من أسرار القرآن (2).. الفرق بين "يغفر لكم ذنوبكم" و"يغفر لكم من ذنوبكم"
كتب - إيهاب زكريا:
ما زال القرآن الكريم يبوح بأسراره. فأسرار القرآن الكريم ما زال مجهول منها الكثير والكثير على دنيا الناس، وقد استطاع العلماء فك أحد أسرار اللغة بالقرآن الكريم للتفرقة بين الألفاظ المتشابهة.
ويسعى مصراوي في هذه النافذة لمساعدة القارئ في تبيان بعض الفروق البلاغية بين بعض كلمات القرآن الكريم التى تبدو متشابهة في كتاب الله تعالى، لكن هذا التشابه لا يعنى التطابق مائة بالمائة، فلبلاغة القرآن دور بارز وواضح في التفرقة بين معاني هذه المتشابهات من الألفاظ.
ولنغترف من معين البلاغة الذي لا ينتهي لنبدأ بالتفرقة بين قوله تعالى: "يغفر لكم ذنوبكم" وقوله تعالى: "يغفر لكم من ذنوبكم"
أولاً: (يغفر لكم ذنوبكم) تأتى في سياق ذكر المؤمنين
- {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.. [آية آل عمران : 31]، حب الله، وتمام الاتباع للرسول أدى إلى أن يحبهم الله.
- {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.. [الأحزاب: 31] إذا تحققت التقوى، وأصبح العبد لا يقول إلا قولاً سديداً.
- {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.. [الصف : 12]، الأمر واضح في، فقد وصلوا إلى ذروة سنام الأمر وهو الجهاد فى سبيل الله.
ثانياً: (يغفر لكم من ذنوبكم) تأتى في سياق ذكر الكافرين
- {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}.. [إبراهيم : 10].
- {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.. [نوح : 4].
فما علة التخصيص بـ(من) كما ذكر د. محمد الخضيري في تفسير سورة نوح (برنامج التفسير المباشر)
الثلاث الأول فى المؤمنين، نعم ولكن ليس كل المؤمنين. فغفران الذنوب كلها لها مقدمات وأسباب هي:
ففى آية ابراهيم وآية نوح: تلاحظ أن قبلها دعوة للإيمان والتقوى، وطاعة الرسول، وبعدها وعد بالتأخير إلى أجل مسمى، لما كان الأجل المسمى قد حدد سلفاً إذن، إذا آمنوا يصلون إليه ولكن عدم إيمانهم يؤدى إلى هلاكهم بسنة شرعية وهو ما حدث.
فنفهم أنه في الدعوة "ويغفر لكم من ذنوبكم " التي تستوجب عذاب الهلاك في الدنيا. و"من ذنوبكم" أتت في حق الكافرين فقط.. والله أعلم.
فيديو قد يعجبك: