قصص الأنبياء (14): يعقوب عليه السلام الذي ابيضت عيناه من الحزن.. وما علاقته ببني إسرائيل؟
كتب- إيهاب زكريا:
في حلقات يومية، وخلال شهر رمضان المبارك، يقدم مصراوي للقارئ الكريم قصص الأنبياء، استنادا لمصادر معتبرة في السيرة والتاريخ الإسلامي، وفي الحلقة الرابعة عشرة يقدم "مصراوي" قصة يعقوب -عليه السلام- فكما ورد في كتاب: "نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام" هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وهو المسمّى بإسرائيل؛ لانتساب بني إسرائيل إليه، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم بقول الله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)،[ آل عمران: 93].
مدح الله ورسوله لنبي الله يعقوب
امتدحه الله -سبحانه- في القرآن الكريم فقال فيه: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّن الصَّالِحِينَ*وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ)، [الصافات،: 112-113] وعن بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- امتدحه بقوله: (الكريمُ، ابنُ الكريمِ، ابنِ الكريمِ، ابنِ الكريمِ، يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ عليهم السَّلامُ).[ رواه البخاري، في صحيح البخاري].
ويعقوب -عليه السلام- شبّ وكبُر مع والده إسحاق -عليه السلام- في فلسطين، أرض الكنعانيين، وقد أمرته أمّه رفقة أن يسافر إلى أرض حرّان، حيث خاله لابان؛ ليقيم عنده بعد أن خافت عليه من أخيه العيص، الذي حصل بينه وبين أخيه خلاف، فتوعّده وهدّده، وبالفعل انطلق يعقوب إلى حيث أمرته والدته، فمكث عند خاله وتزوّج إحدى ابنتيه، ثمّ بعد وفاتها تزوّج أختها، فقد ثبت أنّه لم يجمع بين الأختين رغم أنّ ذلك كان جائزاً في شريعتهم، وذُكر أنّ زوجته تسمّى راحيل هي التي أنجبت ولديه يوسف -عليه السلام- وبنيامين.
يعقوب عليه السلام هو إسرائيل المذكور في القرآن الكريم
تحدث كتاب: "بنو إسرائيل هم أبناء يعقوب عليه السلام إلى يوم القيامة" عن اتّفاق المفسّرين على أنّ يعقوب -عليه السلام- هو إسرائيل الذي ذُكر في القرآن الكريم، وبنو إسرائيل في زمن يعقوب -عليه السلام- جاء من نسلهم بني إسرائيل، وهم ذاتهم الموجودون في هذا الزمان، فهم من نسل أبناء يعقوب -عليه السلام- الاثني عشر.
ولذلك فإنّ الله -تعالى- حين خاطب اليهود في زمن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ذكّرهم بما كان يفعل آباؤهم من قبل؛ لأنّهم من نفس النسل، حيث قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).[ البقرة: 63-65].
ابيضت عيناه من الحزن لفراق يوسف
جاء في كتاب: "قصة يوسف عليه السلام" أن يوسف -عليه السلام- ابن يعقوب -عليه السلام- كان أحبّ أولاده إليه، وأعلاهم منزلةً في قلبه، فأراد الله -تعالى- أن يبتلي صبره بفراق ولده مدّةً طويلةً من الزمن.
كان إخوة يوسف الاثنا عشر يشعرون بالغيرة من أخيهم، ويرون أنّه قد شغل قلب أباهم عنهم، فأرادوا أن يتخلّصوا منه؛ حتى يصفى لهم أبوهم، فدبّروا لذلك مكيدةً وحيلةً، فأخذوا يوسف -عليه السلام- بحجّة التنزّه واللعب، ثمّ ألقوه في بئرٍ عميقةٍ، وأخذوا قميصه بعد أن لوّثوه بدمٍ كذب؛ حتى يقتنع والدهم بصدق روايتهم، وابيضت عيناه من الحزن على يوسف، وظل غيابه ما يقارب أربعين، أو ثمانين سنة، وقيل غير ذلك، وكان الأب يعقوب -عليه السلام- في كلّ هذه السنوات صابراً محتسباً، فلم يفقد الأمل بعودة ولده، ولم يقنط من رحمة الله تعالى.
صفات يعقوب عليه السلام
ورد في كتاب: "نبي الله يعقوب يعلمكم" أن صفات النبيّ يعقوب -عليه السلام- ظهرت جليّةً في سورة يوسف، وذلك في العديد من المواقف التي كان فيها معلّماً لأبنائه، ومن تلك المواقف:
حسن توكّل يعقوب -عليه السّلام- على الله تعالى، فرّغم أنّه أرشد أبناءه للأخذ بالأسباب في دخول المدينة إلّا أنّه توكّل على الله وحده في تفريج كربه، قال الله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).[ يوسف: 67].
الإقبال والاعتماد على الله -تعالى- بقضاء الحوائج، وبثّ الحزن له وحده، حيث قال الله تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ).[يوسف: 86].
حسن الظن بالله تعالى، حيث قال الله عزّ وجلّ: (وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الكافِرونَ).[ يوسف: 87].
يعقوب عليه السلام والثبات على دين الإسلام
ذُكرت وصيّة يعقوب -عليه السلام- في القرآن الكريم؛ لعظمها وفضلها، حيث أوصى أولاده بالثبات على دين الإسلام حتى لقاء الله تعالى، وهي في قول الله تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)،[ البقرة: 132].
وقال أيضاً في سورة البقرة: (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).[ البقرة: 133].
وفاته عليه السلام
جاء في كتاب: "نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام" توفي نبيّ الله يعقوب -عليه السلام- وقد زاد عمره على 100 عام، وكان ذلك بعد لقاء ابنه يوسف -عليه السلام- بسبع عشرة سنة، وكانت وصيّته أن يُدفن عند والده إسحاق وجدّه إبراهيم عليهما السلام.
فيديو قد يعجبك: