"أحد أسرار تفوق محمد صلاح".. عمرو خالد: اكسب صفة رائعة مع تقوى الله
كتب- محمد قادوس:
وصف الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، التقوى بأنها "عملية تنقية داخلية مستمرة لصيانة وتجديد النفس في معاملة الله والناس، وهي مدخل للسلام النفسي والصفاء الروحي لأنها تسد الفجوة بين الظاهر والباطن- القول والفعل- المعتقد والسلوك، "يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَالله أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ".
وقال في ثالث حلقات برنامجه الرمضاني "منازل الروح"، إنه عندما تتسع هذه الفجوة في حياة الإنسان يشعر بحالة من التعب والوهن الشديد، كأنه يحمل جبلاً فوق كاهله كل يوم، بينما تعمل التقوى على سد الفجوة، أو تقليلها بشكل كبير، بما يؤدي إلى السلام النفسي والطمأنينة.
أوضح خالد أن التقوى هي انضباط روحي اختياري نابع من رؤية الله ومحبته وليس الخوف منه أو التهديد بعقوبته، فعندما تحب أن يراك الله في أحسن صورة تستجيب طواعية لفكرة التقوى".
وأشار إلى أن "مدخل التقوى ليس التشدد والخوف والتهديد ولكن المدخل هو حب الله: رؤية الله".
وتابع: "لو تعاملت مع التقوى بخوف لن تصل إلى المغزى المطلوب منها، لأن نظارة الخوف ستجعلك خائفًا عندما يكون هناك ضرر، وبمجرد أن ينتهي يتوقف".
واستدرك خالد قائلاً: "عندما تكون التقوى بحب ستصل بك للإحسان، بعكس ما تكون بخوف، لن تصل بك للإحسان وجماله".
وذكر أن "التقوى تحرك الحب والحياء أكثر من أي خوف: "وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ"، الأمل في رضاه والحياء من غضبه. أراد الله ربط التقوى بالحب، وليس بالخوف لذلك الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة".
واستطرد: "لو وجدت نفسك تميل للتقوى، اعلم أن الله يحبك "فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَاۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"، أحبهم الله فألزمهم كلمة التقوى".
وبين خالد أن التقوى هي طريق الإحسان:
-لأن الإحسان: كأنك تراه.. والتقوى: أن يجدك حيث أمرك.. فهي تكون نابعة ومنبثقة من رؤية الله.
- لما أمر عمر بن الخطاب بمنع خلط اللبن بالماء.. الأم مع بنتها وحدهم بالبيت.. قالت الأم: اخلطي اللبن بالماء.. قالت البنت: نهى عمر عن ذلك.. قالت الأم: إن عمر لا يرانا الآن.. فقالت البنت: إذا كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا.. التقوى هنا جاءت من الرؤية لله.
- يقول ابن عطاء الله (بتصرف): كيف يشرق قلب برؤية الله وصور المعصية منطبعة بداخله.. أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته.. أم كيف يدخل على الله وهو لم يتطهر من زلاته.
-لا يمكن أن تصل للإحسان إلا بالتقوى: ولا يمكن تتقي إلا لو بدأت تشعر بربك، وأنه معك.. فالتقوى والإحسان خلطة واحدة ممتزجة ببعضها.
- التقوى سهلة غير معقدة
- كيف تكون التقوى مستحيلة ويجعلها الله هدف القرآن؟ "الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ".
-ليس معنى التقوى أنك لن تخطئ.. لكنك إن أخطأت ستستغفر وتعود تقيًا: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" الحل للعودة للتقوى هو الاستغفار والتوبة.
وفي شرحه لمعنى التقوى، عرفها خالد بأنها "تعني أن يغلب على حياتك "أن يجدك الله حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك"، فالمطلوب غلبة التقوى وليس كمال التقوى، وهي بذلك عمل إنساني في حيز المستطاع القابل للتطبيق، وليست شكليًا مثاليًا يرهق النفس بتكليفه، ولو أخطأت تتوب وتستغفر، فتسارع بالعودة للتقوى".
ومضى إلى الحديث عن "جمال التقوى"، بالقول: "هو أن الحرام قليل.. تعده على الأصابع: "قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ.."، ليترك لك مساحة واسعة تتحرك فيها بلا قيود".
وساق خالد حديث النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الجامع عن التقوى: "اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"، قائلاً إن "هذه الجمل ليس لها علاقة ببعض، لكن واو العطف في اللغة العربية تجعل هناك علاقة بين ما قبله بما بعده".
وتابع في شرحه: "أول مقطع في الحديث: "اتق الله حيثما كنت"، تغير الزمان والمكان.. اتق الله في كل مكان.. وأنت لوحدك.. وسط الناس.. في العمل.. مع أهل بيتك.. في السفر والغربة".
وحول معنى "اتبع السيئة الحسنة تمحها"، أجاب بأنه "لا يوجد إنسان يستطيع أن يحقق التقوى مائة في المائة، لذا عندما ترتكب خطأ، سارع إلى فعل الحسنات، حتى تعود كما كنت من المتقين، كأنه بذلك تعالج نفسك".
وشدد خالد على أن أصل العلاقة مع الله: "اتق الله.. لكن هناك من يجلد نفسه، بدلاً من ذلك، عليك أن تستغفر وتتوب وتعمل حسنات، وأن تتبع السيئة الحسنة تمحها".
ومضى إلى القول: "لو فعلت الخطوتين الأوليين: "اتق الله حيثما كنت"، والثانية: "واتبع السيئة الحسنة تمحها"، ستصل للإحسان مع الناس، "وخالق الناس بخلق حسن"، لأن التقوى الحقيقية مع الناس وليس العبادة فقط.. والتقوى في مفهومنا ليست بالتدين الشكلي المظهري المفتعل، ولكن التقوى الاجتماعية في معاملة الناس هي حقيقة التقوى، ودليل صدقها".
وبين أن "هذا الحديث يرتب لك علاقاتك كلها مع الله.. مع النفس.. مع الناس.. مع الله تقوى الله.. مع النفس: إياك أن تيأس من استرجاع التقوى.. مع الناس: اظهر أجمل ما عندك، وخالق الناس بخلق حسن".
وأكد أن "التقوى بين الإحسان والتوبة: كلما تذكرت وعشت بالتقوى اقتربت من الإحسان، وكلما أخطأت في التقوى عدت لمنزلة التوبة لتعود للتقوى.. كلما عشت بالتقوى اقتربت من الإحسان، وكلما بعدت عن التقوى اذهب للتوبة لتتوب لتعود إلى التقوى".
لكنه شدد على أن "التقوى تحتاج تذكرة دائمًا.. "إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَٰٓئِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ". ذكّر نفسك بتقوى الله، وصاحب من تذكرك صحبتهم بتقوى الله".
وأوضح أنه "لا أحد بعيد عن التقوى مهما كان عاصيًا، يمكن أن تنتقل من قمة الفساد إلى قمة التقوى بقرار في لحظة صدق.. قصة الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار.. كل شخص منهم ذكر عملاً عمله لله بإخلاص حتى ينجيهم الله، واحد منهم قال: كان لي ابنة عم فقيرة احتاجت المال فاشترطت عليها لأعطيها المال إني أرتكب معها الفاحشة.. فاضطرت للموافقة بسبب العوز، فلما بدأ يقرب منها.. قالت: يا عبدالله اتق الله.. لا تفض الخاتم إلا بحقه.. فقام عنها وأعطاها المال وتركها.. فانفتحت الصخرة وخرجوا جميعًا.. كان سيرتكب عملاً نذلاً وخسيسًا.. لكنه في اللحظة تراجع عنه، وأصبح من المتقين".
وتحدث خالد عن جائزة التقوى الكبرى على النحو التالي:
التقوى ترك لذة خطأ في المدى القصير من أجل لذة أكبر في المدى الكبير، كنا قد ذكرنا جوائز الدنيا": "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"، " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا"، "فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، لكن هناك أيضًا جائزة عاجلة في رمضان "لعلكم تتقون"، لو حققت الهدف تستحق الجائزة قبول رمضان .. فيبلغك ليلة القدر.
لكن أكبر وأجمل جائزة خاصة جدًا من ربنا للمتقين فقط، أن تكون وليًا من أولياء الله الصالحين.. فعندما تقرأ تعريف أولياء الله في القرآن تجد أن التعريف سهل جدًا.. ومرتبط جدًا بمنزلة التقوى.. "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ..".. من هم؟ "الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ".. الشرط الأساسي: كانوا يتقون.. بالتقوى يمكن أن تكون من أولياء الله الصالحين.
وهناك آية ثانية أكثر وضوحًا "إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ"، أسلوب قصر وحصر، ليس من أوليائه إلا المتقون، لكن أكثرهم لا يعلمون.. ما هذا الشيء؟ لو عرفوا قيمة التقوى، وأنها الموصلة أن تكون وليًا من أولياء الله ما تركوا التقوى أبدًا.. هذا هو المعنى.
في الحديث القدسي يقول الله تعالى: "من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه".. فهل هناك جائزة أكبر من هذا للتقوى؟ّ
وربط خالد بين العيش بالتقوى وتحقيق النجاح والسعادة في الحياة، قائلا:ً "نحن لا نريد روحانيات تؤدي إلى هروبنا من الحياة، لكن روحانيات تساعدنا لمزيد للنجاح في الحياة، وهذا دور الروحانيات أنها تقوي الإنسان، تجعله أكثر قدرة على السعادة والنجاح في الحياة".
وأضاف: "بدأنا نقيس الصفات التي تتولد من التقوى، وتؤدي للسعادة والنجاح في الحياة، وربطنا المنازل بالصفات التي اعتبرها علم النفس الإيجابي بالنجاح والسعادة في الحياة. ولأول مرة ترتبط الروحانيات في الإسلام بعلم حديث قائم على دراسات".
واستشهد خالد ببحث أجراه الدكتور مارتن سليجمان، مؤسس علم النفس الإيجابي، لمدة ثلاث سنوات بين عامي 2000 و2003، توصل إلى 24صفة هي التي تجمع الفضائل الإنسانية المتفق عليها عالميًا والموصلة للسعادة والنجاح وأثبتوا هذا الكلام علميًا، وربطنا بين المنازل وهذه الصفات، فوجدنا أن في كل منزلة صفتين في شخصية الإنسان يجعلانه أسعد وأنجح في الحياة.
ودلل بنموذج لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح، في سياق تساؤله عن الفرق بينه وغيره من اللاعبين العرب الذين احترفوا في أوروبا؟.. مجيبًا: "نقطة التحكم في الذات، هو ليس أحرفهم ولكنه أكثرهم تحكمًا في الذات".
وروى خالد كيف أن لاعب كرة عربي حكى له: أنا لا أستطيع أعيش مثل روبرتو كارلوس لاعب البرازيل السابق، عمره ما أكل برجر.. أو سهر إلى ما بعد الساعة 11 مساءً، لكنه بسبب ذلك ظل في الملاعب حتى عمر 39 عامًا.
فيديو قد يعجبك: