"نفحات رمضانية" يقدمها الشيخ محمود الهواري: العَفْو.. فضله وأروع الأمثلة (28)
كتب - محمد قادوس:
في حلقات خاصة لـ"مصراوي"، وعلى مدار الشهر الفضيل، يقدم الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر، إطلالة رمضانية روحانية تتجدد مع أيام هذا الشَّهر الطَّيِّب، متعرضا لنفحات إيمانية قيمة ونصائح نبوية غالية، ومنها العَفْو.
يقول الهواري، عبر فيديو خاص نشره مصراوى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:
من الأحاديث الَّتي تدعو للتَّأمُّل والنَّظر حديث عائشة –رضي الله عنها- إذ قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنكَ عفُوٌّ تحب العَفْو؛ فاعفُ عنِّي»[ابن ماجه والترمذي].
وممَّا يدعو للتَّأمُّل هو أنَّ النَّبيَّ –صلَّى الله عليه وسلَّم- وصف الله عزَّ وجلَّ باسم العفو، مع كثرة ما لله سبحانه من أسماء لا تعد ولا تحصى، فلماذا العفو؟
لأنَّ العفو يغفر الذنب، ويمحوه من سجلات العبد، ويُنسي الحفظة والملائكة هذه الذنوب، فهو أشمل من المغفرة.
ولعلَّنا نأخذ هذا الخلق الإلهي معنا من سوق رمضان، فالعفو عن الناس من أفضل الأخلاق التي تصان بها الأفراد والمجتمعات، ويدوم بينها المحبة والوئام.
وقد حضَّ القرآن الكريم على التَّخلُّق بهذا الخلق، وأعد لأهله جنَّة عرضها السَّموات والأرض، يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133، 134].
ويقول أيضًا: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].
وجعل أجر العافين عن ظلم الناس على كرمه، فقال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: 40]
وهكذا ينبغي أن يكون المؤمن متخلِّقًا بخلق العفو لينال عطاء الله ومدده.
وأما السُّنَّة النَّبويَّة فقد جاءت بكثير من الأحاديث الَّتي تبيِّن فضل العفو، ومنها:
قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله» [صحيح مسلم]، فأهل العز هم من يعفون عن النَّاس، ولا تنتفخ عروقهم انتصارًا لأنفسهم.
وقول رسول الله –صلَّى الله عليه وسلَّم- حين أتاه رجلٌ، فقال: يا رسول الله، أيُّ الدُّعاء أفضل؟ قال: «سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة»، ثمَّ أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أيُّ الدُّعاء أفضل؟ قال: «سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة»، ثمَّ أتاه في اليوم الثالث فقال: يا نبي الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: «سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فقد أفلَحْتَ»[ابن ماجه].
ومن أروع نماذج العفو أنَّ رجلًا من أصحاب النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، قال: اللهمَّ إنِّي تصدقت بعرضي على من نالني من خَلقك، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «أين المتصدق بعرضه البارحة؟»، قال: أنا يا رسول الله، قال: «إن الله تعالى قد قَبِل صدقتَك» [شعب الإيمان].
ومن القصص المشهورة في العفو قصة جارية علي بن الحسين، التي كانت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾ [آل عمران: 134]، فقال لها: قد كظمتُ غيظي، قالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 134]، قال: قد عفا الله عنك، قالت: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]، قال: فاذهبي فأنت حرة لوجه الله[تاريخ دمشق لابن عساكر]
ومن صور عفو الله في الآخرة، ما حكاه أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: بينا رسول الله -صلَّى الله عليه وسَّلم- جالسٌ إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ قال: «رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة، فقال أحدهما: يا رب، خُذْ لي مظلِمتي من أخي، فقال الله للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبقَ من حسناته شيءٌ؟ قال: يا رب، فليحمل من أوزاري»، قال: وفاضت عينا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالبكاء، ثم قال: «إن ذاك اليوم عظيمٌ يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفَعْ بصرك فانظر في الجنان، فرفع رأسه، فقال: يا رب، أرى مدائن من ذهبٍ وقصورًا من ذهب مكللةً باللؤلؤ، لأي نبي هذا، أو لأي صِدِّيقٍ هذا، أو لأي شهيدٍ هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب، ومن يملِك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب، فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة»، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عند ذلك: «اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم؛ فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين» [مستدرك الحاكم].
فيديو قد يعجبك: