ريم بنا.. المقاومة تخسر بطلا
كتبت- سما جابر:
تقبض بأصابع يدها التي نحلها المرض على الحياة، تقاوم "اللعين" لسنوات وسنوات، حتى استسلمت روحها لخالقها اليوم، تاركة خلفها عشرات الأغنيات الوطنية الباعثة على الأمل، لتخلد الفلسطينية ريم بنا اسمها بين المدافعين عن الأرض والعرض والأمل، إيمانا منها بقول من كان بحبه ينبض قلبها "الأمل هو قوة الضعيف المستعصية على المقايضة، وفي الأمل ما يكفي من العافية لقطع المسافة الطويلة من اللا مكان الواسع إلى المكان الضيق" (درويش – في حضرة الغياب).
51 عاما عاشتها الفنانة ريم في هذه الحياة، كانت ترفع دائمًا شعار "المقاومة والأمل"، بداية من مقاومتها للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، حتى عام 2009 عندما بدأت في مقاومة مرض سرطان الثدي التي أصيبت به وكانت من أقوى المحاربات له.
أفكار الأمل والبحث عن الحرية سيطرت دائمًا على أعمال ريم، رغم مرضها وما تمر به بلادها، فكانت تقول "إنها لا تعرف معنى أن هناك بلد تعيش دون حرب وحصار وقتل وقلق، لا تعرف كيف تعيش ببلد مسالم فيه طمأنينة واكتفاء وراحة بال وفيه كل شيء مؤمَن.. لا تعرف معنى كيف يبدأ وينتهي اليوم في سلام، ومع ذلك كانت تبحث عن الأمل في كل شيء موجود حولها، حتى في المرض".
شبهّت ريم السرطان بالغزو الإسرائيلي لفلسطين، وتمسكت بالأمل في محاربته، تقول في إحدى اللقاءات التلفزيونية: "مثلما غزا الاحتلال الإسرائيلي؛ فلسطين، السرطان كان بدو يغزو جسمي، ومثلما قاومت الاحتلال هقاوم السرطان".
كانت "بنا" ترى أن الشدة لا تدوم على أحد، وأن أي مريض من السهل أن يجد أسباب كثيرة تجعله يقاوم مرضه، مثل ابتسامة من حوله، أو حبهم له، أو من أجل البحث عن الحق والعدل، أو الإيمان بأن غدًا يوم جديد يحمل أحلام ومستقبل أفضل.
لم تيأس الفنانة الفلسطينية حتى في عز اشتداد مرضها عليها، وكانت تحاول طمأنة أبنائها عليها، حيث كتبت عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك يوم 5 مارس "بالأمس كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي، فكان عليّ أن أخترع سيناريو، فقلت: لا تخافوا هذا الجسد كقميص رث.. لا يدوم.. حين أخلعه، سأهرب خلسة من بين الورد المسجى في الصندوق، وأترك الجنازة وخراريف العزاء عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام، مراقبة الأخريات الداخلات، والروائح المحتقنة".
وتابعت: "سأجري كغزالة إلى بيتي، سأطهو وجبة عشاء طيبة، سأرتب البيت وأشعل الشموع، وانتظر عودتكم في الشرفة كالعادة.. أجلس مع فنجان الميرمية، أرقب مرج ابن عامر، وأقول هذه الحياة جميلة.. والموت كالتاريخ فصل مزيف".
جمعت الراحلة بين الغناء والتلحين والتأليف، وهي سفيرة الصوت الفلسطيني في أرجاء العالم، وولدت في الثامن من ديسمبر عام 1966 في مدينة النّاصرة عاصمة الجليل، وبدأت الغناء في الناصرة منذ طفولتها حيث شاركت في العديد من الاحتفالات السياسية والوطنية، وانتقلت إلى الاتحاد السوفيتي ودرست الموسيقى والغناء في المعهد العالي للموسيقى "GNESINS" في موسكو، لتتخرّج منه سنة 1991، وقد تخصصت في الغناء الحديث وقيادة المجموعات الغنائية.
بدأت ريم بنّا في إصدار ألبوماتها منذ فترة الدراسة، حيث أصدرت ألبومي "جفرا" سنة 1985، "دموعك يا أمي" سنة 1986، وبعد التخرّج أصدرت "الحلم" سنة 1993، وقد فازت أغنية "الحلم" بالمرتبة الأولى مرتين متتاليتين في برنامج سباق الأغاني في إذاعة "مونت كارلو"، وهي من كلمات الشاعرة الفلسطينية ووالدتها زهيرة صبّاغ.
كما أصدرت ألبوم "وحدها بتبقى القدس" سنة 2002 ثم "مواسم البنفسج" سنة 2006 وآخر ألبوماتها "مرايا الروح" سنة 2008، وتميّزت ريم بنا بأدائها للتهاليل الفلسطينية، كما أنّ لها باقة من أغنيات الأطفال التي تقوم بكتابة كلماتها وتلحينها.
واليوم أنهت رحلتها مع المرض والاحتلال ومع الفن.. رحلت الغزالة البيضاء مثلما أطلقت عليها والدتها الشاعرة الفلسطينية زهيرة صباغ، تاركة حالة من الأمل لمن عرفوها عن قرب، وابتسامة صافية مليئة بالتحدي لم ينساها أصدقائها ومحبيها.
فيديو قد يعجبك: