بالصور- سيدات الدرب الأحمر يصنعن كحك العيد بـ"لمة زمان"
كتابة وتصوير- شروق غنيم:
أخرجت سهام جودة من العلبة المناقيش النحاسية التي ورثتها عن والدتها، تتفحصها في ضوء الشمس، فتجدها لا تزال تحتفظ بلمعان أصيل، تضعه في حقيبتها من أجل التجمع مع رفيقاتها لإحضار كعك العيد، وهو الطقس الذي غابت عنه منذ عام 2002 برحيل والدتها. تخرج بحماس من أجل استعادة الطقس المُحبب إلى نفسها ليُذكرها بعبق والدتها في الخبز، وفرحة العيد الغائبة منذ سنوات.
في بيت يكن بحي الدرب الأحمر، أحد أقدم أحياء القاهرة التاريخية، نظمت المهندسة علا صلاح يومًا لسيدات المنطقة لإعداد "كحك العيد" في البيت التراثي، من أجل إعادة إحياء طقوس الاحتفال بعيد الفطر كما كانت تُقيم الجدات والأمهات مثل هذا الطقس في أواخر شهر رمضان الكريم.
بدأت الفكرة في ذهن علا منذ أربع سنوات، أن يحتضن بيت يكن ذلك الطقس مثلما يشمل أنشطة مختلفة ما بين التراثية والحديثة "خصوصًا أنها من العادات اللي بسمع عنها وعمري ما عملتها في بيتي". حينما تكون برفقة السيدات من منطقة الدرب الأحمر تستمع إلى ذكرياتهن مع إعداد "كحك" العيد بشكل جماعي مع الأسرة "وطول الوقت في عادات محافظين عليها لكل مناسبة".
من هنا فكرت علا في إعادة إحياء الأمر من داخل البيت التراثي "إحنا هنا كلنا عيلة واحدة، فكرنا نتجمع السنة دي ونخبز سوا ونتبسط بالعيد"، وهو ما كان. وضعت السيدات خطة بالمستلزمات، وتم تقسيم التكلفة على عددهن مما سمح للمبلغ بأن يكون في متناول الجميع "والأهم إننا نعمله بإيدينا".
داخل بيت يكن، تجمعت السيدات في العاشرة صباحًا برفقة ابنائهن لمشاهدة كيفية إعداد الكحك، تلك التفاصيل التي كانت غائبة عن بعضهن بسبب تغير الزمن "زمان العيلة كلها كانت لازم تتجمع عشان يعملوا سوا، لكن لما الكُبار ماتوا بقى نادرًا لو العادة دي اتعملت" تحكي سيدة مدبولي.
كانت السيدة إحدى المسئولات خلال اليوم عن إعداد العجين الخاص بالكعك، لاتزال تذكر الوصفة السحرية لجدتها ووالدتها من أجل إعداده بطعم شهيّ، فيما تُعد باقي السيدات الحشو الخاص به مثل العجوة بالزُبد أو إحضار السُكر لتزيينه في نهاية اليوم، قبل أن تخبرهن سيدة "وعشان بيخليه ناعم أكثر".
منذ عام 2017 وانضمت سيدة إلى مجتمع بيت يكن التراثي من أنشطة برفقة بناتها الثلاثة "المكان هنا طلع طاقات كانت مستخبية جوانا وجوة عيالنا". عادت المدرسة السابقة لمادة الموسيقى إلى شغفها بعالم الفن وتعلمت برفقة بناتها الرسم الهندسي والنباتي "عنينا اختلفت، بقينا لما نمشي في منطقتنا نبص حوالينا نتفرج على التراث والجمال، عنينا نورت وبقينا فخورين أكثر أننا من الدرب الأحمر".
صار المكان مثل بيت ثاني يغزل أحلامها مع سيدات أخريات من المنطقة نفسها، وأيضًا مع أبنائهن. خلال إعداد الكعك حرصت على أن تحضر بناتها الاثنين سما ونور، انتهت الفتاتان من امتحان دراسي ثم أقبلتا على المكان الأثري لمساعدة والدتهما "ولازم يتفرجوا عشان يشبعوا بالعادات والتقاليد ومتتنسيش أبدًا".
في جنبات المكان استقرت السيدات على طاولات مختلفة، أمامهن الصاجات الخاصة لوضع الكحك عليها، وكذلك كمية العجين المُقسمة لكل أسرة، فضلًا عن الأدواتا لاخصة بطباعة أشكال ورسوم على الكعك نفسه.
تتابع سلمى أنور تفاصيل إعداد الكعك لأول مرة في حياتها، اعتادت صاحبة العشر سنوات على المُعد جاهزًا "لكن أول مرة أشوف البيتي اللي ماما كانت بتحكي عنه". بجوار السيدات جلست الصغيرة لتساعدهن في النقش عليه وإعداده "اشتركنا بـ30 جنيه مقابل أننا ناخد كمية عجين تكفي صاج".
برفقة شقيقتها آية قدمت الصغيرة لمتابعة التجربة، سعدت بها وكيف تُكور يديها العجين ليصبح كعكًا في النهاية، فضلًا عن اختيار أحد القوالب الجاهزة لطباعة شكل مختلف عليه "طلع الموضوع سهل وجميل، كأننا بنرسم".
تقول أسماء، إحدى الإداريات في بيت يكن إن "حسبنا التكلفة وقسمناها علينا فالموضوع كان في متناول الجميع". اعتادت السيدة تجهيز الكعك في المنزل قبيل كل عيد ولكن وحدها، أحيانًا قد ترافقها شقيقتها أو ابنتها "لكن في الأغلب لوحدي، بس بحب أعمله لأن ريحة الخبز في البيت بتفرق، وحاجة متوارثة عن أهالينا فلها طعم تاني، بيبقى بنكهة زمان".
انهمكت السيدات قرابة ثلاث ساعات حتى انتهين جميعًا من إعداده، بعدها تم إرسالها إلى الفرن المخصص لتسوية الكعك بينما انتظرنه وهن يستعدن حكايات عن صُنع الكعك بشكل جماعي مع عائلتهن، والسعادة بعودة ذلك مُجددًا بعد غياب، فيما تشاركهن المهندسة علا وصديقاتها ذلك الطقس لأول مرة.
قرابة نصف ساعة وجاءت الصاجات المُحملة بالكعك وقد تمت مهمة إعدادة بنجاح، سعادة غارمة انتابت نفس سيدة مدبولي، شعرت بأنها عادت إلى عُمر بناتها "وإحنا أطفال أول ما يستوي كنا نتجنن ولازم نجري ندوقه"، تسعد بالتجربة إذ لأول مرة يشاركها أطفالها في ذلك الطقس "خصوصًا أننا قدرنا نعمل ده بشكل جماعي، لما نلم من بعض حتى لو مش قادرين ماديًا لكن هنساهم بحاجة بسيطة وكلنا نتبسط ببهجة العيد".
تحتفظ أغلب السيدات بذكريات عن صُنع الكعك بشكل جماعي، لا تزال تذكر سهام جودة يوم اشترت والدتها خمس مناقيش نحاسية بربع جنيه "وكانت بتدقق فيهم عشان يبقوا مظبوطين"، احتفاظها بهم كل هذا الوقت و"أني أطلعهم النهاردة وسط عيلة تانية ليا هو العيد بالنسبة لي".
فيديو قد يعجبك: