"أنا اسمي محمد علي" - (بروفايل)
كتب - أحمد جمعة:
وقف يتراقص على خشبات حلبة "ماديسون سكوير جاردن"، يستعرض مهاراته "الاستثنائية" في دحر خصومه في الأوقات المحددة سلفًا، يظل على حالته، يترك مساحة للنزال يأخذ مجراه، لكنه يأتي عند الموعد المُختار بعناية ويطلق عقله الإشارات، التي تتلقفها يداه ويلقي كلمة الفصل بـ"اللكمة القاضية" فيطرحه أرضًا ويضيف انتصارًا جديدًا إلى رصيده البالغ 56 فوزًا بينهم 37 مباراة بالضربة القاضية.
هائمون من فرط الإعجاب، يقف جمهور الملاكم الأمريكي محمد علي كلاي، ينتظرون تلك اللحظة التي يرفع فيها حكم النزل فوزه بالمباراة، يصفقون بحارة، يشدون بعبارات الإعجاب التي طالما تغنوا بها مع بطلهم الذي لم يتجرع مرارة الهزيمة حتى عام 1967، كان قد حصد قبلها بطولة العالم للوزن الثقيل على حساب الملاكم سوني ليستون في فبراير1964، ومن ثم أعلن "كاسياس كلاي" اعتناقه الإسلام في اليوم التالي مباشرة.
رغم انتصارات "محمد علي" ، إلا أنه ظل مرابطًا على مبادئه كالممسك بالجمر، تحوّله إلى الإسلام لم يمنعه من مواجهة أعتى سلطة في العالم، قرر طوعًا "النزال" من جديد في "حلبة" واسعة المدي، مجهولة النتائج، ليس أمامه جمهوره الذي يدعمه، مارست الولايات المتحدة أقصى ما تفعله تجاهه، بعدما رفض الانضمام للجيش الأمريكي في حربها ضد فيتنام، قالها لهم إن "دينه يمنعه من قتال الأبرياء"، لكنهم ردوا بأسوء منها؛ جردوه من لقبه العالمي الأولى، ومنعوه من خوض أية مباراة في أمريكا ومن السفر خارجها.
كان "محمد علي" يُدرك أنه حتمًا سينتصر في نهاية المطاف، خسر جولات لكن تتبقى له "الضربة القاضية" التي ينهي بها أغلب مواجهاته، الخير سيأتي حتمًا كعادة أفلام فترة الستينات تلك التي ينجو "البطل" في النهاية، ظل كلاي بعيدًا عن عالمه الروحي لمدة 3 سنوات ونصف إلى أن أصدرت المحكمة العليا حكمًا في 1970 باستعادة رخصة مزاولة هوايته من جديد.
عاد الزعيم الروحي لملايين "السود" إلى الاستعراض من جديد، يحمل نفسه ما لا تُطاق من أعباء التدريب، إلا أنه ظل متطلعًا إلى هدفه الأسمى "اللقب العالمي"، يرفض الاستسلام، يؤمن بمقولته الخالدة كما يؤمن بديانته: "ابذل جهدًا الآن ثم عِش بطلاً باقي حياتك". واجه "علي" منافسه اللدود جورج فورمان عام 1974 وتمكن من استعادة عرشه من جديد، ليفوز بالحسنيين؛ "المبادئ واللقب".
"أنا محمد علي"
اتخذ "محمد علي" من الملاكمة بابًا لتحقيق تطلعاته في الحرية لثلاثين مليون أسود حول العالم، بدأ بنفسه في استنشاق نسماتها العطرة حين نافس الملاكم إيرني تيريل الذي حاول استفزازه مرة تلو الآخرى بالنداء باسمه القديم "كاسياس"، بدا "محمد علي" مشتاطًا مما يقوله خصمه، ظل يحبس الأنفاس حتى أطلق الحكم صافرة البداية ومعها أطلق "علي" قبضته على وجه "تيريل" يمينًا ويسارًا على غير عادته، شحنات الغضب لم تمنح عقله التفكير وهو يبرحه لكمًا "ما أسمي؟ .. ما أسمي؟ .. ما أسمي؟".
لم يصمد خصمه أمام تلك الضربات المتتابعة و"العميقة"، الجولة الثالثة حُسمت لصالح "علي"، لكنه قبل ذلك صاح في وجهه: "هل تعلم ما أسمي؟ أنا محمد علي وفخور بذلك".
الأبطال لا يصنعون في الحلبات
في داخل "محمد علي" رغبته وحلمه رؤيته التي لا يحيد عنها، باعتقاده أن "الأبطال لا يصنعون في الحلبات، بل الأبطال يصنعون من شيء عميق في داخلهم"، لذا حارب ليُجمل حياة طائفته، يجدد عهده معهم: "سوف أقاتل من أجل وضعنا الاجتماعي، ليس لصالحي الشخصي بل للارتقاء بإخوتي الذين ينامون على الأرضيات الخرسانية اليوم في الولايات المتحدة. فالسود هم أولئك الناس الذين يعيشون على الإعانات الاجتماعية، والذين لا يجدون قوت يومهم، والذين لم يتلقو أي تعليم، والذين ليس لديهم مستقبل".
الاستعراض الأخيرة
إيمان "علي" لم يزعزعه وهو يستقبل أنباء إصابته بمرض "الشلل الرعاش"، يقول إن هذه هيّ الطريقة التي يستخدمها الرب ليعلمه ما هو الأهم، قبل أن يغيبه الموت فجر الجمعة عن عمر ناهز 74 عامًا، وانطلق معه رثاء عالمي على "أسطورة لا تغيب".
فيديو قد يعجبك: