إعلان

المجددون في الإسلام.. القاسم بن محمد فقيه المدينة الذي تربى في حجر السيدة عائشة

02:57 م الجمعة 10 مايو 2019

تعبيرية

كتب - هاني ضوه :

كان الإمام القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين أحد المجددين في الإسلام، فهو أحد فقهاء المدينة السبعة من التابعين، الذين قد أجمع عليهم علماء عصرهم وإليهم تنتهي الفتوى.

ولد أبو محمد القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي القرشي سنة 35 هـ في خلافة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأبوه هو محمد بن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأمه هي بنت يزدجرد الثالث آخر ملوك فارس الساسانيين.

كان أبوه واليًا على مصر من قبل خليفة المسلمين الإمام علي كرم الله وجهه، حتى قلته معاوية بن حُدَيج الكندي، عام 38هـ وكان عاملًا لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.

تربيته في حجر السيدة عائشة

وبعد وفاة والده أخده عمّه عبد الرحمن بن أبي بكر رضيعًا هو وأختًا له وهاجر بهما من مصر إلى المدينة المنورة. وهناك ما أن رأتهما عمتهما أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، حتى تعلَّقت بهما وأصرَّت أن يكونا في حجرها ورعايتها فكان لها ذلك على مضض من أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر.

وهكذا نشأ القاسم بن محمد في بيت النبوة في حجر عمته السيدة عائشة رضي الله عنها وتشرب منها العلم والحكمة والبصيرة، كيف لا وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء".

ويحكي القاسم عن حياته في حضن السيدة عائشة فيقول: "حملتنا عائشة من منزل عمّنا إلى بيتها، وربَّتنا في حجرها، فما رأيتُ والدةً قط، ولا والدًا أكثر منها بِرًّا، ولا أوفر منها شفقة، كانت تطعمني بيديها، ولا تأكل معنا، فإذا بقي من طعامنا شيءٌ أكلته، وكانت تحنو علينا حنوَّ المرضعات على الفطيم، تغسل أجسادنا، وتمشِّط شعورنا، وتُلبِسنا الأبيضَ الناصعَ من الثياب، وكانت لا تفتأ تحضُّنا على الخير، وتُمرّسنا بفعله، وتنهانا عن الشرِّ، وتحمِلنا على تركه، وقد دأبت على تلقيننا ما نُطيقه من كتاب الله تعالى، وتروي لنا ما نعقِله من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تزيدنا برًّا وإتحافًا في العيدين، فإذا كانت عشيِّةُ عرفة حلقت لي شعري، وغسَّلتني أنا وأختي، فإذا أصبحنا ألبستنا الجديدَ، وبعثت بِنا إلى المسجد النبوي لنؤدِّي صلاة العيد، فإذا عُدنا منه جمعتني أنا وأختي وضحَّت بين أيدينا".

تلقيه العلم والحديث والفقه

وما أن شب القاسم حتى أتم حفظ كتاب الله وأخذ من عمّته من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكثير، وكان يتنقل بين حلقات العلم في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتعلم على أيدي عدد من الصحابة وكبار التابعين رضوان الله عنهم.

وكان لتربيته في حجر عمته السيدة عائشة رضي الله عنها أثر كبير في إثراء ملكته الفقهية والعلمية، فقد تعلم منها الفتوى، وعن ذلك يقول القاسم: "كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وإلى أن ماتت وكنت مُلازِمًا لها مع ترهاتي وكنت أجالِس البحر ابن عباس وقد جلست مع أبي هريرة وابن عمر فأكثرت فكان هناك ورعٌ وعِلمٌ جمّ ووقوفٌ عمّا لا عِلمَ له به".

وبذلك فقد روى القاسم بن محمد عن أبي هريرة، وعن عبد الله بن عمر، وعن عبد الله بن عباس، وعن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن خباب، ورافع بن خديج، وأسلم مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - وغيرهم كثير.

من الفقهاء السبعة

كل هذا أهله ليكون أحد فقهاء المدينة السبعة، وأحد المجددين في الإسلام، فقد عدَّهُ ابن الأثير الجزري والذهبي ومحمد شمس الحق العظيم آبادي أحد المجددين على رأس المائة الأولى بصفته أحد فقهاء المدينة المنورة.

وقد ذكره ابن سعد أيضًا في الطبقة الثانية من أهل المدينة، وقال عنه: «كان ثقة، وكان رفيعًا، عالمًا، فقيهًا، إمامًا ورعًا، كثير الحديث»، كما وقد وثّقه العجلي، كما روى له الجماعة.

أثره في الفقه والعلم

وكان كبار الأئمة يثقون في عِلمه وفقهه، فهذا الإمام مالك بن أنس ينقل عن ابن سيرين عندما مرض وتخلَّف عن الحج أنه كان يأمر من يحج أن "ينظر إلى هدي القاسم ولبوسه وناحيته فيُبلِّغونه ذلك فيقتدي بالقاسم".

وقد عدّه أبو الزناد في فقهاء المدينة السبعة من التابعين، قد أثني عليه الكثيرون، فقال يحيى بن سعيد الأنصاري: «ما أدركنا بالمدينة أحدًا نفضّله على القاسم»، وقال عنه سفيان الثوري: «عبد الرحمن بن القاسم كان أفضل أهل زمانه، وقد سمع أباه وكان أفضل أهل زمانه».

وقال أبو الزناد: «ما رأيت أحدًا أعلم بالسُنّة من القاسم بن محمد»، وقال مالك بن أنس عنه: «كان من فقهاء هذه الأمة»، وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: «القاسم من خيار التابعين»، وقال العجلي عنه: «كان من خيار التابعين وفقهائهم».

دوره في توسعى الحرم المدني

ومما يدل على فضل القاسم بن محمد وفقهه وعلمه بين الناس خاصة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام دوره في توسعة الحرم المدني في عهد الوليد بن عبدالملك، فقد خالف الوليد ألا يوافق أهل المدينة المنورة على هذه التوسعة خاصة أنه سيضطر إلى هدم بعض من المسجد القديم من جهاته الأربع، وأزالة بيوت زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - وضمها إلى المسجد، وهي أمور تشق على الناس، ولا تطيب نفوسهم بها.

حينها كتب الوليد إلى عمر بن عبد العزيز واليه على المدينة، يقول: «لقد رأيت أن أوسع مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يصبح مئتي ذراع في مئتي ذراع، فاهدِمْ جدرانه الأربعة، وأدخل فيه حجر زوجات النبي، واشترِ ما في نواحيه من البيوت، وقدم القبلة إن قدرت، وإنك تستطيع ذلك لمكان أخوالك آل الخطاب، فإن أبى عليك أهل المدينة ذلك، فاستعن بالقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر، وأشركهما معك في الأمر، وادفع إلى الناس أثمان بيوتهم بسخاء، وإن لك في ذلك سلفي صدق هما: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان اللذان وسّعا المسجد».

فدعا عمر بن عبد العزيز القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وطائفة من وجوه أهل المدينة، وقرأ عليهم كتابَ الوليد، فسروا بما عزم عليه، وهبوا لإنفاذه، فلما رأى أهل المدينة عالمي المدينة وإماميهما الكبيرين، يباشران في هدم المسجد بأيديهما، فكان ذلك بمثابة فتوى عمليه بجواز ذلك، حتى أقبل الناس على هذا العمل العظيم في توسعة المسجد.

وفاته

اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته فبعضهم قال إنه توفى سنة إحدى ومائة أو اثنتين ومائة أو سنة ثمان ومائة أو اثنتى عشرة ومائة، ولكن الأرجح أن وفاته كانت سنة ثمان ومائة. وكانت سنه عند وفاته ثلاثًا وسبعين سنة، وكان في طريقه إلى الحج ما أحس بالأجل التفت إلى ابنه، وقال: «إذا أنا مت، فكفني بثيابي التي كنت أصلي بها؛ قميصي، وإزاري، وردائي، فذلك كان كفن جدك أبي بكر، ثم سوِّ على لحدي، والحق بأهلك، وإياكم أن تقفوا على قبري، وتقولوا: كان وكان، فما كنت شيئاً». رحمه الله.

جاوب واكسب مع فوازير مصراوي , للمشاركة أضغط هنا سارع بخروج زكاة الفطر _ زكاتك هتوصل للمستحقين مصراوي هيساعدك أضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان