صيام الحيوانات (١).. سفينة الصحراء تصوم أيضاً
إعداد – سارة عبد الخالق:
يقول تَعَالَى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء ثُمَّ إِلَى رَبّهمْ يُحْشَرُونَ﴾.. [الأنعام : 38]، ويقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾.. [النور: 41]، فلا تقتصر العبادات على أصحاب الديانات الثلاث فقط، بل إن الحيوانات والطيور والحشرات تعبد الله ولكن بصور شتى لا نفهمها، وهو الأمر الثابت في الكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة، ومن هذه العبادات الصوم، فهذه العبادة التي يؤديها المسلمون لم يثيت بالقطع أن الكائنات والحيوانات تؤديها، ولكن ما ثبت من آراء علماء ومفسرين أن هذه الكائنات تصوم صياماً مختلفاً وبصور وظروف متباينة، تتمثل أحياناً بالأحوال الطارئة كالمرض، أو غريزية كحالات السُّبات «البيات» بنوعيه الشتوي والصيفي، أو حتى خلال فترة ما بعد المولد مباشرة، أو خلال الانتقال من مكان إلى آخر للحفظ على البقاء.
الجمل هذا الحيوان الملقب بـ (سفينة الصحراء) الذي يقف الرحالة أمامه متعجبين، والذي له مميزات مختلفة تميزه عن غيره من الحيوانات، يصوم أيضا!
فالجمل له قدرة عجيبة على تحمل ظروف الحياة في الصحراء من قلة الماء والطعام بالإضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة، وهو يشتهر بالكتلة الدهنية الموجودة أعلى ظهره والتي تعرف بـ (السنام)، الذي يقوم بتخزين الدهون فيه ليقوم بحرقها خلال عملية التنفس، حيث تتحول الدهون إلى طاقة تمدة بأحتياجاته في فترة الحرمان من الطعام، والمعروف أن الدهون تحتوى على طاقة أعلى بكثير من الطاقة المخزونة في الكربوهيدرات في صورة نشا أو جليكوجين.
كما أن الجمل يستطيع تحمل العطش بسبب قدرته على تحمل نقص الماء في أنسجة جسمه، وأنه من خلال ذلك لا يفقد الماء من سائله الدموي إلا بنسبة ضئيلة للغاية، كما أنه يتحمل فقد الماء حتى 30% في حين أن باقي الكائنات الحية تهلك إذا زاد فقد الماء من أجسامها عن 20%.
وعندما يمتلئ السنام بالدهن فإن الجمل تقل رغبته في تناول الطعام إلى حد الامتناع تماما عن الأكل، ويدخل الجمل في حالة من الصيام الحقيقي، وتستمر فترة الصيام حتى يستهلك قدرا كبيرا من هذا المخزون، ومن الأشياء التي يستدل بها على صيام الجمل أنه عادة ما يجتر بدون تناول الطعام.
وقد ذكر الكاتب علي عفيفي علي غازي في مقدمة كتابه (بدو العراق والجزيرة العربية بعيون الرحالة): (تعجبت كثيرا من علاقة البدوي بحيواناته وخاصة سفينة الصحراء الجمل، أو الإبل كما يطلقون عليها، ذلك الحيوان الذي وقف أمامه الرحالة عاجزين عن تفسير دوره في حياة البدوي، فهو مصدر مياهه في حال نضوبها، ومصدر طعامه في حالة العوز والحاجة، ووسيلة انتقاله في السفر والترحال، وأداة ركوبه في الغزوات والغارات، وفوق كل ذلك يتسم بالذكاء، فكم من مرة وقف الرحالة متعجبون أمام إدراكه لاتهام صاحبه له بأنه "كافر" ووقوفه بعدها للحظات يبكي، وتعجبهم من صيامه).
جدير بالذكر أنه مذكور في القرآن الكريم بأكثر من لفظ (الجمل والإبل والبعير والأنعام)، وجاءت كلمة الجمل مفردة في موضع واحد في القرآن الكريم في سورة الأعراف (آية: 40): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾.
*مصادر:
- كتاب (بدو العراق والجزيرة العربية بعيون الرحالة) لـ: علي عفيفي علي غازي
- جريدة الأهرام المسائي
- موسوعة ويكيبيديا
فيديو قد يعجبك: