رمضان زمان| قرية "الشيخ الشعراوي" تعارض انتخابات صدقي باشا
كتبت-إشراق أحمد:
في هذا العام، أطل الشيخ محمد متولي الشعراوي بثوب مختلف، ليس على شاشة التليفزيون في برنامجه الشهير "خواطر الإيمان"، إنما على صفحات جريدة الوفد، التقاه الصحفي محمد إسماعيل بحكايات نُشرت على مدار شهر رمضان لعام 1412.
كان الشعراوي في الثمانين من عمره، حين حكى عما عايشه في شهر رمضان قبل نحو 40 عامًا في عام 1930.
بينما يستعد أهالي قرية دقادوس التابعة لمركز ميت غمر-الدقهلية- لاستقبال الشهر الفضيل شأن جميع المصريين، كانت الأخبار لا تخفى عن أرجاء المحروسة من استقالة مصطفى النحاس باشا من الوزارة، وتكليف الملك فؤاد لإسماعيل صدقي باشا بتشكيل الحكومة، ولم يكذب الأخير خبرًا.
عطل صدقي باشا الحياة النيابية؛ أحل البرلمان الذي كان مقرر انعقاده في فبراير من هذا العام، وألغى دستور 1923. فيما أمر بإنعقاد انتخابات جديدة، بينما شكل حزبًا له يحمل اسم الشعب.
أجواء مضطربة سادت البلاد، الكثير مع صدقي باشا طوعًا أو كرهًا، وآخرين معارضون بضراوة ومنهم الوفديين كما يحكي الشعراوي – ابن دقادوس- الذي لم يكن بلغ العشرين عامًا حينها.
قرر حزب الوفد أن يقاطع انتخابات صدقي باشا "ولم تقو قرية في مصر كلها على مقاطعة هذه الانتخابات" إلا قرية دقادوس وقريت ميت محسن المجاورة لها. عزموا على الإضراب والدعوة لهذا.
لم يمر الأمر مرور الكرام، فما كان صدقي باشا رئيس الوزراء فقط، بل أيضًا وزير الداخلية. أرسلت إلى القرية قوة بقيادة صاغ يُعرف باسم عبد المجيد شريف، حضر من المنصورة، حاول حمل الناس على الانتخاب، لكن أهالي القرية عزموا على غلق أبوابهم عليهم ومواصلة المقاطعة.
لجأ الصاغ إلى الترهيب بعدما فشل في الترغيب. يحكي الشعراوي أن أول بيت اقتحمته القوة كان لأحد الأهالي يُسمى "محمد الشهابي"، الذي لقي مصرعه حينما قاوم السلطات.
ما إن سمع أهالي "دقادوس" بنبأ مقتل الشهابي حتى قامت ثورتهم "خرج الأهالي يطاردون القوة وعلى رأسها الصاغ" إلى أن بلغوا بركة ماء، اندفعت إليها القوة هربًا من الأهالي حتى قُتل قائدهم غرقًا.
أعلن صدقي باشا أن "جماهير مصر أقبلت على الانتخابات" كما يحكي الشعراوي، وكذلك ذكر جمال بدوي في كتابه نظرات في تاريخ مصر أن رئيس الوزراء أعلن "أن الانتخابات جرت في هدوء وسكين وأن نسبة المشاركة 67% من الناخبين رغم مقاطة الأمة لهذه الانتخابات وما جرى من مظاهرات وقتل المتظاهرين".
بسبب المقاطعة وما جرى على إثرها "حلت اللعنة" على القرية كما يصف الشعراوي، إذ صار يحكم دقادوس قوة عرفها الأهالي بـ"الهجانة". كانوا يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة "تعودوا أن ينيموا القرية قبل أن تغرب الشمس ولا يبيحون لأحد أن يخرج من بيته إلا بعد الشروق"، حتى إذا مات أحدهم كان لابد لذويه أن يحصلوا على إذن مسبق للعزاء، على أن يكون هذا في غضون ساعتين بعد العشاء
عانت دقادوس جراء موقفها إزاء صدقي باشا حتى سقطت حكومته عام 1933، فيما لم ينس الشعراوي أحداث قريته رغم انقضاء الأعوام، فيذكره حلول رمضان بما جرى ليحكيه في تاريخ 5 مارس 1992.
فيديو قد يعجبك: