عن الدبكة والقدس والانتفاضة.. إيرانية تُعلّم أطفال العالم معنى "فلسطين" – (حوار)
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
حوار- دعاء الفولي:
بين المكتبات، كانت الأستاذة الجامعية جولبارج باشي، تطوف مع ابنتها ذات السبعة أعوام، تبحث عمّا تقرأه للصغيرة، تقع عيناها على كُتب أبجدية كثيرة؛ كلٌ يروي حكاية دولة مختلفة؛ فذلك يحكي عن أمريكا، هذا عن البرازيل، وآخر عن كندا، لكن فلسطين لم يكن لها مكان؛ لذا قررت الأم الإيرانية تأليف كتاب يروي قصة فلسطين للأطفال.
P for Palestine هو اسم كتاب ألفته باشي التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، مزجت فيه بين كلمات من التراث الفلسطيني مع تعريفات بسيطة لها، بالإضافة لرسومات مُلونة لتوضيح المعنى.
مطلع 2016 التحقت أستاذة الجامعة بورشة للكتابة عن الأطفال، وقبل أن تبدأ مشروعها القصصي استفتت أصدقائها الفلسطينيين "كل شخص ساعدني بطريقة، بعضهم عدّل على مصطلحات الكتاب، آخر حدّثني أكثر عن التراث وهكذا.."، ولأن التجربة تعليمية؛ اعتمدت المؤلفة على الرسامة الإيرانية جولروخ نفيسي "كان حظي جيدا لأن نفيسي أيضا مؤمنة بالقضية الفلسطينية ورسمت لأطفال المخيمات والحروب من قبل".
طوال الوقت، ظل الحديث عن فلسطين هاجسا يُراود المؤلفة الحاصلة على الدكتوراه في دراسات الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا الأمريكية. لم يكن ذلك من فراغ؛ عاشت السيدة سنوات حياتها الأولى كمهاجرة، ذاقت آلام الاغتراب والتشتت.
ولدت باشي منتصف السبعينات، قبل أعوام قليلة من الثورة الإسلامية في إيران، هاجرت مع أسرتها إلى أحد مخيمات اللاجئين بالسويد "وقتها أدركت معنى ألا تُتاح لك الفرصة لتتحدث عن وطنك وهويتك"، كانت تتحين أي فرصة لتخبر أقرانها عن إيران، وهُناك قابلت أصدقاء فلسطينيين "أتذكر أني فُتنت بحكاياتهم عنها"، كانوا صغارا مثلها "لكن فخورين بوطنهم، موقنين أنهم سيعودون مرة أخرى".
في الولايات المتحدة الأمريكية، استكملت الكاتبة الإيرانية حياتها، تشرّبت عادات فلسطين وتقاليدها من أصدقائها، وكذلك كُرهها للمحتل الإسرائيلي.
لم تكن خُطوات إنتاج الكتاب سهلة؛ التمويل المادي أوّل ما واجه المؤلفة ذات الـ44 عاما، لذلك لجأت لأحد المواقع التي تعتمد على تبرعات المهتمين "تلك المواقع أداة فعالة جدا في أمريكا ويثق فيها الناس".
دشّنت المؤلفة صفحة للكتاب عبر موقع فيسبوك، ومقطع مصور شارك فيه شخصيات عامة لتزكيته "حاولنا تبسيط الفكرة، وتعريف المتابعين لماذا عليهم شراء الكتاب ولماذا يجب أن يدعمونا"، طرحت باشي حملة تمويل طبع الكتاب في يناير 2017، وفي نوفمبر من نفس العام خرج الابن العربي للنور.
"الفاء لفلسطين، والدال للدبكة، الألف للانتفاضة، والزاي للزيتون".. تحوي صفحات الكتاب، كل الحروف الإنجليزية، وبجانب كل حرف كلمة تبدأ به مرتبطة بفلسطين. حين طُبعت النُسخ الأولى في أمريكا، دقّ قلب باشي بعنف "فضلا عن أن التجربة كانت جديدة، فالكتاب مطبوع بتبرعات الناس، لذا يجب أن يعجبهم"، غير أن ردود الفعل أثلجت صدرها، إذ تم طباعة 6000 نسخة حتى يومنا هذا.
أثناء العمل على الكتاب استمتعت باشي كثيرا "اعتدت أن أروي لأبنائي قصصا، لكن الكتاب أتاح لي الفرصة كي أفعل ذلك لأطفال أكثر". نظمت الأستاذة الجامعية 3 ورش حكي للأطفال في أماكن متفاوتة بنيويورك حيث تقطن "كان الصغار يسألونني بانبهار.. هل هذا حقيقي؟.. هل هناك دولة تُسمى فلسطين؟.. أين تقع؟"، فيما لا تنسى باشي تعليقات الأطفال الفلسطينيين إذ يستمعون لها "بعضهم قاطعني ليقول، أمي من غزة، فيرد عليه آخر: أبي من رام الله.. كان الأمر كأننا في الجنة".. تلك اللحظات من السعادة الصافية، هوّنت على الأم ما لاقته من ردود فعل عنصرية، وتهديدات تلقّتها.
بدأ التضييق قبل صدور الكتاب، فبمجرد نشر الفكرة عبر موقع فيسبوك "انهالت التعليقات السيئة عني وعن محتوى ما نقدمه"؛ البعض قال إن الكاتبة إيرانية وبالتالي فهناك مؤامرة من المسلمين ضد أمريكا"، آخرون كتبوا "أحرقوا الكتاب والمشاركين فيه".
وحينما امتثل الكتاب للطباعة توالت التعليقات السيئة "أحدهم أرسل لي صورة وهو يحرق الكتاب بالفعل".. تحكي باشي بمرارة عن صفحة للأمهات على فيسبوك تداولوا صورا لها "وقالت أحدهن: انظروا إنها مسلمة، يجب أن تدافع عن الهمجية في فلسطين"، آلمتها الردود بشدة "كانوا عنصريين ومؤمنين بما يقولون، ليس عن جهل، كانوا عنصريين في نيويورك؛ أكثر المدن حرية وديمقراطية في العالم".
تخطّى البعض حدوده "قبل أحد حفلات توقيع الكتاب وصلت لي تهديدات بضرورة إلغاء الحدث، ووصلت أيضا لصاحب المكتبة المستضيفة للحدث"، لوهلة قررت الكاتبة الإيرانية عدم الاهتمام، لكنها لم تضمن ما يمكن حدوثه "صاحب المكتبة قال لي إنه على مدار 30 عاما لم يتلق تهديدات بسبب كتاب أطفال". لم يتم إلغاء الحدث "لكن طلبنا بعض قوات الشرطة لتأمين المكان"، شعرت باشي وقتها بالخوف، على نفسها، والأطفال "ربما لذلك السبب لم نعقد سوى 3 جلسات فقط لقراءة الكتاب".
مع الوقت، اعتادت مؤلفة الكتاب على تلقي السخافات بهدوء "يؤكد لي ذلك نجاح الفكرة"، بينما في المقابل نزلت الرسائل الإيجابية عليها بردا وسلاما "وصلتني كلمات رائعة من الكويت، الهند، الأردن، كندا، أوروبا وحتى أمريكا"، أخبرها الآباء مرارا عن سعادتهم لوجود كتاب تعليمي عن فلسطين، فيما تذكر رؤية رجل وسيدة عجوزين بأحد المتاجر يشتريان الكتاب "الجميل أنهما أراداه لأنفسهما، أرادا الاطلاع على فلسطين بشكل بسيط، بعيدا عما ينقله الإعلام هناك".
تُروج باشي للكتاب كلما استطاعت، تعتبره وثيقتها الأهم "لأنه ليس لأحدهم أن يسلب الأطفال حق المعرفة، لاسيما إذا كان هذا الشخص معتدي"، مازالت الأم لفتاة وطفل تُعاني بسبب ما قدمت، إذ تم الضغط على مكتبة book culture في نيويورك لوقف بيع الكتاب، لأنه يحوي كلمة "انتفاضة".
تروي باشي لمصراوي، أن الحملة المعادية بدأت ببيان لمعبد steven wise synagogue، وهو معبد يهودي شهير في نيويورك، ومع ازدياد الضغط، اضطر صاحب المكان لإزاحة الكتاب بالفعل "كان هذا مخزيا.. أن أرى مكان ليبرالي ينشر في جميع المجالات، يضطر لتنحية كتاب أطفال لمجرد أنه لا يُعجب البعض".
كان ذلك في ديسمبر الماضي "خسرنا مكتبة هامة دعمت كتابنا"، ورغم أنها مازالت تتعافى مما حدث "لكني لست خائفة"، فهي بصدد إنشاء طبعات أخرى، والحديث عن القضية بكل ما أوتيت من إيمان، فربما أفضل ما قابلته في تلك الرحلة هؤلاء المؤمنين بحق فلسطين "هم ليسوا من أهلها، لكنهم كذلك بالقلب".
الآن أصبح البعض يُخبرها أن أبناءه صاروا يعرفون فلسطين "ويحدثون زملائهم في المدرسة عنها"، فيزيدها ذلك تعلقا بما تفعل، وتقول لنفسها بثقة "انا كاتبة وناشرة، أحب فلسطين، وسأحكي عنها ما حييت".
فيديو قد يعجبك: