كاملًا أم مفرقًا.. كيف نزل القرآن الكريم في ليلة القدر؟
كتب- هاني ضوه :
ليلة القدر بكل ما فيها مباركة، ومن بركاتها أن نزل فيها كتاب الله القرآن الكريم ليكون نبرانسًا ودستورًا لنا في كل أمور حياتنا، يقول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)، ويقول تعالى في موضع آخر: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ).
فكيف نزل القرآن الكريم في ليلة القدر؟ وهل نزل جملة واحدة أم مفرقًا، هكذا ما يتناوله مصراوي في التقرير التالي:
يقول العلماء الكرام إن القرآن الكريم نزل على مرحلتين:
المرحلة الأولى هي نزول القرآن كاملًا في ليلة القدر إلى السماء الدنيا في بيت العزة، ودل على ذلك العديد من الآيات الكريمة في عدد من السور المباركة، في شهر رمضان وتحديدًا في ليلة القدر يقول تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) فدل على أن نزول القرآن كان في رمضان، ويقول تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فدل ذلك على نزوله في ليلة القدر.
كما ورد في الحديث الشريف توضيحًا لهذا الأمر فقد روى الإمام النسائي في السنن الكبرى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أنزل القرآن جملةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنةً، قال: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33]، وقرأ: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].
وبعد أن نزل القرآن كاملًا إلى السماء الدنيا تأتي المرحلة الثانية، يقول الإمام السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" إن القرآن نزل بعد ذلك منجَّمًا - أي مفرَّقًا - بواسطة أمين الوحي سيدنا جبريل عليه السلام، على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مدار ثلاث وعشرين سنة".
واستدل العلماء على ذلك بقول الله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].
وكان لنزول القرآن الكريم مفرَّقًا على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حِكمٌ كثيرةٌ، منها تثبيتًا لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يتعرض له من أحداث، ومسايرةُ الحوادث، والتدرُّجُ في التشريع، وغيرها، وهو ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم فيقول:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا).
وذكر الإمام السعدي في تفسير هذه الآية أنّ نزول القرآن بهذه الصفة -يعني مفرقًا- يزيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم طمأنينةً وثباتاً، وخصوصاً أنّ نزول الآيات عند حدوث السبب يكون أشدّ تثبيتاً، وأعمق وقْعاً.
وقبل انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرض أمين الوحي سيدنا جبريل عليه السلام القرآن كاملًا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى الإمام البخاري عن أن المؤمنيني السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مِشيتها مَشْيُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مرحبًا بابنتي"، ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسَرَّ إليها حديثًا، فبكت، فقلت لها: لمَ تبكين؟ ثم أسَرَّ إليها حديثًا فضحكت، فقلت: ما رأيتُ كاليوم فرحًا أقرب من حزنٍ، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشيَ سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فسألتها؟ فقالت: أسَرَّ إلي: "إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنةٍ مرةً، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنكِ أول أهل بيتي لحاقًا بي"،فبكيت، فقال: "أما ترضَين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين؟!"، فضحكتُ لذلك.
فيديو قد يعجبك: