"نفحات رمضانية" يقدمها الشيخ محمود الهواري: سبعة آداب للمجالس (15)
كتب - محمد قادوس:
في حلقات خاصة لـ"مصراوي"، وعلى مدار الشهر الفضيل، يقدم الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر، إطلالة رمضانية روحانية تتجدد مع أيام هذا الشَّهر الطَّيِّب، متعرضا لنفحات إيمانية قيمة ونصائح نبوية غالية، ومنها آداب المجالس.
يقول الهواري، عبر فيديو خاص نشره مصراوى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:
لا يخلو رمضان من زيارات، ومن سهرات، والواجب أن تكون هذه الزيارات في غير مضرة دينية، ولا دنيوية، والإنسان بطبيعته الاجتماعية يلتقي مع الآخرين في مجالات الحياة المختلفة، فهو يجلس معهم، ويتحدث إليهم، وأحيانًا يجلس مع أهله، وأخرى يجلس مع أقاربه، وقد يجلس مع جيرانه أو أقرانه في العمل، وقد يكثر الجلوس مع الأصدقاء والأصحاب، ومهما اختلفت المجالس وتعددت أجناسها وطبيعتها، وأطرافها، فإن لها آدابا تكاد تتفق في الغالب الأعم، ومن هذه الآداب:
الأول: السلام على الجالسين عند الدخول، حتى لو كانوا أهل البيت، وهذا مما لا يكاد يفعله أحد، عند دخوله إلى بيته، أو خروجه من حجرته ليجلس بينهم، فمن السنة لمن يدخل على المجلس أن يبدَأَهم بالسلام؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا انتهى أحدكم إلى المجلس، فليسلِّم، فإذا أراد أن يقوم، فليسلِّم؛ فليست الأولى بأحقَّ مِن الآخرة» [أبو داود] وعلى الجالسين أن يردوا السلام، وجوبا كفائيا، فإذا قام به البعض أجزأ عن بقيتهم، فيتبادل الجميع سلاما بسلام، وحين يبدأ المجلس بالسلام فالواجب أن يلتزموا فيه ببقية الآداب ليسلم المجلس من الآفات التي تهلك الحسنات.
الثاني: ألَّا يكون بدخوله على المجلس مؤذيا لمن حضر ولو بالتفريق بينهم في ترتيب جلوسهم، فلا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما؛ لِما قد يكون بينهما من صداقة أو حديث، فلا تفرق إلا بإذن؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجلٍ أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما» [أبو داود].
فإذا تحلق القوم، أي جلسوا حلقة، فلا يصح تأدبا من الداخل أن يتوسطها؛ لِما فيه من الأذى وتخطي الرقاب، فضلا عن أنه سيعطى ظهره لبعضهم، وهذا فيه ألم نفسي كبير، يقول حذيفة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَن مَن جلس وسط الحلقة [أبو داود].
الأدب الثالث: ألا يقيم أحدًا مِن مكانه، وهذا من معاني السلام الذي ألقاه أول دخوله إلى المجلس، وهو من كمال الأدب، وتمام الذوق؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقيم الرجل الرجل من مقعده، ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا» [مسلم].
وهذا فِعل الصالحين المتواضعين؛ فقد ذكر البخاري في الأدب المفرد: أن ابن عمر كان إذا قام له رجلٌ من مجلسه لم يجلس فيه.
وإذا قام من مجلسه، ثم عاد إليه، فله الحق أن يجلس فيه؛ عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من قام من مجلسه، ثم رجع إليه، فهو أحقُّ به» [مسلم].
وإني لأعجب لكتب التراث كيف تفصل في مثل هذا الموقف العارض الذي لا يلتفت إليه المعاصرون أصحاب الإتيكيت، والتحضر، فنرى كتب التراث تراعي شعور هذا الذي يقوم من مجلسه ثم يرجع إليه، يقول ابن حجر: «يقول القرطبي في المفهم: هذا الحديث يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه، وما احتج به من حمله على الأدب؛ لكونه ليس ملكًا له لا قبل ولا بعد، ليس بحجة؛ لأنا نسلم أنه غير ملك له، لكن يختص به إلى أن يفرغ غرضه، فصار كأنه ملك منفعته، فلا يزاحمه غيره عليه». [فتح الباري].
الرابع: أن يكون المجلس بركة على أهله، وعلى من يفد إليه بالترحيب به فور دخوله، وها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تحكي لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ورثها عنه أهله في الترحيب بضيوف المجلس، تقول رضي الله عنها: ما رأيت أحدًا كان أشبهَ سمتًا وهديًا ودلًّا – وفي رواية: حديثًا، وكلامًا، من فاطمة كرم الله وجهها، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها، وقبَّلها، وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، فأخذت بيده فقبَّلته، وأجلسته في مجلسها [أبو داود].
وإن كان كثير من الناس يقفون متحيرين في مسألة القيام للقادم، أو الداخل، فإن المسألة فيها تفصيل، وللعلماء كلام كثير فيه، وخلاصته: أن القيام يقع على أربعة أوجه:
الأول: محظور، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام إليه تكبرًا وتعاظمًا على القائمين إليه.
والثاني: مكروه، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين، ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر، ولِما فيه من التشبه بالجبابرة.
والثالث: جائز، وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك، ويؤمن معه التشبه بالجبابرة.
والرابع: مندوب، وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحًا بقدومه ليسلم عليه، أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها، أو مصيبة فيعزيه بسببها[فتح الباري لابن حجر].
الأدب الخامس: أن يوسع بعض الجلوس لبعض في المجلس، ويتفسحوا؛ لأمر الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المجادلة: 11]، وهذا في كل مجلس، وعاقبة ذلك أن يفسح الله للجالسين في الدنيا والآخرة، إضافة إلى ما فيه من تآلف للقلوب، وتواد بين الجلوس.
السادس: ينبغي أن يكون المجلس فيه مشاركة، فلا يتناجى اثنانِ دون الآخَر، فإذا كان في المجلس ثلاثة يتسامرون ويتبادلون الحديث معًا، فلا يخلو اثنان دون الثالث؛ فقد يحزنه؛ وإذا كانوا جماعة، فلا ينبغي أ نيغمز بعضهم لبعض بما يترك في نفوس بقية الجالسين ريبة وشكا، فتضيع بركة المجلس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثةً، فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، أجل أن يحزنه» [البخاري]، وقال ربنا: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [المجادلة: 10].
الأدب السابع: أن يجتهد الجالسون أن يكون هذا المجلس في ميزان الحسنات لا في ميزان السيئات، فلا يخوضون في أعراض الآخرين، ولا يتناولوا الناس غيبة ونميمة، يقول تعالى: ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12]، وألا يجعلوا من حديثهم في مجلسهم عورات الناس مادة للسمر والسخريَّة والاستهزاء؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ}.
فيديو قد يعجبك: