حديث ومعنى (13): "لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ"
كتب ـ محمد قادوس:
يقدم مركز الأزهر العالمي للرصد والافتاء الالكتروني (خاص مصراوي) تفسيرا ميسرا لبعض الأحاديث النبوية الصحيحة والتي تتعلق بالصيام وشهر رمضان المبارك.
ورد عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ» (متفق عليه، وهذا لفظ البخاري).
وجاء في تفسير مختصي المركز لمعنى الحديث النبوي الشريف، أنه النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن صيام يوم أو يومين من آخر شهر شعبان، فيصل شعبان برمضان، ولا يفصل بينهما بفاصل وكأنهما من رمضان، فلا يجوز لأحد أن يستقبل رمضان بصيام آخر شعبان، فيصوم قبله يومًا أو يومين، بنية كونهما من رمضان، لاحتمال كونهما منه، سواء كان الجو صحوًا أو غائمًا، وإنما ذكر اليومين؛ لأنه قد يحصل الشك في يومين لوجود غيم أو ظلمة في شهرين، أو ثلاثة، وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن الصيام بنية رمضان قبله مخالفة لحكم الشارع الذي عَلَّقَ الصيام على الرؤية ثم قال: «إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ»، وهذا استثناء منقطع، معناه: لكن إذا كان للصائم أيّام معتادة يصومها آخر الشهر تطوعًا، ككونه صادف يوم اثنين أو خميس، وهو معتاد على صيامهما، أو كان نذرًا أو قضاءً فصادف آخر شعبان، فلا مانع من صيامه إذن؛ لأن ذلك ليس من جنس الصيام المنهي عنه شرعًا، ويستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظن.
وهذا الحديث الشريف يدل على كراهية صيام آخر يوم من شعبان المسمى بيوم الشك مطلقًا، سواء صامه وحده، أو مع يوم قبله، ولقول عمار بن ياسر رضي الله عنه: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم»، أخرجه الترمذي وقال: «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، كَرِهُوا أَنْ يَصُومَ الرَّجُلُ اليَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، وَرَأَى أَكْثَرُهُمْ إِنْ صَامَهُ فَكَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ»، وعند الحنفية: إن ظهر أنّه من رمضان أجزأ عنه.
والحديث يدل أيضًا على أنه يجوز صيام يوم الشك في أيّام معتادة أو نذر أو قضاء صادف ذلك اليوم، قال الحافظ ابن حجر: «والحكمة في النهي عن صيامه بنية أنه من رمضان أنّ الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم»، فكأن الحكمة من وراء هذا النهي خشية اختلاط النفل بالفرض.
ولعل الحكمة أيضًا من ذلك أن يتقوى على عبادة الصيام في شهر رمضان، فبفطره يستعيد بعض قوته ليدخل في صيام شهر رمضان قويًّا مستطيعًا نشيطًا، وقيل: إنما نهى عنه حذرًا من التشبه بأهل الكتاب والله أعلم.
وقال بعض العلماء إن النهي عن الصيام من يوم السادس عشر من شعبان حتي نهايته؛ لحديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» (أخرجه أصحاب السنن، وصححه ابن حبان وغيره، وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعًا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه، وقال أحمد، وابن معين: إنه منكر، وقد استدل البيهقي بالحديث الذي نشرحه على ضعف حديث العلاء، فقال: الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء، وكذا صنع قبله الطحاوي، وجمع بين الحديثين بأن حديث العلاء محمول على من يُضْعِفُهُ الصوم، والحديث الذي نحن بصدد شرحه مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان، وهو جمع حسن.
ما يُستفاد من الحديث:
1-التخفيف واليسر من مظاهر في الإسلام في العبادات والمعاملات.
2- منع إنشاء الصوم قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط.
3- في الحديث رد على من يرى تقديم الصوم على الرؤية.
4- وفيه رد على من قال بجواز صوم النفل المطلق.
5- النهي في الحديث نهي تنزيه، ومرجعه إلى خلاف الأولى.
فيديو قد يعجبك: