رمضان زمان| الشيخ مصطفى إسماعيل "ابن نكتة" ويرفض الهزيمة في الطاولة
كتبت-إشراق أحمد:
هذه الليلة، إذاعة صوت العرب حاضرة بقوة؛ في تمام الحادية عشر والربع مساءً، المستمعون في مصر وأرجاء الوطن العربي يسهرون مع "عملاق العمالقة" في دنيا تلاوة القرآن الكريم كما وصفه الكاتب الراحل محمود السعدني. يطل الشيخ مصطفى إسماعيل بصوته الدافيء، ليس مُقرئًا لآيات الذكر كالمعتاد، لكن صديقًا يستضيف عدد من الرفقة في منزله.
كان ذلك، يوم الأربعاء، السابع من رمضان 1385. الشيخ إسماعيل حصل أخيرًا على وسام من الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العلم، قبل ثلاثة أشهر من حلول الشهر الكريم الذي وافق هذا العام بالتأريخ الميلادي ديسمبر 1965.
إذاعة صوت العرب أعدت للمستمعين هذا العام برنامجًا أسبوعيًا اسمه "خشاف رمضان"، يستضيف مشاهير القرآن الكريم، ويحاورهم الإذاعي محمد السعيد الشناوي، وبدأت الحلقات مع الشيخ إسماعيل في منزله بالقاهرة.
27 دقيقة يتحدث فيها إسماعيل بلا تكلف، يجتمع بخمسة من أصدقائه بينهم زوج ابنته مصطفى القباني، هم الأقرب له أو كما وصفهم "السميعة القدامي اللي هم ناس كويسين خالص أثق فيهم لو قعدوا قدامي يخلوني أقول واشتغل". يخص الشيخ بالذكر صديقه مصطفى كامل، الضابط السابق بوزارة الداخلية، الذي يتبدل حال القاريء الكبير بوجوده بينما يتلو، فإذا ما كان عكر المزاج "أبص ألاقيه دخل فمزاجي يحضر".
في السهرة التي أعاد نشرها موقع عباقرة التلاوة الخاص بتجميع تراث المقرئين المصريين، يحكي الشيخ إسماعيل عن طفولته ومحبته للعب كرة القدم مع رفاقه "لغاية ما الغفر تطلع تجري ورانا وتروحنا"، كيف تعرف إلى أصدقائه، وكيف تعلم المقامات باستراق السمع حينما كان يتلو فيجد من حوله يردد اسم المقام فلا يغادر عقله أبدًا.
يلتفت الإذاعي إلى وجود البيانو في الغرفة التي يجلسون بها، فيتحدث الشيخ عن شرائه لأجل أبنائه، وعن دراسته للعود والغناء لمحبته لكل ما يطرب الروح. يطالبه المحاور بأن يغني فيرفض الشيخ بأدب مرة، وحينما يعاود طلبه ثانية، يكتفي عملاق القراءة بدندنة "الليل" بمقام السيكا، وفي الثالثة يرفع الشيخ الحرج عن نفسه ويقول "لا مقدرش أنا هوكل عني الأستاذ مصطفى كامل هو غاوي أوي وسميع كبير"، وبالفعل يغني الصديق وصلة طربية قديمة ويتحول التهليل بالإجادة لكامل وفي مقدمة المهللين الشيخ إسماعيل ذاته.
الصوت الذي شكل مدرسة في التلاوة يسير على نهجها القراء من بعده، ويتدارس "السميعة" خطاها إلى اليوم، يطل عبر الأثير هذه الليلة كاشفًا لشخصية صاحبه المتشربة بخفة الظل والبساطة، يتحدث هن هوايته للعب الطاولة خاصة في المصيف وحرصه على الفوز "لما يلعبوا معايا بيهللوا على المغلوب فأنا مستحيل أبات مغلوب اتنى ألاعبهم لغاية ما أغلبهم وأبات مبسوط".
يُعدد القاريء الكبير حكاياته مع السميعة وجولاته خارج مصر، غير أنه لا ختام لها سوى الابتسام وضحكات لها وقع في قلوب الحاضرين، وقد تزامن عدد من مواقف إسماعيل مع شهر رمضان.
يتوسط الشيخ مصطفى إسماعيل السهرة وهو في الستين من عمره، يحكي عن "نكتة" جمعته بأحد السميعة بينما يستقل القطار إلى قريته "ميت غزال" في طنطا، إذ سأله الرجل عن رخصة الإفطار وهو على سفر، فشاركه قصة وقعت له شخصيًا ذات يوم، حين أبكر في السحور دون شرب الماء ثم استيقظ في العاشرة وقد تحجر ريقه، فإذا بالرجل يقول للشيخ "كنت قوم سافر".
وفي فرنسا كان لقاريء القرآن قصة لا تُنسى؛ لا يُجيد إسماعيل من اللغات غير الإيطالية، وقبل السفر في رمضان، تَحدث لزوج ابنته الذي دون له في أوراق صغيرة كلمات للتعامل، وعندما حان موعد السحور، أخذ يبحث عن ورقة طلب الطعام فلم يجدها، اتصل بخدمة الغرف "قلت لهم عايز مم". يضحك إسماعيل بينما يحكي كيف استمر في استخدام الإشارات حتى فهم الفرنسيون ماذا يريد، وأحضروا له السحور.
فيديو قد يعجبك: