زغرودة وزوال "اليُتم".. استقبال المصلين لأول صلاة تراويح في "السيدة زينب"
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
كان رمضان العام الماضي قاسيًا على نجاة، حينما أُغلقت أبواب المساجد للصلاة، ولم يعد مُمكنًا الشعور بأجوائه بسبب انتشار فيروس كورونا. في منزل صغير بالمنيب بمحافظة الجيزة، تقطن السيدة صاحبة الـ45 عامًا، قضت الشهر كله وحدها، بينما اعتادت طوال حياتها أن يكون منزلها في رمضان هو الجامع "مبحبش أصلي لوحدي"، لذا مع الإعلان عن فتح المساجد مُجددًا حرصت على أن تحجز مكانها في السيدة زينب.
وأعلنت وزارة الأوقاف، إقامة صلاة التراويح في المساجد الكبرى التي تقام فيها صلاة الجمعة، وفقًا لعدد من الضوابط في ظل أزمة كورونا من إجراءات احترازية، ومراعاة مسافات التباعد الاجتماعي، مع الاستمرار بعدم فتح الأضرحة أو دورات المياه أو دور المناسبات وتكثيف عمليات النظافة والتعقيم المستمرين.
داخل المنزل الصغير يُخيّم السكون على حال السيدة نجاة، غير أنه الأسبوع المنصرف كُسرت الحالة حينما سمعت عبر نشرة الأخبار التلفزيونية أنباء عودة الصلاة "لو كنت بعرف أزغرد كنت مليت الدنيا زغاريد وقتها". وإذ سُمح للسيدات بالصلاة في مساجد بعينها، قررت السيدة الأربعينية المجيء إلى "السيدة زينب". بخطوات متلعثمة وقلب يرقص فرحًا، دخلت السيدة الأربعينية إلى المكان، تفترش سجاد الصلاة، وتغطي وجهها بقماش لاتباع الإجراءات الاحترازية "صلاة الجماعة بتحسسني بونس وشبع، وحتى لو واقفين بعيد عن بعض بس كفاية مش هصلي لوحدي تاني".
ما إن انتهت الصلاة؛ لملم أحمد الأنصاري سجادته الخاصة للصلاة، تأمل المشهد داخل مسجد السيدة زينب، كيف تبدّل الحال عن العام الماضي؟. جاء الشاب صاحب الـ24 عامًا من أسوان إلى القاهرة في بداية 2020، كانت أمنيته الأساسية قضاء شهر رمضان في العاصمة "طول عمري أمنيتي أعيش هنا"، لكن انتشار فيروس كورونا مع الإغلاق وفرض الإجراءات الاحترازية أعاده مُجددًا إلى مدينته.
على يديه عُلقت سجادة الصلاة، بينما ارتدى الشاب الجلباب والعمّة تيمنًا بعائلته في الجنوب، منذ صغره أحّب الإنشاد الديني، صوته كان يُنبيء بأنه سينضم لهذا العالم الروحي وهو ما جرى حين اشتد عوده "حاليًا في فرقة أنصار النبي". لكن كل شيء تفرّق العام الماضي، توقفت التجمعات وخسر أمنيته بالعيش في القاهرة وإحياء حفلات رفقة الفرقة.
لكن الشاب العشريني تلمّس بعض البراح حينما أُعلن عن إقامة الصلاة في المساجد رمضان الجاري، لذا جاء إلى القاهرة وأولها مسجد السيدة زينب ليكون وِجهته في صلوات التراويح "السنة اللي فاتت كنت حاسس وقتها إني طفل يتيم".
ورغم عودة صلاة التراويح للمساجد مُجددًا، على عكس العام الماضي، قالت وزارة الأوقاف إنه "لا حرج على الإطلاق على من صلى التراويح في بيته، بل أن ذلك يستحب في الظروف التي نحن فيها، للإسهام في تحقيق التباعد وتخفيف أوقات الاجتماع في مكان واحد".
في الشارع المُقابل للمسجد، أخذت شيماء حمدي جانبًا تستريح من مشوار مجيئها من أسيوط إلى القاهرة. برفقة زوجها وشقيقها جاءت صاحبة الـ26 عامًا، لم تكن تدرك أن صلوات التراويح مسموحة للسيدات في بعض المساجد الكُبرى "كنا قريبين من منطقة السيدة زينب ولقيت الستات بتدخل"، خفق قلبها، وقررت الدخول "أنا جاية عمياني معرفش حتى إيه الإجراءات وإن مينفعش بنتي تدخل جوة معايا". ابتاعت لها بالونة حمراء من الخارج وتركتها على أبواب المسجد، صمدت الصغيرة حتى انتهاء الأم "مكنش ينفع أفوت الصلاة، اللحظة دي مش هعيشها تاني عشان المساجد مقفولة عندنا في أسيوط".
أمام المكان وقف البعض يلتقط الصور التذكارية، من بينهم عامر جاد، أخذ يصور ابنه الصغير مع الأضواء الخضراء لمسجد السيدة زينب، وبداخله أمنية واحدة أن تتسع السموات في الشهر الكريم لدعواته بشفاء صغيره.
من المنيا جاء الرجل الخمسيني لرحلة علاج، إذ يُعاني صغيره عبدالرحمن من السرطان ويحضر جلسات الكيماوي بالقاهرة منذ شهر نوفمبر الماضي، تأتي الأسرة لمدة وجيزة حسب عدد الجلسات ثم تعود مُجددًا إلى بلدتها "الصبح كنا في المستشفى وأنا معدي لقيت الصلاة، قولت لازم أصلي التراويح وأدعي ربنا يزيل غُمة ابني والوباء".
تابع موضوعات الملف:
عودة باهتة.. حال ثاني "رمضان" في عهد كورونا (ملف خاص)
"سيدنا النبي حضر".. كيف استقبلت فرقة "نور النبي" شهر رمضان؟
وجبة عائلية بمذاق القلق.. كيف حال أطباء العزل في رمضان "كورونا"؟
فيديو قد يعجبك: