خواطر رمضانية مع الشيخ محمود الهواري.. الفردوس الأعلى (4)
كتب- محمد قادوس:
اختص الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر الشريف، مصراوي بالحديث عن خواطر إيمانية رمضانية، وفي الحلقة الرابعة يتحدث الهواري عن الخاطرة الثالثة بعنوان "الفردوس الأعلى"محمد.
يقول الهواري: منذ اللحظات الأولى لرمضان والعبد الطائع حتى العاصي يحلم بأن يكرمه الله بجنة عرضها السموات والأرض، حيث أعدَّ الله لعباده لصالحين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأعلى الجنة وأوسط الجنة الفردوس، مستقر المؤمنين العابدين التي جعل الله غراسها بيده، قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا».
وأوضح الهواري أن كلمة الفِردوس تُلقي في القلب الفرحَ والسعادة، والطمأنينةَ والأنس والرِّضا، وتلقي في السمع جرسًا يَهدأ له البال، وتقر له العين، ويحرك القلب شوقًا لهذه المنزلة العظيمة التي يَفوز من ينالها فوزًا ما بعده فوز.
وكلمة الفردوس اسمُ جَنَّةٍ من جنَّات الآخرة، وهي أعلى الجنَّة وأوسطها وأفضلها.
وتابع الهواري: في صدر سورة (المؤمنون) ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم آياتٍ مفصّلاتٍ لصفات المؤمنين، الذين يدخلون الفردوس في الجنة، وجعل الآيات في مطلع سورة المؤمنون؛ لتكون دليلًا ومرشدًا لمن أراد أن يفوز بجنة الفردوس، وقد افتتحت الآيات الكريمات بقول الله تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ»؛ أيّ سُعدوا وأفلحوا، ثم عدد صفات هؤلاء المؤمنين الفائزين بالفردوس، فذكر جملة من صفاتهم، وكلها تتحقق في هذا الشهر الكريم.
ومن صفاتهم أنهم: «الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ» والخشوع المطلوب: هو حضور القلب وتدبره في حركاته وكلماته، والخشوع في الصلاة إنّما يحصل لمن فرّغ قلبه لها، واشتغل بها عمّا عداها، وآثرها على غيرها، فالصلاة بلا حضورٍ للقلب؛ كالبدن الذي لا روح فيه، لا تصلح الصلاة أن تقدَّم لله تعالى، وقد حذّر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- شتات القلب في الصلاة، فلا يحسب للإنسان من صلاته، إلّا ما عقل منها، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الرَّجلَ لينصرِفُ وما كُتِبَ لهُ إلا عُشرُ صلاتِهِ تُسُعُها ثُمُنُها سُبُعُها سُدُسُها خُمُسُها رُبُعُها ثُلُثُها نِصْفُها)، فإنّ ذلك بحسب حضور القلب، أو شتاته، ورمضان يجمع على المرء قلبه فيخشع في صلاته.
وفي نهاية خاطرته الرابعة، قال الهواري: إن من صفات المؤمنين الذين يفوزون بالفردوس الإعراض عن اللغو، والحديث الباطل، يقول الله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»، وكل ما خرج عن الشرع من كلام مذموم منهي عنه من اللغو، وكل ما ألهى عن الله ودينه وشرعه وقرآنه وسنة نبيه من اللغو باطل، ورمضان يأمر بأدب اللسان.
ومن صفات المؤمنين أيضا: أنهم يزكون أنفسهم وأموالهم، يقول تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ» وقد حمل أغلب المفسّرون الآية الكريمة على أنّها أداء زكاة المال المفروضة على الأغنياء، وقال بعضهم أنّ الزكاة المقصودة هي تزكية النفس من المعاصي والآثام، وقد يحتمل أن تشمل الآية الكريمة كلا المعنيين، فيكون بها كمال الإيمان عند المرء، ورمضان تسخو فيه نفوس الناس وتجود.
ومن صفات المؤمنين كذلك: أنهم يحفظون النفس من الفواحش، يقول الله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ» فلا يقعون في فاحشة الزنا، ويتورعون عن مقدماتها، ويبتعد عن كلّ ما يوصل إلى ذلك؛ من خلوةٍ أو نظرةٍ أو لمسةٍ، فلا يأتي إلّا ما أحلّ الله له، ومن وقع في شيء سوى ما أحله الله تعالى مما يرجع على المجتمع والأسر بالتخريب فهو معتد على حرمات الله.
وأوضح: كذلك من صفات المؤمنين الذين يستحقون الفردوس أنهم يؤدون الأمانات إلى أهلها، يقول تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» أيّ مؤدّون ما عليهم من أماناتٍ ومواثيقٍ، وحريصون عليها، والأمانات لفظٌ عامٌ يشمل حقوق الله تعالى، من صلاة وصيام وزكاة وسائر التكاليف، وحقوق العباد، كأمانات الأموال، والأسرار ونحوهما، فعلى العبد مراعاة الأمرين، وأداء الأمانات.
ومن الصفات التي بدأت بها السورة وأعيدت هنا مرة أخرى لأهميتها المحافظة على الصلوات، بأركانها، وشروطها، وكيفيتها، يقول الله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ» فإنّ المحافظة على الصلاة في وقتها، وأركانها، وصحّتها، ، وقد امتدح الله -تعالى- الأمرين، وجعلهما من صفات المؤمنين، وذكرها مرتين مرة يذكر الخشوع فيها، ومرة يذكر المحافظة عليها.
ويختم الله -تعالى- الآيات بقوله: «أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ*الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» أيّ من عمل بمضمون تلك الآيات، فإنّه قد ورث منزله من الجنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ في الجنة مائة درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدَّرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم اللهَ، فاسألوه الفردوسَ؛ فإنَّه أوسط الجنَّة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرَّحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة»
شهر رمضان يأخذ بأيدينا إلى الفردوس، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهلها.
فيديو قد يعجبك: