بالفيديو: تعرف على الصدقة الجارية التي أوقفها عثمان بن عفان منذ أكثر من 1400 سنة
كتبت – سارة عبد الخالق:
الصدقة الجارية هي كل عمل يبقى نافعا للبشرية حتى بعد موت صاحبه، وثوابها وفضلها ممتد للعبد ولا ينقطع بعد وفاته، مصداقا لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الشريف: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له "..
يلقي مصراوي اليوم الضوء على صدقة جارية باقية منذ أكثر من 1400 سنة حتى يومنا هذا، صاحبها هو الصحابي الجليل، ثالث الخلفاء الراشدين وأحد المبشرين بالجنة الملقب بـ (ذي النورين)، سيدنا "عثمان بن عفان - رضي الله عنه – ".
أوقف سيدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنه – وقفا وجعله لسائر المسلمين الغني والفقير وابن السبيل.. لكن ما قصة هذا الوقف الشهير؟
قصة صدقة عثمان بن عفان الجارية
يروي الشيخ حسن الحسيني في برنامجه (قصص الصحابة) قصة هذا الوقف قائلا: إنه بعد هجرة المسلمين من مكة وزيادة أعداد المسلمين في المدينة زاد الاحتياج إلى الماء، إضافة إلى أن المهاجرين استنكروا الماء بالمدينة إلا ماء بئر يعرف بـ "بئر رومة"، فقد كان مياهه من أعذب وأفضل المياه، ومازالت هذه البئر معروفة وموجودة حتى يومنا هذا ، وماؤها مازال غزيرا وعذبا.
وكان صاحب هذه البئر رجلا مختلفا فيه، قيل إنه من قبيلة "غفار" ويسمى رومة، وقيل مالكها كان يهوديا، فعن بشير الأسلمي قال: "لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، كان يبيع منها القربة بالمُد، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - :بيعنيها بعين في الجنة، فقال له الرجل: ليس لي ولعيالي غيرها ولا أستطيع فعل ذلك، فبلغ قوله عثمان بن عفان – رضي الله عنه – فاشتراها 35 ألف درهم، ثم أتى إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله أتجعل لي مثلما جعلت لرومة؛ عينا في الجنة إن اشتريتها، قال النبي – عليه الصلاة والسلام -: نعم، قال عثمان: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين".
وفي قول آخر، ورواية أخرى، أن صاحب هذه البئر كان رجلا يهوديا، فاستغل هذا اليهودي حاجة المسلمين للماء ، وكان لا يمنح شربة ماء دون مقابل بل كان يبيع كل قربة بدرهم، عندها قال النبي – صلى الله عليه وسلم- : "من يشتري بئر رومة، فيكون فيها دلوه مع دلاء المسلمين، بخير منها في الجنة"، وفي رواية: "من يبتاع بئر رومة غفر الله له".
من أجل ذلك دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – لشراء هذه البئر، بحيث من يشتريها لا ينفرد بها لنفسه، بل يشرب منها كما يشرب منها باقية المسلمين، وجزاءه بئر في الجنة ومفغرة ذنوبه.
فهنا جاء دور سيدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنه – المقبل على الخير، فذهب إلى هذا الرجل اليهودي وعرض عليه شراء البئر، لكنه رفض، فعرض عليه عثمان أن يشتري نصف البئر بمبلغ اثني عشر ألف درهم، فيكون يوما له ويوما لليهودي يبيع منه، فوافق اليهودي وتم البيع، ظنا منه أن عثمان بن عفان هو الآخر سبيع الماء.
ماء بدون مقابل
لكن سيدنا عثمان – رضي الله عنه - جعل يومه لوجه الله يشرب الناس ويأخذون حاجتهم من الماء دون مقابل، فأصبح الناس ينتظرون يوم عثمان ويأخذون ما يحتاجونه من الماء، ولا يذهبون إلى اليهودي في يومه ويشترون منه الماء، فشعر اليهودي بالخسارة، فذهب إلى عثمان بن عفان وقال له: "أفسدت علي تجارتي فاشتر مني النصف الآخر، فاشتراه عثمان بـ 8 آلاف درهم، وأصبح إجمالي ثمن البئر 20 ألف درهم، ثم أوقفها عثمان بن عفان - رضي الله عنه – للمسلمين جميعا مجانا دون مقابل.
ففي النسائي والترمذي، عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: "من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين، بخير له منها في الجنة؟" فاشتريتها بصلب مالي.
سبب رفض بيع عثمان رغم ما عرض عليه
جاء بعد فترة أحد الصحابة لسيدنا عثمان بن عفان وعرض عليه شراء البئر بأضعاف ثمنها، ولكنه رفض وقال له عُرض علي أكثر، فاستغرب الصحابي، وقال له: لايوجد مشتر غيري، فمن هذا الذي أعطاك أكثر مني، فقال عثمان : الله، أعطاني الحسنة بعشرة أمثالها.
ومنذ أن اشترى عثمان بن عفان البئر، ظلت للمسلمين دون مقابل، ثم بدأت أشجار النخيل تنمو حول البئر، ثم اعتنت بها الدولة العثمانية، ثم من بعدها المملكة العربية السعودية، وأصبح تمر تلك النخيل يباع في الأسواق، وما يأتي منه من إيراد يوزع على الأيتام والمساكين ويصرف منه أيضا على نفقة المسجد النبوي.
هل صحيح هناك حساب بنكي باسم عثمان بن عفان؟
يشار إلى أنه انتشر لفترة أن هناك حسابا بنكيا مستثمرا في المملكة العربية السعودية باسم "عثمان بن عفان" له علاقة بهذه البئر، لكن هذه المعلومة غير صحيحة، وهذا ما نفاه الدكتور محمد الخطري مدير فرع وزارة الأوقاف في المدينة المنورة – وفقا لما صرح به مسبقا لصحيفة الاقتصادية السعودية – مؤكدا :" إنه لا صحة للمعلومات المتداولة حول وجود حساب مصرفي باسم الصحابي عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن بئر رومة الواقعة في مزرعة عثمان بن عفان في حي الأزهري في المدينة المنورة وقف مؤجر منذ 50 عاما على وزارة الزراعة، ويصرف ريعه على مصالح المسجد النبوي، وإنه تحت نظارة وزارة الشؤون الإسلامية" – على حسب قوله -.
كما أوضح عبدالله كابر، الباحث في تاريخ السيرة النبوية وآثار المدينة المنورة – في تصريح سابق للعربية. نت - مشيرا إلى وجود دار لعثمان بن عفان في الجهة الشرقية للمسجد النبوي الشريف، وهذه الدار كان جوارها رباط يعرف بـ"رباط العجم"، فأحب أصحاب هذا الوقف أن يسموه لمجاورته دار عثمان بن عفان بوقف سيدنا عثمان بن عفان، تيمنا وتبركا بأنه يقع بجواره، لكن عندما حصلت التوسعة السعودية الثانية، وتمت إزالة المباني ناحية الجهة الشرقية للحرم النبوي سجل التعويض في البنك باسم وقف عثمان بن عفان، وحصل خلط لدى موظفي البنك بين الأرقام والأموال التي أودعت باسم عثمان بن عفان هي تعويضا للرباط وليس خاصة بالبئر".
فيديو قد يعجبك: