خارج سباق رمضان.. مستشفى أبو الريش في حاجة لتبرعات (معايشة)
معايشة-محمد زكريا ودعاء الفولي:
تصوير-روجيه أنيس:
في شهر رمضان، يحتدم سباق الإعلانات الخيرية؛ فذلك عن مؤسسة تُساعد الفقراء، وآخر عن مستشفى جديد يتم بناءه، فيما يقبع مستشفى أبو الريش الياباني للأطفال في الظل، يحاول تلبية احتياجات المترددين عليه، إذ لا توجد موارد مادية كافية لدخول ماراثون جذب التبرعات، ورغم أن الأزمة التي عانى منها في السنوات الماضية تقلصت، غير أنه مازال في احتياج مستمر للدعم.
نهاية عام 2016، كتب أحدهم عبر موقع فيسبوك أنه يحتاج متبرعين بمعدات تصوير، لعمل إعلان خيري لمستشفى أبو الريش الياباني للأطفال. كانت المنشأة الحكومية وقتها في حالة سيئة، فارتفاع أسعار الأجهزة الطبية والأدوية بعد تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف)، بالإضافة لنقص المعونات والتبرعات، جعل المكان في مهب الريح.
تتذكر رانيا حجازي، مديرة المستشفى، تلك الفترة بأسى بالغ "اضطرينا ساعتها نقفل جزء من الرعاية عشان نقدر نشتغل على الباقي"، كان العجز المادي هو الأزمة الرئيسية، إضافة لمشكلات أخرى.
داخل المستشفى التابع لجامعة القاهرة، تدلت زينة رمضان من الأسقف، فيما انتشرت اللافتات التي تحمل شخصيات كارتونية بين الطرقات، كانت البهجة تحاول فرض سيطرتها، فيما لم يقلل ذلك خوف الأهالي الذين انتشروا في الأقسام المختلفة بحثا عن علاج لأبنائهم.
يخدم المستشفى الحكومي أكثر من 1000 طفل يوميا، يستقبل الحالات العصيبة "اللي ممكن متتقبلش في أماكن تانية كتير" حسب قول مدير المستشفى، يُعالج الصغار من عُمر يوم وحتى الرابعة عشر في جميع التخصصات، بين القلب والصدر، العظام، المسالك البولية، الجراحة، الباطنة، المخ والأعصاب، وغيرها، بالإضافة للعيادات الخارجية.
في "أبو الريش" تبدو الحركة منتظمة، لكن بعض المرضى ينتظرون لشهور، حتى يأتي الدور على أطفالهم في العلاج، فميزانية المستشفى لا تتعد 15 مليون جنيه سنويا، والباقي تتكفل به أموال التبرعات، كما تقول مدير المستشفى لمصراوي.
رغم كل الجهود، لا يزال الفرق قائم بين ما هو مطلوب وما هو معروض، فالمشفى يُطور إمكاناته بين الحين والآخر، لكن بوتيرة تقل عن طلب المرضى المتسارع على العلاج.
داخل مكتبه بالدور الأرضي وبجانب عيادات الاستقبال، يستقبل يوسف الراوي، مدير عام الخدمة الاجتماعية أهالي الأطفال المرضى، يتجاوب مع أسئلتهم، يُساعد البعض بمنحه تأشيرة دواء، ويحزن لعدم قدرته على ذلك في أوقات أخرى، لا يتوافر فيها الدواء للمستشفى. يؤشر الموظف على الدواء المتوفر من أموال التبرعات، فلا وسيلة أخرى في الحصول عليه، فيما يرشد المرضى إلى الوجهة الأنسب في حالة غيابه عن أبو الريش.
هذا ما فعله بالضبط مع منى جاب الله، سيدة تعدى عمرها الثلاثين عاما، تحمل طفلها الرضيع، وبجانبها سيدة تحمل شقيقه التوأم. تسأل الزوجة التي تتشح بالسواد عن حليب الأطفال "نيوكيت"، ليأتيها الرد أنه غير موجود بالمستشفى.
"الاتنين عندهم حساسية ألبان، بقالي شهور بلف على أماكن توفر اللبن بفلوس قليلة بس مش لاقية".. قالتها منى للراوي بحزن، فنصحها بالذهاب لنقابة الأطباء، ذلك لأن سعر العلبة الواحدة 225 جنيه ولا تكفي الطفلين إلا ليومين فقط، ورغم نجاح الأم في تدبير المبلغ لأسبوعين فقط، لكن طاقة الأسرة التي لا يتعد راتب عائلها 80 جنيهًا يوميًا، ولديها ثلاثة أطفال آخرين، لا تحتمل أكثر.
تعلم حجازي أن المستشفى يحمل عبئا كبيرا "من الأقاليم ومن القاهرة الناس بتيجي لأن كتير مبيبقاش فيه بديل"، تضرب المثل بقسم القلب والصدر، فبينما يُعاني 8 أطفال من كل ألف في مصر من أمراض القلب، لا يخدمهم بشكل مجاني سوى "أبو الريش" ومركز مجدي يعقوب.
ثمة بروتوكول تعاون بين المنشأتين "لأن دكتور مجدي كان طبيب في أبو الريش وفيه نوّاب من عندنا يشتغلوا معاه"، غير أن ذلك ليس كافيا "بنعمل 100 عملية قلب مفتوح سنويا لكن أحيانا بنبقى احنا ومركز مجدي يعقوب معندناش اماكن"، إذ تكمن الأزمة في ضرورة وجود غرفة رعاية مركزة عقب العملية، وهو ما لا يتوافر دائما "عندنا 126 سرير، كل واحد بيكلف ألف جنيه على الأقل يوميا، بالإضافة لضرورة وجود ممرضة مسئولة عنه".
دائما ما عانى المستشفى من عجز في عدد الممرضات، قلت نسبته خلال العامين الماضيين بعدما تبرع أحد البنوك بدفع مرتباتهن، ما جعل عددهن يرتفع، لكن ذلك مازال في حاجة لتطوير "كنا 18 ممرضة وزاد علينا 18 تانيين بس بعضهم اضطر يمشي بسبب تأخر المرتبات"، حسبما تقول حنان حسن، إحدى ممرضات المستشفى، فيما تضيف زميلتها "الشيفت بتاع الممرض بـ180 جنيه، فكانوا بيجمعوا الشيفتات على بعض ويدفعوها لهم كل شهرين عشان كدة جزء مشي".
قبل رمضان من كل عام، تُفكر مديرة المستشفى جديّا في أمر الإعلانات، وبحسبة بسيطة توقن أن ميزانية عمل إعلان تُعادل ما تخصصه الدولة للمستشفى "بقول يعني مش هنجيب خيوط جراحية ولا أدوية عشان إعلان؟"، في المقابل تدرك أن الإعلان "بيخلي اسمنا دايما في دماغ الناس وتبرعاتهم قريبة مننا"، وبين هذا وذاك لا تجد الطبيبة سوى وسائل الدعاية الأخرى، بين فيسبوك أو أرقام الحساب المُتاحة.
يحاول القائمون على المكان معادلة الأزمة؛ تحكي حجازي عن "جمعات الخير" التي تُقام بشكل دائم، وتعتمد على تبرع أطباء الجراحة بوقتهم وأجورهم لإنجاز عمليات جراحية للأطفال، وكذلك في تخصص المخ والأعصاب، يخفف ذلك من وطأة انتظار الأهالي قليلا.
أمام عيادة الكلى، انتظر سامح عزت أن يأتي دوره في الدخول ليطمئن على صحة طفله. قبل شهرين، توقف الأب عن العمل على عربته " السوزوكي "، بسبب مرض ابنه بـ"ارتجاع في الكلى"، وبعد البحث في المستشفيات استقر على أبو الريش، إذ وجد ضالته هناك، فيما تم تحديد موعد العملية الجراحية بعد شهر من حجزه، والآن يُتابع مع الأطباء مدى شفائه من المرض تمامًا.
"عندنا حاليا اللي يكفينا ست شهور.. لكن شبح الفترة اللي فاتت بيطاردنا وخايفين نرجع ليه تاني".. تقول حجازي. فبينما مازالت قوائم الانتظار حاضرة، تارة في الجالسين خارج المستشفى، أو الباحثين عن علبة لبن أو عملية جراحية عاجلة، تتنفس المديرة الصعداء لحد ما "السنة اللي فاتت عالجنا 490 ألف طفل" وتتمنّى أن يصل الرقم هذا العام إلى مليون أو يزيد.
فيديو قد يعجبك: