دولة المنشدين.. ياسين التهامي منشد البوح والشجن الذي وصل للعالمية
كتب – هاني ضوه :
دولة المنشدين مليئة بالمداحين الذين يصدحون ويغردون بأصواتهم فيطربون سامعيهم بأجمل الكلمات، ولكن هناك منهم من إذا أنشد حرك الأرواح ورقاها بل وجعلها تسبح في الملكوت.. ومن هؤلاء الشيخ ياسين التهامي حادي الأرواح وأحد أشهر المنشدين الذين بلغت شهرتهم كبار المنشدين ويأتي الآلاف للاستماع إليه مهما بعدت المسافات.
ولادته ونشاته
ولد الشيخ ياسين التهامي حسنين محمد في 6 من ديسمبر عام 1949م، في قرية الحواتكة بمركز منفلوط أشهر قري محافظة أسيوط، ونشأ في ربوع قريته في أسرة ينتسب أغلبهم لطريق التصوف ووالده الشيخ التعامي حسنين أحد المشايخ المشهورين بالصلاح في قريته، وهو ما أسهم في تكوين شخصيته وصقلها وتذوقه للمعاني الصوفية الراقية.
التحق الشيخ ياسين التهامي بكتاب قريته فحفظ القرآن الكريم وتعلم بعض من فنون اللغة العربية، ثم ألحقه والده بالأزهر الشريف فدرس في معاهده حتى وصل إلى الصف الثاني الثانوي، إلا أنه اضطر إلى التوقف عن استكمال الدراسة في عام 1970 لظروف ألمت به.
لم يكن توقف الشيخ ياسين عن الدراسة نهاية العالم بالنسبة إليه، فقد كان عاشقًا للإنشاد والمديح فحفظ قصائد وأشعار كبار الصوفية أمثال سيدي محي الدين بن عربي وسيدي ابن الفارض، والحلاج، وغيرهم، وأتقن إنشادها.
بروز نجمه
ومع حلول منتصف السبيعات كان اسم الشيخ ياسين التهامي قد بدأ في البروز والظهور رغم وجود عمالقة للإنشاد في ذلك الوقت وعلى رأسهم الشيخ أحمد التوني الذي كان متربعًا على عرش الإنشاد في تلك الفترة لما يزيد عن 30 عامًا.
وأنشد الشيخ التهامي ما يزيد عن 170 قصيدة، ويأتي لحضور لياليه عشرات الآلاف من المحبين للاستماع إليه، ويقطعون المسافات الطويلة من أجل أن ينالوا بعضًا من نفحات لياليه التي يقيمها خاصة في أشهر الموالد في مصر، فتهيم أرواحهم في الملكوت، وفي كل مرة ينشد قصائده كأنه ينشدها لأول مرة، ولكل مرة مذاق وإحساس مختلف، حيث ينشدها بشوق وشجن.
ولم يحصر نفسه في القصائد الصوفية القديمة فحسب، بل أنشد كذلك قصائد لعدد من الشعراء المعاصرين والقدامى من بينهم الأمير عبد الله الفيصل، وعبد الله البردوني، وعلي عبد العزيز، وأحمد شوقي، وعلية الجعار، والأخطل الصغير (بشارة الخوري)، وطاهر أبو فاشا، وإيليا أبي ماضي.. ومن القدماء المتنبي وأبو فراس الحمداني ورابعة العدوية، ولعنترة بن شداد.
وصوله إلى العالمية
لم تتوقف شهرة الشيخ ياسين التهامي عند مصر فحسب، بل بلغ بصوته وآداءه الأفاق وسافر ليحيي الليالي في عدد كبير من الدول العربية والأوروبية في مئات الحفلات التي ينظمها له محبوه في تلك البلدان وعلى رأسها بريطانيا وباريس وألمانيا وهولندا واسبانيا وفنلندا والولايات المتحدة الأميركية وغير ذلك من مدن وعواصم دول العالم، خاصة في مهرجانات الموسيقى الروحية.
وتحدثت عنه الكثير من وسائل الإعلام هناك من بينها هيئة الإذاعة البريطانية BBC التي قالت عنه: «إنه صاحب صوت إنسانى فضفاض يستوعب أى إنسان على اختلاف لغته وموسيقاه أكبر من الشعر»، وعند زيارته لإسبانيا أقام عدة حفلات هناك كان أبرزها تلك الحفلة التي أقيمت في كبرى كنائس مدريد بإسبانيا.
وفي لندن حيث مهرجان الموسيقى الروحية الذي يقام كل عام، قدمه مقدم الحفل ليلتها بكلمات قال فيها: «ياسين شيء مختلف لا نستطيع تقديمه؛ لذا فمن الأفضل أن نتركه يقدم نفسه من خلال غنائه وموسيقاه وشكل أدائه الذي يشبه البوح».
أفضل منشدي العالم
حصل الشيخ ياسين التهامي على عدد من الجوائز العالمية المهمة في عالم الإنشاد فحصل على الجائزة الأولى في أنجلترا على مستوى القارات الست، وحصل كذلك على نال جائزة أفضل صوت وأفضل أداء وأفضل قصيدة، ليكون المصري الوحيد الذي فاز بهذه الجائزة كأفضل منشد في العالم.
دراسات عنه
كان للشيخ ياسين التاهمي تأثير كبير وواضح في عالم الإنشاد والشعر الصوفي والعربي، فاستطاع أن يوصل تلك المعاني العميقة التي صيغت بلغة عربية فصيحه من قبل كبار شعراء الصوفية، إلى قلوب وأفهام البسطاء من الناس.
ولهذا الأثر نوقشت قبل سنوات رسالة دكتوراه عن الشيخ ياسين التهامي في جامعة الأزهر بحافظة أسيوط، بعنوان "دور الشيخ ياسين في إحياء الشعر العربي وجعله على ألسنة العامة".
ليس ذلك فحسب بل إن ما يمتلكه من موهبة كبيرة ومساحة صوتية مبهرة حثت الباحث الأمريكي "مايكل فروشكوف" على تخصيص دراسة كامل عن أدائه الصوتي، وبالمثل مع المستشرق الألماني “كولن” إلى أن أفرد له قسمًا مستقلًا في كتابه عن الموسيقى الشرقية؛ باعتباره مرتجلًا لنغم صوفي جديد من دون تعليم أو دراسة أكاديمية.
فيديو قد يعجبك: