المجددون في الإسلام .. مجاهد "شيخ المفسرين"

كتب – هاني ضوه :

في حلقات المجددين في الاسلام يرصد مصراوي اليوم سيرة أحد المجددين من أهل المائة الأولى، والذي لا يخلو كتاب من كتب تفسير القرآن الكريم من آراءه وتفسيراته للكلام الله .. إنه الإمام المقرئ المفسر، الإمام الثقة الفقيه مجاهد بن جبر، أبو الحجاج القرشي المكي المخزومي الذي برع في التفسير وقراءة القرآن والحديث.

ولد الإمام مجاهد بمكة المكرمة في خلافة أمير المؤمنين عمر الخطاب رضي الله عنه سنة 21 هجرية، فكان قريب عهد بالصحابة الكرام فلزم كثير منهم ونهل من علمهم، لذا فهو من طبقة التابعين، وقد عدَّهُ ابن الأثير الجزري أحد المجددين على رأس المائة الأولى بصفته أحد الفقهاء والمفسرين في مكة المكرمة والذين كان لهم أثرًا كبيرًا في تفسير كتاب الله.

من تتلمذ على أيديهم

كما قلت جمع مجاهد حصيلته العلمية من عدد من الصحابة الكرام فقد روى عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ورافع بن خديج، وأبي سعيد الخدري، وروى عن أبي هريرة، وأم هانئ بنت أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وسراقة بن مالك، وعطية القرظي وعبدالرحمن بن أبي ليلى، وعبدالله بن السائب المخزومي، وعطاء بن أبي رباح، وعبد الرحمن بن صفوان بن قدامة، وأبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود، وغيرهم الكثير رضي الله عنهم أجمعين .

وروى كذلك عن بعض أمهات المؤمين رضوان الله عليهن ومنهن السيدة عائشة والسيدة أم سلمة رضي الله عنهما .

عايش مجاهد أغلب فترة الخلفاء الراشدين الأربعة وما تلاها من حكم بني أمية حتى تولى عمر بن عبدالعزيز، وكان يعيش ما بين مكة والكوفة ينتقل بينهما، مما أتاح لهم فرصة لتلقي العلم عن عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم سواء في مكة أو الكوفة، ليس ذلك فحسب بل كان ترحاله هذا سببًا في انتشار آرائه وتفسيراته التي نقلها عنه التابعين ممن عاصروه والسلف من بعدهم وأئمة الأمصار الذين التقوا به.

ملازمته لابن عباس

ومن المراحل التي أثرت بشكل كبير في حياة الإمام مجاهد العلمية وجعلته شيخًا للمفسرين ملازمته لحبر الأمة وترجمان القرآن الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه، فقرأ عليه القرآن بتدبر وتأمل، وعن ذلك يقول مجاهد: "عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت، وكيف كانت؟".

ولذلك قال عنه ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" إنه "أحد أئمة التابعين والمفسرين كان من أخصاء أصحاب ابن عباس وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير حتى قيل أنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاووس وقال مجاهد أخذ ابن عمر بركابي وقال وددت أن ابني سالمًا وغلامي نافعًا يحفظان حفظك وقيل أنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة وقيل مرتين أقفه عند كل آية وأسأله عنه".

منهجه في التفسير

رغم أن لمجاهد باعًا كبيرًا في رواية الحديث الشريف، فإنه برع وبرز بشكل أكبر في تفسير القرآن الكريم، حتى أن أكثر السلف رضوان الله عنهم من النقل عنه فيها: جانب التفسير، فلا يكاد يخلو كتاب من كتب التفسير، سواء بالمأثور أو بالرأي أو التفسير الإشاري وغيرها من النقل عنه، أو عرض بعض تفسيراته وتأويلاته.

وباستعراض تفسير الإمام مجاهد، نجده يفسر القرآن بالقرآن أحيانًا، ويفسر القرآن بالحديث أحيانًا أخرى، بينما قد يفسر القرآن بفتاوى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، أو يفسره بمعاني اللغة، ويفسر بالإسرائيليات وما رواه من صحف بني إسرائيل. فمادة التفسير عند الإمام مجاهد خصبة، كثيرة الجذور والمستقيات، ولذلك كان الإمام مجاهد من أهل الاستنباط والاجتهاد، وعُرِفَ ببراعته و بِنُضْج آرائه.

أراء العلماء فيه

نظرًا للمكانة والتفرد الذي وصل إليه الإمام مجاهد في تفسير كتاب الله عز وجل فقد تحدث عنه علماء عصره ومن جاؤُوا بعده بكثير من المدح، فقال عنه سفيان الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به ".

ونقل الإمام ابن عساكر في كتابه "تاريخ دمشق" عن الثوري كذلك قوله: "خذوا التفسير من أربعة: مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك". والضحاك وقال خصيف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسير.

ووصفة الإمام الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" فقال: "أبو الحجاج المكي المقريء المفسر أحد الأعلام". وقال عنه قتادة: "أعلم من بقي بالتفسير مجاهد". وقال عنه الأعمش: “كان إذا نطق خرج من فمه اللؤلؤ”.

وفاته

تاريخ وفاة الإمام مجاهد من الأمور التي اختلف فيها من ترجموا له، فقال الإمام ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": "مات مجاهد بالكوفة وهو ساجد سنة مائة وقيل إحدى وقيل ثنتين وقيل ثلاث ومائة وقيل أربع ومائة وقد جاوز الثمانين".

والأرجح كما ذكر الإمام ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى" أنه "توفي بمكة وهو ساجدٌ، سنة أربعٍ ومائةٍ، وبلغ مُجاهِد يوم مات ثلاثًا وثمانين سنةً".