حديث ومعنى (14): "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"
كتب ـ محمد قادوس:
يقدم مركز الأزهر العالمي للرصد والافتاء الالكتروني (خاص مصراوي) تفسيرا ميسرا لبعض الأحاديث النبوية الصحيحة والتي تتعلق بالصيام وشهر رمضان المبارك.
ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (متفق عليه).
وجاء في تفسير مختصي المركز لمعنى الحديث النبوي الشريف، أن اللَّه تعالى جعل المسلم دائم الصلة به، فشرع له صلوات بالليل وصلوات بالنهار، وشرع له فرائض ونوافل؛ لئلا ينصرف الناس إلى المادية الصرفة، ولئلا تشغلهم الدنيا عن الآخرة، ولئلا يُهْمَل غذاء الأرواح وشفاء القلوب، ولم يكلفهم الله تعالى فوق استطاعتهم، لكنه مع ذلك جعل ميدان العبادة الليلية مفتوحًا للمتسابقين في المعروف والخير، المتنافسين في الطاعات والبر، فحَبَّب ورَغَّبَ في صلاة الليل بعامَّة، وحَبَّبَ ورَغَّبَ في صلاة الليل في شهر رمضان بخاصّة، وهي صلاة التراويح.
ولقد تَفَضَّلَ اللَّهُ على الأمة الإسلامية فجعل الحسنة بعشر أمثالها، وزاد تفضله عليها فأتاح لهم مواسم تتجلى فيها رحمته ومغفرته وإنعامه وتتضاعف فيها الحسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى جزاء غير محدود ومغفرة وفيرة. ومن هذه المواسم أيام شهر رمضان ولياليه، فكان صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام الليل في رمضان ترغيبًا لا يماثله ترغيب، فكان يقول: «من قام رمضان» أي من قام ليالي رمضان، وصلى صلاة الليل في رمضان، والمراد صلاة التراويح، والتراويح جمع ترويحة، وهي اسم للمرة الواحدة من الراحة، كتسليمة من السلام، وسميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح؛ لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، «إيمانًا واحتسابًا» أي تصديقًا بوعد اللَّه بالثواب، وتصديقًا بفضل القيام، وطالبًا الأجر والثواب من اللَّه وحده، وقاصدًا به رضوانه، لا بقصد آخر من رياء أو غيره، «غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه».
وزاد هذا الترغيب ترغيبًا عمليًا، إذ قام يصلي التراويح في المسجد وفي جماعة، مع أنه الداعي إلى أن تكون صلاة الليل في البيوت وفرادى، صلى أول ليلة فصلى وراءه الناس، وصلى الليلة الثانية فتضاعف خلفه عدد الناس، وصلى الليلة الثالثة فعجز المسجد عن استيعاب المصلين خلفه، وانتظروه في الليلة الرابعة فلم يخرج، فنادوا: الصلاة الصلاة، فلم يخرج إليهم حتى يئسوا وانصرفوا، فلما خرج في صلاة الفجر قال لهم: علمت اجتماعكم للصلاة، ولم يَخْفَ على انتظاركم لخروجي، ولكني خفت من المواظبة أن تلتزموا ما لا يلزمكم به الشرع، وأن تعتقدوا فرضية ما ليس بفرض، فصلوا أيها الناس صلاة الليل كيفما تصلون.
واستمر الأمر على ذلك بقية حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، ودخل عمر المسجد ليلة فرأى أفرادًا يصلون، ووجد جماعات، كل جماعة بإمام، ورأى أن مظهر الفرقة هذا يتنافى ومبدأ الإسلام الداعي إلى التجمع، الناهي عن التفرق، ورأى أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد شرع الجماعة في صلاة الليل في رمضان، وأنه لم يمنعه من المواظبة عليها إلا خشية الافتراض، وقد زال هذا المانع واستبعدت هذه الخشية فلا وحي ولا جديد يَجِدُّ في التشريع، فطلب من الفقيه القارئ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أن يؤم الناس، وطلب من الناس أن يصلوا قيام رمضان جماعة، فقيل له: كيف تأمر ببدعة؟ فقال: إن كانت الجماعة والتجمع بدعة فنعمت البدعة هي، واستقر الأمر على ذلك، ولم يعترض أحد من المسلمين عليه حتى يومنا هذا، فكان إجماعًا حسنًا - تقبل اللَّه صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركوعنا وسجودنا وختم بالصالحات أعمالنا.
واختلف العلماء في المراد بالقدر الذي أضيفت إليه الليلة فقيل: المراد به التعظيم، والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر. وقيل: القدر هنا التضييق، ومعنى التضييق فيها إخفاؤه عن العلم بتعيينها، أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة. وقيل: القدر هنا بمعنى القَدَر الذي هو مؤاخي القضاء، والمعنى أنه يقدر فيها أعمال تلك السنة، ولما تكتب فيها الملائكة من الأقدار؛ لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]، واختلفوا في محلها، فال جماعة: ممكنة في جميع السنة، وقال آخرون: هي أنها مختصة برمضان، ممكنة في جميع لياليه، وأنها تنتقل في جميع رمضان. وقيل: بل في شهر رمضان كله. وقيل: بل في العشر الوسط والأواخر. وقيل: في العشر الأواخر، وقيل: تختص بأوتار العشر، وقيل: بأشفاعها، وقيل: بل في ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين وقيل: ليلة سبع وعشرين - وهو قول أبي بن كعب وكثير من الصحابة - وقيل غير ذلك.
والحكمة في إخفائها أن يحصل الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عينت لها ليلة، فإنه يقتصر عليها، ولا يشترط لحصولها رؤية شيء، ولا سماعه، فيحصل الثواب الجزيل لمن قام لابتغاء ليلة القدر، وإن لم يعلم بها ولو لم ينكشف له أنها ليلة القدر، والله أعلم.
ما يُسْتَفَاد من الحديث:
1- فضل رمضان، وفضل صيامه وقيامه.
2- صوم رمضان يُكَفِّرُ الذنوب المتقدمة.
3- قيام ليلة القدر يُكَفِّرُ الذنوب المتقدمة.
4- أن الصيام والقيام بإخلاص يزيدان الإِيمان.
فيديو قد يعجبك: