الجماهير تُخلّد سيرة اللاعبين الراحلين.. كرة القدم ليست مجرد لعبة (تقرير)
كتبت- شروق غنيم:
لحظة توقفت فيها نبض لاعبيين، غيّبهم الموت لكنهم لم يغيبوا عن الحياة، ظّلت أسماؤهم تُردد في حناجر الجماهير، صورهم رُفعِت في ذكرى تلو الأخرى، لهم فلسفة خاصة، لا يهم المدة التي لعب فيها اللاعب لصالح فريقهم، يكفي أنه مات يرتدي الفانلة الخاصة به.
كان آخرهم قائد الفريق الإيطالي فيورنتينا ديفيد أستوري، ودعه آلاف من المشجعين، حضروا الجنازة، ارتدوا تيشيرت اللاعب الراحل، قرروا أن تكون آخر لحظة له هنا أسطورية، نفس المراسم اتبعها مشجعون سابقون حين رحل لاعبي فرقهم كما يناقش التقرير.
ديفيد أستوري.. رحلة سعيدة أيها القائد
في الحادي عشر من مارس الحالي؛ كانت مدينة فلورنسا الإيطالية مُصطبغة باللون الأرجواني؛ آلاف من المشجعين يملأون ستاد "أرتيميو فرانكي"، أجواء مختلفة عن أي مباراة سابقة لناديهم فيورنتينا، لأول مرة منذ عام 2015 يغيب عنها قائد الفريق ديفيد أستوري.
رحل أستوري في الرابع من مارس الحالي، لكن روحه لم تبرح الاستاد في ذاك اليوم، أطّل من المدرجات بالصور التي رفعها الجمهور "رحلة سعيدة أيها القائد" كتبها المشجعون، فيما ارتدى لاعبي فيورنتينا تيشيرت اللاعب صاحب رقم 13.
كان يتابع فريدريك مانسيل المشهد المهيب للجماهير، خيّم الصمت على المكان حين وقف لاعبي الفريقين دقيقة حداد على روح الراحل، لعب فيتور هوجو في نفس مركز اللاعب الراحل، مع حلول الواحدة ظهرًا سجّل هدفًا لفيورنتينا، رفع قميص يحمل صورة صديقه "لا توجد مصادفات، جاء الهدف في الساعة 13:00، نحن في فلورنسا نقول إن أستوري هو من سجل الهدف.. أستوري لا يزال معنا".
بدأت علاقة مانسيل بفيورنتينا حينما سافر إلى فلورنسا وهو صغير، رغم كونه هولندي الجنسية إلا أنه وقع في غرام النادي الإيطالي وأصبح مشجعًا مخلصًا له "لقد أحببت بالفعل فيورنتينا من كل قلبي، ولكن منذ وفاة دافيدي أستوري أصبحت جزءًا من عائلة، عائلة فيورنتينا" يقول الشاب الثلاثيني لمصراوي.
تمثل كرة القدم مكانة هامة في المدينة الإيطالية "المكان الذي يلتقي فيه أهل المكان هو الاستاد"، لذا كان قائد فريق فيورنتينا بالنسبة لهم ليس مجرد لاعب كرة "إنه فخر للمدينة بأكملها" يحكي فريدريك أن الأهالي اعتبروه ممثلًا للجيل الجديد في الكرة "لقد عاش في منتصف فلورنسا حتى يكون أقرب إلى شعبها".
في الرابع من مارس، كان فيورنتينا على موعد مباراة مع أودينس، حضر كل اللاعبين في الصباح لتناول الإفطار، لاعب واحد فقط لم يكن بينهم، قائدهم. في التاسعة ونصف صباحًا صعد أحدهم إلى غرفته، فتح الباب ووجد أستوري على سريره ميت. انهار كافة اللاعبين في البُكاء، بعضهم وقع أرضًا،كان مشهدًا صعبًا، فإنهم لم يفقدوا فقط قائد الفريق، بل صديقًا عزيزًا.
"هل سمعت ما جرى؟" كانت تتوالى الرسائل على هاتف فريدريك "أستوري رحل"، لم يستطع الشاب الثلاثيني التحدث لمدة ساعة "دائمًا نقول إن أفضل قطعة في الكعكة تؤكل أولًا"، لذا كان أستوري كما يعتقد الشاب الثلاثيني "من أفضل ما حدث للبشرية ليس لكرة القدم فقط"، حين استجمع قواه اشترى تيشيرت اللاعب وشموع أرجوانية اللون، أشعلها من أجل أستوري.
فيفيان فويه.. خالدًا في ذاكرة ثلاثة أندية
كانت مباراة منتخب الكاميرون ضد كولومبيا في نصف نهائي كأس العالم للقارات تسير باعتيادية، لكن حين حّلت الدقيقة 72 كانت الأنظار مشدوهة تجاه اللاعب رقم 17. توقف عن العدو فجأة، سقط أرضًا، تحلّق حوله اللاعبين، صمت حذر في المدرجات، محاولات لإنعاش قلب مارك فيفيان فويه صاحب الـ28 عامًا، لكنه توقف وسط صدمة من اللاعبين والجماهير.
حاول لاعبو الكاميرون التغلب على ما حدث، خرجوا في المباراة النهائية بين الكاميرون وفرنسا بصورة ضخمة لصديقهم الراحل، انتهت المباراة بفوز فرنسا، لكن قائدهم حين هّم بحمل كأس البطولة اصطحب قائد الكاميرون معه وبصحبته صورة فويه.
وقتها كان اللاعب العشريني مُعارًا من الفريق الأسباني ليون إلى الإنجليزي مانشيستر سيتي، كرمه الفريقان، كذلك ويست هام يونايتد رغم أنه كان تركه منذ سنوات. بعدما مرّت عشر سنوات على وفاة فويه، كان حاضرًا في المدرجات، رفعت الجماهير صورته في إبريل من عام 2013 في المباراة التي أقيمت بين مانشيستر سيتي وويست هام يونايتد.
محمد عبدالوهاب.. الرحيل مُبكرًا
منذ عام 1982 تابع الناقد الرياضي عادل كُرّيم عالم كرة القدم، شاهد سقوط لاعبين في الملعب وموتهم، لكن أول مرة يتعاطى مع ذلك شخصيًا كان في عام 2006، حين توفى لاعب النادي الأهلي محمد عبدالوهاب.
لم يكن عبدالوهاب قد لعب للأهلي سوى موسمًا واحدًا "بس أثّر في الجمهور جدًا"، وقتها كان يمتلك كُرّيم تيشيرت للنادي الأهلي بدون رقم "روحت طبعت عليه رقم 3 عشان عبدالوهاب، وبقيت أحضر بيه باقي الماتشات واتفائل بيه".
لعبدالوهاب حضورًا طاغيًا في وسط جمهور القلعة الحمراء "أول ماتش لعب فيه الأهلي الصفاقسي التونسي في البطولة أفريقيا، اترفعت صورته، حتى في النهائي اتاخدت الصورة لتونس واللاعيبة وقفوا عندها وقرأوا الفاتحة".
أنطونيو بيرته.. الإسباني يحتضر على الهواء
في البدء ظنوا أنها وعكة وستمر حين وقع لاعب إشبيلية الإسباني أنطونيو بيرته في الملعب عام 2007، تمالك نفسه وخرج على أقدامه من الملعب، كانت غلطة، كان عليه الخروج مُحمولًا على ناقلة حتى لا يبذل جهدًا مُضاعفًا، لكن هذا المشهد هو الأخير الذي سيراه جمهور النادي عليه.
حجبت إشبيلية رقم اللاعب، قررت ألا يرتديه سوى ابنه حينما يكبر، لكن القوانين الصارمة للاتحاد الإسباني لم تشأ للفكرة أن تستمر.
دانيال خاركيه.. الحضور على قمصان الأصدقاء
كانت لحظة جنونية حين أحرز إنييستا هدف فوز منتخبه الإسباني في شباك هولندا، منح بلاده أول لقب لكأس العالم عام 2010، لكنه حين قرر الاحتفال باللحظة الأهم في حياته، خلع قميصه لتظهر عبارات الرثاء لصديقه اللاعب الراحل خاركيه، الذي توفى عام 2009 مع فريقه الإسباني إسبانيول.
موت جماعي للاعبين.. لم تنُهِ تواجد الفريق
لاتزال تفاصيل تحطم طائرة منتخب زامبيا عام 1993 عالقة في ذهن الصحفي الرياضي أحمد فاروق، كان صغيرًا لكنه لم ينسَ أبدًا حين رأى استخراج متعلقات الفريق مثل الأحذية والأوراق الثبوتية، حين عمل صحفي رياضي وكتب مادة توثيقية عن الحدث "دماغي رجعت 25 سنة لورا".
كذلك حين يقرأ مادة صحفية عن اللاعب محمد عبدالوهاب "بفتكر موقف ابن خالتي الصغير اللي كان بيحبه جدًا ومكنتش عارف إزاي ممكن أبلغه خبر زي ده"، بالنسبة لفاروق فإن الأندية لها دورًا هامًا في تخليد ذكرى اللاعبين الراحلين "وأحيانًا بيبقى أكبر من الجماهير.. زي إنهم يعملو تمثال، يحجبو رقم اللاعب".
الموت بقميص النادي.. كالجندي المُقاتل في الحرب
يشرح كُريم طبيعة علاقة الجماهير باللاعبين حتى وإن لم تطول مدة بقائهم مع النادي "المشجعين بيشوفوا اللاعب اللي بيموت بتيشيرت زي العسكري اللي بيحارب عشان أرضه"، لم يكن فويه باللاعب المشهور في فريقه الفرنسي أو الإنجليزي كما يوضح الناقد الرياضي، كذلك عبدالوهاب لم يكن "مش زي أبو تريكة أو بركات وقتها"، لكن حين رحلوا "اسمهم بيفضل يتذكر حتى بعد مرور السنين.. لما بيحصل استفتاء مين أفضل باك ليفت الجماهير بتختار محمد عبدالوهاب.. بيخلدوا ذكرى اللاعب فنيًا حتى".
فيديو قد يعجبك: