون للجنائيين بدرجة أقل وفي أمن الدولة للسياسيين، وكان يمارس جميع أشكال التعذيب، وخلال المراجعة الدورية الشاملة لمصر في 2010 كان هناك توصية بمكافحة التعذيب وهذه التوصية مازالت قائمة حتى في المراجعة الدورية 2014، ولكن مصر مازالت ترفض مكافحة التعذيب كأولوية من أولوياتها.
وأيام مبارك كانت "التعذيب حالات فردية" إجابة شائعة، وفي عهد مرسي التقى عدد من العاملين بالمؤسسات الدولية وكان الكلام الذي يُقال وقتها من بعض المساعدين أن التعذيب كان منهجي أيام مبارك ولكنه الآن أًصبح حالات فردية وتنصلوا من المسؤولية الحالية، واستمر الأمر كما هو عليه الآن وطرحت قوانين في مجلس الشعب 2012 في تعريف التعذيب ومعاقبة المسؤولين إذا كان يحدث لانتزاع اعتراف، واستبعاد أي أسباب أخرى ما عدا انتزاع الاعتراف وهذا يحلينا لاستعمال القسوة وعقوبتها حوالي 5 سنوات.
والسلطة في الوجه الحالي لا تبدي أية إرادة سياسية في مكافحة التعذيب وخاصة أننا رصدنا 269 حالة وفيات داخل أماكن الاحتجاز خلال سنتين من يونيو 2013 وحتى يونيو 2015 معظمها إهمال طبي وتدهور الخدمات الصحية والمعاملة السيئة طبقا للتعريفات الدولية.
كيف تُقيم مبادرة الحقوقي نجاد البرعي بتقديم مسودة قانون لمكافحة التعذيب؟
الحقوقي نجاد البرعي بادر بمسودة لمكافحة التعذيب بمساعدة 2 من القضاة، فإذا بالقضاة يُحالوا للتحقيق بتهمة التعاون مع جهة غير شرعية، والسؤال هنا "هو مطلوب من المجتمع المدني أن يقدم بدائل وعندما يفعل ذلك يعاقب عليه؟"، أحيانا يكون هناك محاكمات لضباط قاموا بتعذيب وبعض الحالات حصلت على عقوبة 5 سنوات وحالات أخرى صدر بحقها أحكام ثم يتم الاستئناف على الحكم ويكون الناس نسيت القضية ومن ثم يتم تبرئتهم، وبالتالي تترسخ لدى الشرطة عقيدة أنه فوق القانون ويستطيع أن يفعل ما يحلو له.
هل وجود القانون وحده كافي للقضاء على التعذيب؟
تعديل القانون غير كافٍ، فوقف التعذيب يتطلب عدة أشياء أولهم وربما يكون أسهلهم على مستوى العالم ولكنه أصعبهم في مصر وهو الإرادة السياسية الحقيقية على أعلى مستوى في الدولة بأن هذا الأمر لن يتم التساهل معه مطلقا.
ثانيهم وضع قانون داخل قانون العقوبات يجرم التعذيب بجميع أشكاله وفي جميع الظروف، وإعمال هذا القانون بمحاسبه حقيقية أمام القضاء النزيه، ومحاسبة كل مسئول عن واقعة تعذيب، إمداد الطب الشرعي بالقدرات والإمكانات التي تمكنه من إثبات التعذيب بشكل مستقل من خلال تقارير، رفض أية تحقيقات تتضمن اعترافات تمت تحت وطأة التعذيب وهذا سيكون رادع مهني على الأقل للتعذيب، التصدي لثقافة العنف الموجودة في المجتمع ككل والإفلات من العقاب.
ماذا سيتطلب تحقيق ذلك؟
بالطبع إصلاح منظومة القضاء وتطوير مؤسسة الشرطة، وعلى سبيل المثال من يثبت أنه قام بالتعذيب يتم عزله من وظيفته ولا يعود مرة أخرى حتى ولو على سبيل العمل الإداري، بل عزله عن أي عمل مباشر مع المواطنين يكون لديه أدوات تجعله يعاود التعذيب مرة أخرى.
ما رأيك في الحديث عن ضرورة تقديم تنازلات خلال الفترة الحالية؟
لتحسين الوضع يجب ألا يكون هناك تنازلات، ولا يجب النظر لحقوق الإنسان دائما على أنها شئ يُكبد الدولة خسائر على مستوى تطور الاقتصاد والتنمية وأن هناك تضاد بين الاستقرار ورفاهية حقوق الإنسان والتي ينظر لها دائما من هذا المنظور.
وفي حقيقة الأمر هو عكس ذلك تماما لأنه إذا شعر الناس بوجود عدالة في البلد سيقلل ذلك من السخط الموجود في المجتمع ضد السلطة وسيؤدي إلى استقرار أفضل وايجابية أعلى وترسيخ سيادة دولة القانون.
الدولة دائمًا ما تتحدث عن احترام حقوق الإنسان، وفي المقابل تحدث انتهاكات، كيف ترى ذلك؟
الحديث عن حقوق الإنسان مهم وينم عن درجة من الإدراك لمدى صدى تأثير هذا الملف على العلاقات الخارجية السياسية والاقتصادية ولكن ليس بالضرورة من منطلق حب حقوق الإنسان، ولذلك ينظر الرئيس والحكومة لحقوق الإنسان على أنه ملف يجب الاهتمام به ليس فقط إرضاء للمواطن المصري بل من أجل تحسين صورة مصر في زيارتها الخارجية.
هناك محاولات للتضييق على الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، تتفق أمم تختلف؟
بالطبع هناك حملات تشهير واضحة وتهديدات عبر وسائل الإعلام للمنظمات الحقوقية والعاملين بها ومنهم المفوضية، والهدف منها إرهاب المجتمع المدني والصحفيين والكتاب الذين يمتلكون آراء مختلفة للتوجه العام الذي تتبناه الحكومة والهدف من ذلك هو إرهابهم حتى لا يدرك المواطن لحجم الكارثة التي تحدث حاليا، لأن إدراك المواطن لذلك يكون أولى الخطوات للتضامن والذي يؤدي في النهاية لسخط المجتمع على الحكومة.
وبالمناسبة المجتمع المدني لا يريد تعبئة وحشد الناس بل بالعكس نحن نطالب باحترام الحريات الموجودة في الدستور حتى يحدث استقرار سياسي حقيقي في مصر، أما مزيد من القمع والدولة البوليسية فسيؤدي ذلك بالتأكيد إلى ثورة جديدة ناتجة عن احتقان.
هل بالفعل تتربص المنظمات الدولية لمصر لإعاقة تقدمها؟
فكرة تربص هذه المنظمات لإعاقة تقدم مصر غير صحيحة، التقدم يحدث في ظل دولة تحترم حقوق الإنسان ولا يحدث في مجتمع يسوده الفوضى ولا يحفظ للفرد حقوقه لأن هذا الفرد سينعدم لديه فكرة الإبداع أو تقديم جهد للبلد ولذلك فالمنظمات الدولية عندما تتحدث عن انتهاك للدستور والقانون الدولي ليس تربص بل بالعكس فهي تنذر الدولة بأنها تُجَرف أساس شرعيتها التي هي أساس تطوير وتنمية المؤتمر، فنظرية المؤامرة سهلة ويعتمد عليها عدد كبير من المؤرخين، وهي نظرية لا يمكن اثباتها من قبل من يقولون بها ولا يمكن نفيها ممن يتهمون بها، وتنفي المسؤولية عن فشل الأشخاص.
في ظل وجو البرلمان، هل تتوقع أنه سيناقش القضايا الحقوقية؟
أتوقع أن يكون هناك بعض النواب الذين سيثيرون مثل هذه القضايا تحت ضغط الإعلام والضغط الشعبي من الرأي العام، ولكن هل البرلمان بتشكيله قادر على اتخاذ قرارات ايجابية على المستوى الحقوقي هذا يظل موضع شك بالنسبة لي وأشك جديا في حدوثه، فحقوق المصريين التي من المفترض أن يناقشها البرلمان ليست فقط اقتصادية واجتماعية بل أيضا الحقوق المدنية والسياسية لها أهمية وضرورة.
بعد اتمام آخر الاستحقاقات، ماذا ننتظر للوضع الحقوقي؟
مستقبل حقوق الإنسان في انخراط أكبر عدد ممكن من المواطنين في الدفاع عن حقوقهم بنفسهم، وهذه هي رسالتنا في المفوضية أن ننقل ما لدينا من معرفة وخبرات إلى أكبر عدد ممكن ممن يهتمون بالشأن العام للدفاع عن حقوقهم بأنفسهم سواء على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو المدنية والسياسية، ولذلك فمستقبل حقوق الإنسان مزدهر على المستوى البعيد إذا تمكنا من ذلك.
وهل الدولة ستساعد في ذلك؟
لا.. الحكومة لن تساعدنا في ذلك ولم يسبق لها إلا أن وضعت عراقيل أمام هذه الرسالة.
فيديو قد يعجبك: