تلاعب و"مصوت شبح" .. تحقيق مصراوي يكشف أخطاء في جائزة "الكرة الذهبية"
كتب- مصطفى الجريتلي:
التتويج الأول للكرواتي لوكا مودريتش، لاعب ريال مدريد الاسباني، بجائزة مجلة فرانس فوتبول في الثالث من ديسمبر الجاري، لم يمر مرور الكرام. فبعدها بيوم واحد شكك الصحفي المصوت ممثلا عن دولة ترينداد وتوباجو في مصداقية الجائزة الرياضية باتهامه إدارة المجلة بالتلاعب في صوته.
اتهامه وجد صدى في منطقة أخرى من العالم، عندما خرجت وسائل إعلام تنفي وجود صحفي ممثلاً لدولة جزر القمر يحمل اسم "عبده بوينة" ملقبينه بـ "الصحفي الشبح".
الاتهام والتشكيك دفعا "يلا كورة" للتحقق من الأمر. وعلى مدار أكثر من 15 يوما، بحثنا عن "المصوت الشبح" وأخطاء التصويت ومدى تأثيرها على ترتيب الفائزين بالجائزة، وعلى رأسهم لوكا مودريتش، ومحمد صلاح.
آلية التصويت
في عام 1956، انطلقت الجائزة تحت اسم "أفضل لاعب أوروبي"، قبل أن يتغير نظامها عام 1995 ليتوّج بها أي لاعب ينشط في أندية أوروبية، ثم أصبح من حق أي لاعب في العالم التتويج بها بدءًا من عام 2007.
وتقوم آلية التصويت في جائزة "الكرة الذهبية/ البالون دور" على ترشيحات 176 صحافيًا من حول العالم؛ إذ يختار كل صحفي قائمة من 5 لاعبين من بين 30 لاعبًا مرشحًا للفوز بالجائزة يختارهم مجلس تحرير صحيفة فرانس فوتبول.
ويُرسل الصحافيون ترشيحاتهم لأفضل 5 لاعبين من القائمة التي تضم 30 لاعبًا إلى مجلة فرانس فوتبول عن طريق البريد الإلكتروني.
ووفقا لقواعد التصويت، يحصل اللاعب الذي جاء في الاختيار الأول لكل صحفي على 6 نقاط على أن يحصل اللاعب الذي يقع في الخيار الثاني على 4 نقاط، ومن يقع في المركز الثالث على 3 نقاط، والرابع على نقطتين، والخامس نقطة واحدة.
التلاعب.. بداية الاتهامات
ما إن أعلنت نتيجة التصويت على الجائزة في 2018، بادر الصحفي "لاسانا ليبورد"، ممثل دولة ترينداد وتوباجو في عملية التصويت، للتشكيك فيها. وغرد على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلاً: "اختياراتي لجائزة لاعب العام كانت يجب أن تكون: (ليونيل ميسي، لوكا مودريتش، كريستيانو رونالدو، محمد صلاح، جريزمان..).. لقد صوّت لسنوات عديدة في هذه الجائزة المرموقة دون أي مشكلة، لا أعرف ماذا حدث هذه المرة؟ ولكنني أمتلك تسجيلاً لاختياراتي".
ولمعرفة ما حدث معه، تواصلنا مع الصحفي لاسانا ليبورد، الذي يعمل لصالح موقع "Wired868.com" في بلاده؛ والذي أكد أن هناك "تلاعبًا" طال قائمة ترشحاته التي أرسلها للمجلة.
وأضاف: "مسؤولو مجلة فرانس فوتبول تواصلوا معي، واعتذروا لي عن الخطأ في ترتيب اختياراتي ضمن جائزة الأفضل".
وتابع ليبورد: "اعتذروا لي عن هذا الخطأ؛ وطالبوني بترقّيم أصواتي في المستقبل حتى أسهل عليهم الأمر، وسأفعل هذا بالتأكيد تجنبًا لأي خطأ مشابه".
لكن صحفي ترينداد وتوباجو، رفض منحنا صورة لنص اعتذار مجلة فرانس فوتبول له، قائلا: "لا أود الحديث نيابة عنهم، لأنني غير متأكد إذا ما صرحوا ببيان رسمي أم لا بهذا الشأن، ولكنني تلقيت اعتذارًا وقبلته".
وأكد "ليبورد" أنه لم يسمع عن أي حوادث أخرى تم تغيير الأصوات فيها". فيما أقرت "فرانس فوتبول" بوجود خطأ في تصويته، وقال باسكال فييري، مدير الصحيفة في تصريحات خاصة لنا عبر البريد الإلكتروني: "نعم حدث خطأ في تصويت صحفي توباجو.. بريده الإلكتروني لم يكن واضحًا.. وعلى أية حال نعتذر له عن هذا الخطأ".
اسم مستعار!
ألقت الشكوك التي خلفها هذا "الخطأ" بظلالها على مصوت آخر، هو "عبدو بوينا" ممثل جزر القمر. فقد فجرت عدة صحف من هذا البلد مفاجأة كبرى، عندما أكدت عدم وجود صحفي يحمل هذا الاسم، وأن الموقع الذي قالت فرانس فوتبول إنه يعمل به (ALBaladcomores.com)، أُغلق منذ ست سنوات، وتحوّل حاليًا لموقع متخصص في تقديم الاستشارات العاطفية.
وأفردت صحيفة "alwatwan" الصادرة من جزر القمر، تقريرا عن هوية الصحفي الذي اختارته مجلة "فرانس فوتبول" للتصويت في جائزة الكرة الذهبية، نقلت خلاله شهادة الصحفي تويمينو عبدوالتي أكد فيها أن موقع (ALBaladcomores.com) المذكور في صحيفة فرانس فوتبول، مُغلق منذ عام 2012، نافيًا وجود صحفي عمل فيه يحمل اسم عبدو بوينا.
وقال تويمينو عبدو: "كان هناك صحفيين رياضيين اثنين في الموقع، الأول للنسخة الفرنسية اسمه عبدول يوسف، والثاني شريف أوسيني للنسخة العربية من ذات الموقع".
وعلق باسكال فييري، مدير صحيفة فرانس فوتبول الفرنسية، على الشكوك المُثارة حول هوية صحفي جزر القمر، وقال في رسالة بالبريد الإليكتروني أرسلها لـ"يلا كورة"، إن الاسم الذي وضعته المجلة على موقعها الإلكتروني "اسم مستعار" للصحفي عبدول يوسف.
وأضاف فييري: "لايوجد لدينا صحفي وهمي في جزر القمر.. وعبدو بوينة اسم غير حقيقي ومستعار للصحفي عبدول يوسف الذي صوت تحديدًا يوم 31 أكتوبر الماضي".
البحث عن عبدول
تصريحات "فييري" دفعتنا إلى خوض رحلة البحث عن "عبدول يوسف"،
والتي استمرت عدة أيام، خاصة وأن الرجل ترك جزر القمر منذ سنوات ويعيش حاليا في فرنسا، ولم يعرف أكثر من صحفي من جزر القمر تحدثنا معهم عنوان أو أية طريقة للتواصل معه.
عن طريق فيس بوك ومجموعات للصحفيين والمغتربين في جزر القمر، توصلنا أخيرا إلى عبدول يوسف، والذي أكد لنا: " نعم أنا عبدول يوسف الذي عمل في موقع البلد قبل سنوات، ولكنني لم أصوت أبدًا لصالح جائزة فرانس فوتبول ولا أعرف من يتظاهر بكونه أنا ويفعل ذلك.. في الحقيقة أنا لا أفهم هذه القصة ومن أين أتت؟".
واستطرد الرجل المقيم حاليا في فرنسا قائلا: "في الواقع كنت صحافي رياضة، ولكني لم أمارس هذه الوظيفة منذ فترة طويلة".
مواجهة لم تتم
بعد تصريحات الصحافي عبدول يوسف، توجهنا مرة أخرى لـ "باسكال فييري"، مدير صحيفة فرانس فوتبول الفرنسية، لمواجهته بما توصلنا له، وسألناه: "لماذا سمح لشخص بالمشاركة باسم مُستعار .. ولماذا لم يتأكد من استمرار جهة عمله في الصدور؟" ولكنه لم يرد على رسالتنا البريدية رغم مرور 8 أيام على إرسالها في الوقت الذي رد على أول رسالة بريدية خلال 5 ساعات من إرسالها.
كيف يصوت الصحفيون
في محاولة منا لفهم كيف حدث هذا الأمر، وسمح لشخصية وهمية بالتصويت باسم مستعار، تواصلنا مع الزميلة إيناس مظهر، الصحفية في الأهرام ويكلي، وهي ممثلة مصر في تصويت "فرانس فوتبول" لمعرفة كيفية التواصل بين الصحيفة الفرنسية والصحفيين المشاركين في التصويت.
"أصوت مع فرانس فوتبول منذ عام 2007"؛ قالتها ممثلة مصر، موضحة: "يرسلون لنا رسالة على البريد الإلكتروني الخاص بكل شخص منا ويطالبوننا بالتأكيد إذا ما كنا مستمرين في عملنا بالمؤسسة المتواجدين بها، ويمنحونا وقتًا يتراوح بين 20 و30 يومًا للتصويت.
وأضافت: "كان الميعاد النهائي هذه المرة 9 نوفمبر، وبالفعل رقّمت اختياراتي الخمسة وأرسلتهم قبل الميعاد، وهم عادة ما يخبرونا في رسالتهم البريدية بضرورة الحرص على وضع الاختيارات بموضوعية وحيادية وعدم مناقشة أحد فيها أو الإعلان عنها قبل أن تُعلن فرانس فوتبول النتائج النهائية".
وعن إمكانية وجود تلاعب في الأصوات، قالت إيناس: "كل صحفي منا لديه مستند بالأسماء التي اختارها، والمجلة تُعلن عنها فيما بعد، لذا لا يوجد أي خطأ أو تلاعب من وجهة نظري، وخلال رحلتي معهم على مدار الـ12 عامًا لم يكن هناك أي خطأ باختياراتي".
وانضمت مظهر لقائمة الصحفيين الذين يختارون اللاعب الأفضل في العالم لصالح صحيفة فرانس فوتبول كممثلة لمصر بدءًا من عام 2007؛ حيث كانت الجائزة من قبل مُقتصرة على اللاعبين الذين ينشطون في أوروبا ثمّ الصحفيين العاملين هناك قبل أن يتم توسيع نطاق المشاركين بها.
فوز مودريتش فضيحة!
التونسي ظفر الله المؤذن، مراسل فرانس فوتبول بالشرق الأوسط يُشارك في عملية التصويت منذ 2005، ووصف حصول مودريتش على جائزة هذا العام خلال تواجده باستديو بي إن سبورتس بـ"الفضيحة".
وقال المؤذن ليلا كورة: "قلت ذلك لأن المصوتين لم يتيقظوا لضرورة أن يكون منح النقاط حسب الألقاب والإنجازات، فعلى سبيل المثال منحت إيناس مظهر مراسلة مصر ست نقاط لمحمد صلاح وكان التصويت بالعاطفة فرغم أنه لاعب كبير جدًا إلا إنه لم يُحقق أي لقب".
وأضاف مراسل فرانس فوتبول في الشرق الأوسك:"التصويت للاعب الذي حقق الألقاب، وليس الموهبة فلو كانت للموهبة فقط كان التصويت لميسي أو رونالدو وغيرهم، ولكن جريزمان كان أفضل لاعب شارك بكأس العالم ويوروبا ليج والسوبر الأوروبي، وسجل 4 أهداف عكس مودريتش الذي توّج بلقب واحد وسجل ثلاثة أهداف في الموسم".
ولمحاولة معرفة الآلية التي توصي مجلة فرانس فوتبول محرريها باتباعها في وضع ترشيحاتهم، تواصلنا مرة أخرى من :باسكال فييري"، مدير صحيفة فرانس فوتبول إلا أنه تجاهل رسالتنا.
هل تؤثر الأخطاء على النتيجة النهائية؟
بعد اعتراف فرانس فوتبول بالخطأ في حساب تصويت ممثل تريندباد وتوباجو، وتأكيد عبدول استخدام شخص مجهول لاسمه، يطرح سؤال مهم نفسه، هل يؤثر الخطآن على النتيجة النهائية وترتيب الفائزين بالجائزة أم لا؟
واحتل مودريتش المركز الأول بعدما جمع 753 نقطة، بينما حلّ رونالدو وصيفًا بـ 478 نقطة، ونال جريزمان 414 نقطة مقابل 347 لمواطنه مبابي، وحصل ميسي على 280 نقطة، فيما حصل صلاح على 180 نقطة في المركز السادس، وجاء فاران في المركز السابع بـ121 صوتا.
وبإعادة حساب عدد الأصوات التي كانت من المفترض أن تُمنح بناءً على ترشيحات لاسانا ليبورد، صحفي ترينداد وتوباجو نجد أن ميسي حل في التصويت الفعلي في المركز الأول، أي أنه يستحق 6 نقاط وليس أخيرًا بنقطة واحدة، أي أنه كان من المفترض أن يزيد مجموع نقاطه 5 نقاط ليصبح 285.
وحل مورديتش ثانيًا وليس رابعًا أي سيحصل على 4 نقاط وليس نقطتين ومن ثم كان من المفترض أن يكون نقاطه 755 وليس 753.
بينما تواجد رونالدو ثالثًا كما هو أي أنه لن يتغير موقفه، فيما يأتي صلاح في المركز الرابع وليس الثاني أي أنه يستحق نقطتين وليس أربع أي كان من المفترض أن يكون مجموع نقاطه 178، بينما سيكون جريزمان أخيرًا بنقطة واحدة وليس 6 نقاط كما احتسبت مجلة فرانس فوتبول أي أن مجموع نقاطه كان لابد أن يكون 410.
ومع بطلان ترشيح صحافي جزر القمر لـ "عدم التأكد من هويته"، والذي جاءت ترشيحاته كالتالي:":مبابي، مودريتش، كريستيانو رونالدو، هازارد، محمد صلاح"، فسيتم حذف 6 نقاط من رصيد مبابي، و4 من رصيد مودريتش، و3 نقاط من كريستيانو رونالدو، ونقطتين من هازارد، ونقطة من صلاح.
تأثير الأخطاء على نتيجة جائزة الكرة الذهبية
ورغم خسارة بعض اللاعبين نقاط وصلت لـ6 نقاط، وزيادة آخرين بما وصل لـ5 نقاط، إلا أن ترتيب اللاعبين لن يتأثر بسبب الفارق الكبير في النتائج. إلا أن التلاعب في تصويت لاعب تريندباد وتوباجو ووجود "مصوت شبح" مزيف، تمثل أخطاء قاتلة تطعن في نزاهة جائزة "الكرة الذهبية".
فيديو قد يعجبك: