إعلان

الشيخ محمود الهواري: رسالة من الله في العشر الأواخر ولهذا أخفيت ليلة القدر (حوار)

12:41 م الخميس 06 مايو 2021

الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأز

حوار- محمد قادوس:

تحدث الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفني لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر الشريف، عن فضائل الأعمال في العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر وكيف يدركها المسلم، مرورا بسنن النبي صلى الله عليه وسلم، في تلك الأيام المباركة من كل عام.
يقول الهواري، في حوار خاص لمصراوي: أرى العشر الأواخر من رمضان رسالة من الله عز وجل ليتدارك كل إنسان مقصر ما فاته في العلم كله وخاصة الأيام الأولى من رمضان، والواقع يشهد أنْ بعض المسلمينَ يقضون الأوقات الثمينة فيما لا ينفعُهم، فتراهم ينامون أغلب النهار، ويَسْهَرُونَ مُعْظَمَ الليلِ، ولا يدركون أن هذا زمان خير، فتحت فيه أبواب الجنة، وغلقت فيه أبواب جهنم، وصفدت الشياطين.

وأكد الهواري أن الأصوب أن يحيي المسلم هذه الليالِي المباركةِ بِما هي جديرةٌ به من العبادةِ فإنَّها فرصةُ الْعُمرِ وغنيمةُ لمنْ وفَّقه الله عزَّ وجلَّ، فلا ينبغِي للمؤمن العاقلِ أنْ يُفَوِّت هذه الفرصةَ الثمينةَ على نفسِه وأهلِه فما هي إلاَّ ليَالٍ معدودةٌ ربَّمَا يدركُ الإِنسانُ فيها نفحةً من نَفَحَاتِ المَوْلَى فتكونُ سعادةً له في الدنيا والآخرةِ.. وإلى نص الحوار:

فضيلة الدكتور، نحن الآن في العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، فكيف ترى هذه العشر؟

وقد كان النبيَّ صاحب طاعة، وكانت هذه الطاعة تزداد في رمضان وفي العشر الأواخر منه خاصة؛ لما فيه من مضاعفة الأجور، فعن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ كان إذا دخلَ العَشرُ شَدَّ مِئزره وأحيا ليلَه وأيقظ أهلَه.
ففي هذا الحديث دليل على فضيلةِ هذه العشرِ، حتى إنه كان يوقظ أهله لينالوا من هذا الخير والشرف.

ما أهم مميزات هذه العشر الأواخر؟

هذه العشر وَقْتُها ثمينٌ وخيرُها ظاهِرٌ مبينٌ، ويكفي ان فيها ليلة وصفها الله تعالى بأنها مباركة، وأن المقادير تفرق فيها، يقول الله سبحانه وتعالى: «إِنَّآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ».

وصفَ الله ليلة القدر بأنها مباركةٌ لكَثْرةِ خيرِها وبَركتِها وفضلها، فمِن بركتها أنَّ هذا القرآنَ المباركَ أُنْزِلَ فيها، ووصَفَها سبحانَه بأنه يُفْرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيم، يعني يفصَل من اللوح المحفوظِ إلى الْكَتَبةِ ما هو كائنٌ مِنْ أمرِ الله سبحانَه في تلك السنةِ من الأرزاقِ والآجالِ والخير والشرِّ وغير ذلك من كلِّ أمْرٍ حكيمٍ من أوامِر الله المُحْكَمَةِ المتْقَنَةِ التي ليس فيها خَلَلٌ ولا نقصٌ ولا سَفَهٌ ولا باطلٌ.

وهل يمكنك أن تزيدنا إيضاحًا حول ليلة القدر، وفضائلها؟

أغلب الناس يحفظون سورة القدر، التي يقول الله فيها: «إِنَّا أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَـئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَـمٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ»
فمعنى ليلة القدر أي ليلة الشرفِ والتعظيم لمن تقرب إلى الله بعبادة.
أو هي ليلة القدر بمعنى أن فيها التقديرِ والقضاءِ؛ يقدِّر الله فيها ما يكون.

أو هي ليلة القدر بمعنى القدر العظيم؛ لأن أجر العبادة فيها خير من ألف شهر في الفضل والشرفِ وكثرةِ الثواب والأجر؛ ولذلك كانَ مَنْ قامَهَا إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه.

والحقيقة إن من يتأمل هذه السورة الكريمة يجد لليلة القدر فضائل متعددة، وأهمها:
الفضيلةُ الأولى: أن الله أنزلَ فيها القرآنَ الَّذِي بهِ هدايةُ البشرِ وسعادتُهم في الدُّنَيا والآخرِة.

الفضيلةُ الثانيةُ: ما يدُل عليه الاستفهامُ من التفخيم والتعظيم في قولِه: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}. الفضيلةُ الثالثةُ: أنَّها خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ في الأجر والعطاء.

الفضيلةُ الرابعةُ: أنَّ الملائكةَ تتنزلُ فيها وهُمْ لاينزلونَ إلاَّ بالخيرِ والبركةِ والرحمةِ.

الفضيلةُ الخامسةُ: أنها سَلامٌ من العقابِ والعذابِ لمن ينصبون أقدامهم فيها لله.

الفضيلة السادسةُ: أنَّ الله أنزلَ في فضِلِها سورةٌ كاملةً تُتْلَى إلى يومِ القيامةِ.

الفضيلة السابعة: أنها ليلة مباركة.

الفضيلة الثامنة: أن من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه.

الفضيلة التاسعة: أن من أدركها واجتهد فيها ابتغاء مرضاة الله فقد أدرك الخير كله، ومن حرمها فقد حُرِم الخير كله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتحُ فيه أبواب الجنة، وتُغلقُ فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرِم».

هل يمكن أن يقوم الإنسان ليلة خاصة من هذه العشر، بمعنى آخر هل لها موعد محدد؟

ليلةُ القَدْر في العشر الأواخر من رمضانَ لقول النبيِّ : «تَحَرِّوا ليلةَ القدرِ في العشرِ الأواخر من رمضانَ»، وهو حديث متفقٌ عليه.

وهي في الأوْتار يعني الليالي الوترية أقْرب من الأشفاعِ يعني الليالي الزوجية لقولِ النبيِّ : «تحروا ليلةَ القدرِ في الْوِترِ من العشرِ الأواخر من رمضان»، رواه البخاري.

وهي في السَّبْعِ الأواخرِ أقْرَبٌ، لحديث ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ رجالًا من أصحاب النبيِّ أُرُوا ليلةَ القدرِ في المنام في السبعِ الأواخر فقال النبيُّ : «أرَى رُؤياكُمْ قد تواطأت (يعني اتفقت) في السبعِ الأواخرِ فمن كانَ مُتَحرِّيَها فَلْيتحَرَّها في السبعِ الأواخرِ»، متفق عليه.

ولمسلم عنه: أنَّ النبيَّ قال: «التمِسُوَها في العشر الأواخر (يعني ليلةَ القدْرِ) فإن ضعف أحدُكم أو عجز فلا يُغْلَبَنَّ على السبعِ البواقِي».

لكن ينبغي أن ننتبه إلى أن ليلة القدر لا تَخْتَصُّ ليلةُ القدرِ بليلةٍ معينةٍ في جميعِ الأعوامِ بل تَنتَقِّلُ فتكونُ في عامٍ ليلةَ سبع وعشرينَ مثلًا وفي عام آخرَ ليلة خمسٍ وعشرينَ تبعًا لمشيئةِ الله وحكمتِه، ويدُلُّ على ذلك قولُه : «الُتمِسُوها في تاسعةٍ تبقى في سابعةٍ تبقَى في خامسةٍ تبقَى»، رواه البخاري، وبهذا جزم العلماء، وصرحوا به، ومن ذلك ما قاله ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتاب النفيس فتح الباري إذ قال: أرجح الأقوال أنها في وترٍ من العشرِ الأخيرِ وأنها تَنْتَقِلُ.

لكن إذا كانت ليلة القدر بهذه المكانة والأهمية لماذا أخفى الله عنا موعدها؟

وقد أخُفَى الله سبحَانه عِلْمَها على العبادِ رحمةً بهم ليَكْثُر عملُهم في طلبها في تلك الليالِي الفاضلةِ بالصلاةِ والذكرِ والدعاءِ فيزدادُوا قربةً من الله وثوابًا.

ومن ناحية أخرى أخفاها اختبارًا لهم أيضًا ليتبينَ بذلك مَنْ كانَ جادَّا في طلبها حريصًا عليها مِمَّنْ كانَ كسلانَ متهاونًا، فإنَّ مَنْ حرصَ على شيءٍ جدَّ في طلبِه وهانَ عليه التعبُ في سبيلِ الوصولِ إليهِ والظَفر به.

وهناك ملمح مهم جدا، وهو أن الشحناء بين العباد سبب لحرمان الخير، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمه الله تعالى بموعد ليلة القدر فخرج ليخبر الصحابة بموعدها فوجد رجلين يتلاحيان فأنسيها، فكانت الشحناء سببا في هذا الحرمان، فمن أهم الواجبات أن نتعلم أن الملاحاة والشحناء سبب للشر، على كل المستويات.

نعم، ولكن هذه العشر الأواخر هل هناك مزية أخرى لها غير وجود ليلة القدر فيها؟

نعم، من السنن التي كادت أن تنسى سنة الاعتكاف.

وقد كان النبيّ يعْتَكِفُ فيهَا، فيلزم المسجِد للتَّفَرُّغِ لطاعةِ الله عزَّ وجلَّ، وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنةِ رسولِه ولزوم المساجد التي هي بيوت طاهرة، باب من أبواب الفرج، وصرف البلاء، قال رسول الله «المسجد بيت كل تقي».

والخلوة بالنفس واعتزال الناس في الاعتكاف فيه أنس بالله من ناحية، ومن ناحية أخرى يتعرف الإنسان عيوبه وأخطاءه فيعمل على إصلاحها.

وقد اعتكفَ النبيُّ واعتَكَفَ أصحابُه معه وبعْدَه، ففي الصحيحين عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كان النبي يعتكفُ العشرَ الأواخرِ مِنْ رمضانَ حتى توفاه الله عزَّ وجلَّ.

وينْبغِي للمعتكفِ أنْ يشتغلَ بالذكرِ والقراءةِ والصلاةِ والعبادةِ والاستغفار والتوبة، وأن يتَجنَّب ما لا يَعْنِيه من حديثِ الدنيَا.

لكن يا فضيلة الشيخ، طبقا للإجراءات الوقائية، وما فيه العالم من أزمة كورونا المساجد ليست متاحة للاعتكاف، فكيف يعتكف الناس في ظل هذه الظروف؟

إن هذا البلاء منع الناس من المساجد، ولكنه لم يمنعهم من العبادة، فيمكن للإنسان أن يأتي بما يشبه الاعتكاف لغة فينقطع عن الدنيا وينشغل بما فيه مصلحته من عبادة وذكر، وهو في بيته.

وحتى لو لم يكن هذا الاعتكاف طبقا لما جاء في السنة من أنه لزوم المساجد إلا أن المنقطع إلى العبادة في أي مكان سينال من بركات الله كثيرا، ولا شك في هذا.

هل هناك وصية أخرى تحب أن توجهها للقراء؟

نعم، إن هذه العشر فيها من الخير ما يعود على المجتمع كله، ومن ذلك أن الله شرع زكاة الفطر، وهي ترجع على صاحبها بتطهير العبادة مما قد يكون وقع فيه من تقصير، ومن ناحية أخرى هي حق للفقراء والمساكين. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.
ومن وسع على خلق الله وسع الله عليه.

هل يمكن أن نقدم نصيحة عملية في هذه العشر الأواخر؟

أولًا: لا ينبغي أن تغلب على الصلاة، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، فحاول أن تصليها جماعة في أول وقتها، وهذه وصية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيا: القرآن، فهو مزية رمضان، «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن» فاجعل للعشر ختمة خاصة.

ثالثًا: الصدقة، تصدق كل يوم ولو بشيء يسير، لعلك توفق لليلة القدر فيتقبل منك.
رابعًا: صلة الرحم، ولو بالهاتف.

خامسًا: أكثر من الابتسامات، فتبسمك في وجه أخيك صدقة، وهي صدقة يسيرة وغير مكلفة.

سادسًا: طهر قلبك من سوء الظن بخلق الله، وعامل الناس على البراءة.

سابعًا: طهر لسانك من الغيبة والنميمة والكذب والزور.

ثامنًا: طهر عينك من الخيانة والنظر إلى الحرام.

تاسعًا: اجتهد في عملك حتى تجبر تقصيرك السابق، ولا تجعل صيامك طريقا لتعطيل مصالح الناس.

عاشرًا: اجتهد في الدعاء بكل خير لنفسك ولأهلك ولأمتك.

ومع كل هذا حاسب نفسك أولا بأول على رصيدك عند الله، حتى تخرج من رمضان بأعمال تفرح بها يوم القيامة.

ما تحب أن تختم به؟

أحب ان أختم بالدعوات للأوطان بالأمن والأمان، والسلامة والإسلام، وأن يخرجنا من رمضان بكل خير، وبالرضا والرضوان والعتق من النيران.

جاوب واكسب مع فوازير مصراوي , للمشاركة أضغط هنا سارع بخروج زكاة الفطر _ زكاتك هتوصل للمستحقين مصراوي هيساعدك أضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان