من كأس أفريقيا 1959.. مشاهد من الشارع المصري أيام البطولات على لسان الكبار
كتبت - نانيس البيلي:
لم يكن "سيد عاشور" أكمل عامه العاشر؛ حينما حصلت مصر، التي كانت تعرف باسم "الجمهورية العربية المتحدة" وقت الوحدة مع سوريا، على شرف تنظيم كأس الأمم الأفريقية للمرة الأولى فى النسخة الثانية للبطولة، اتخذ قراره بمؤازرة المنتخب الوطني داخل الاستاد، فكُرة القدم قد شغفته حبًا منذ سنوات عمره الأولى؛ لذا لن يفوت تلك الفرصة المُمتعة، في مدرجات استاد القاهرة الدولي؛ جلس الطفل "سيد" مع أصدقائه؛ تعلو حنجرتهم بتشجيع الفراعنة "وكان منهم فلسطينين ساكنين عندنا في المنطقة".
بعد 3 مباريات؛ حصدت مصر اللقب عقب فوزها على السودان وأثيوبيا (أعضاء الاتحاد والبطولة الأفريقية آنذاك)، يتذكر صاحب الـ68 عام حاليًا كيف كان قلبه يخفق بقوة، يشتعل الحماس في نفسه مع كل هدف للفراعنة، يثمن الفوز لهدافي البطولة "محمود الجوهري، ميمي الشربيني، عصام بهيج"، لكنه لا ينسى آداء لاعبيه المفضلين "صالح سليم وعلاء الحامولي": "دول بلدياتي من المنوفية" يقولها ضاحكًا.
ثمة سببًا رئيسيًا؛ أكسب البطولة مذاقًا خاصًا في نفس "سيد"، فمصر لم تكن فقط منتخبًا مشاركًا بها؛ لكنها كانت من بين الدول المؤسسة "كنا سعداء لأننا نرى الوليد بيكبر قدامنا، حسينا إن البطولة ابننا اللي عملناه" يطلقها بحماس. فيما لم يتسلحوا بأي أدوات للتشجيع كالأعلام وتيشرتات المنتخب، فهي بحسب قوله لم تكن موجودة حتى سنوات قليلة ماضية، فقط كانوا يحملون أنفسهم وشغف قلوبهم "كنا بنروح من أجل المشاهدة والتمتع بالكرة، عشان كده معملناش حاجة تكسبنا مظاهر".
نفس الأمر؛ يذكره محمود أبو رجيلة، أسطورة الزمالك وكرة القدم المصرية، فيشير إلى بساطة أجواء التشجيع؛ خاصة خلال أول ثلاث بطولات أفريقية تستضيفها مصر؛ حيث انتشر عزف الموسيقى والطبول والخيول والفنون الشعبية "حاجات الناس فهماها وعارفاها، بتحرك الجماهير واللعيبة في الملعب"، فيما يستنكر اللاعب المخضرم - صاحب الـ78 عام - رواج وسائل تشجيعية حديثًا تسبب إزعاجًا مثل الشماريخ والفوفوزيلا "دي حاجات جديدة علينا، وجايالنا من دول تانية".
وأعلن الكاف، في 8 يناير الجاري، عن فوز مصر بشرف تنظيم بطولة أمم إفريقيا 2019 بعد منافسة مع جنوب إفريقيا، حيث تقدما لتنظيم البطولة عقب سحب التنظيم من الكاميرون لعدم جاهزية الملاعب. وتعد تلك المرة الأولى التي تقام فيها كأس الأمم الإفريقية بمشاركة 24 منتخبًا.
الأغاني كانت ملمحًا مميزاً في أوقات بطولات كأس الأمم، كما يقول "أبو رجيلة"، كان يجهزها أشهر المطربين، لتذاع قبل وأثناء مباريات البطولة "حاجات حماسية تشجع اللاعيبة وتحفزهم"، بدءً من أغنية "أفريقيا" لعمرو دياب؛ حيث غناها بأكثر من لغة في افتتاحية بطولة عام 1986، وأغنية "كلنا إنسان" لسميرة سعيد، وهي الأغنية الرسمية لبطولة عام 2006؛ بعد غياب مصر عن تنظيم البطولة 20 عامًا، بجانب بعض الأغنيات التي أطلقت خصيصًا بعد فوز المنتخب المصري، منها "والله وعملوها الرجالة" لحمادة هلال و"أنت مصري" لنانسي عجرم.
بعمر الـ15 عام؛ كان الصبي "محمد يوسف" وقت بطولة كأس الأمم الأفريقية التي استضافتها مصر عام 1974، فرصة مُمتعة، أُتيحت أمام الصغير في منطقة سكنه بشبرا؛ جاور إثنين من عشاق الساحرة المستديرة اللذان أصبحا فيما بعد من نجوم كرة القدم المصرية؛ هما "طاهر أبو زيد" وزير الرياضة الأسبق و"أحمد عفت" المعلق الرياضي الشهير "بتاع لازمة يا سلاااام" يقولها ضاحكًا.
داخل شقة "عفت"؛ اعتاد "يوسف" وأصدقائه التجمع لمشاهدة مباريات كأس أفريقيا، فيتحقق لهم مزيداً من الإثارة والتشويق، وبخلاف ذلك "كنا بنشوف مين عنده تليفزيون ونتلم في بيته"؛ فاقتناء تلفاز في تلك الفترة كانت رفاهية يملكها القليل، نفس الحذو اتخذه باقي سكان شبرا والمناطق المجاورة بحسب "يوسف": "ممكن تلاقي 3 أو 4 بيوت يتلموا في شقة واحدة".
في أوائل الستينات؛ اشترت أسرة "سيد" التليفزيون في بداية دخوله للبيوت المصرية "كنا من أوائل الناس اللي جبناه في الشارع"، قبلها اعتاد على مشاهدة البطولة الأفريقية (عام 1959) داخل الاستاد، لكن بعد امتلاكهم ذلك الجهاز حديث العهد آنذاك؛ أصبح الجيران ضيوف دائمين لديهم في أوقات كأس أفريقيا وباقي مباريات الفرق المحلية؛ لم يكن اختيارهم لمنزل "سيد" لتفردهم من بين قلة باقتناء التلفاز؛ لكن كذلك "عشان كنت بروح أنا وأخويا نتفرج على تدريبات المنتخب، فكنا بنبقى عارفين التشكيل ومين اللعيبة اللي هتنزل".
بعدها؛ تناوب - ابن منطقة الظاهر - على مشاهدة المباريات ما بين التلفاز بالمنزل محبة ورسعيًا لإرضاء جيرانه، وبين الذهاب إلى الملعب "وكنت بدي للجيران تنبيه قبلها وبقولهم يا جماعة أنا رايح الاستاد"؛ فكانوا يتفرقون في ذلك اليوم ولا يذهبون إلى بيته "هما التيمة بتاعتهم وجودي أنا مش التليفزيون بس، لأني كنت بشجع بجو حماسي فيه قلق فده بيخبوه".
"كرة القدم اللي من غير جمهور، زي الأكل اللي من غير ملح" يصف "أبو رجيلة" المشجعين، فالجمهور المصري ذواق وعاشق لكرة القدم، ويرى المدرب المخضرم أن عودة الجامهير طوال مباريات البطولة أمر هام جداً، وستستفيد الكرة المصرية منها في عودتها بعد ذلك؛ لكنه في الوقت نفسه يلفت النظر لضرورة إجراء تجارب من الآن وإدخال الجماهير إلى الملاعب في المباريات الودية "ونديلهم ثقة ولازم هما يكونوا عند حسن الظن ويعرفوا إن مصلحة مصر مهمة جداً".
لا ينسى "سيد" دعوات والدته خلال أيام بطولات الأمم الأفريقية التي استضافتها مصر؛ كانت تُشفق على صغارها ولجوءهم لهجر الاستذكار حال إخفاق الفريق الوطني "فكانت تقول والنبي يارب المنخب يكسب عشان العيال يذاكروا"، لاحقًا أصبح الجد يكتفي بمشاهدة مباريات مصر فقط من داخل الاستاد؛ فيما يتابع باقي مباريات الفرق الآخرى داخل منزله؛ يحيط به أبنائه الخمسة وأزواجهم وأحفاده "وبيقعدوا يقروا الفاتحة لمنتخب مصر".
لـ3 مرات؛ ابتسمت الأرض لأصحابها، تُوجت مصر بالكأس في جميع بطولات الأمم الأفريقة التي استضافتها؛ عدا بطولة العام 1974 حيث فازت بها زائير (الكونغو حاليًا)، لا يغيب عن عقل "سيد" الأجواء الاحتفالية التي كانت تجتاح الشوارع بعد اقتناص الفراعنة للقب "الماتش يخلص وكسبنا، تبصي تلاقي زي ما يكون فيه فرح، عربيات تزمر واللي يركبوا نص نقل يلفوا يهيصوا، كانت الناس بتبات في الشوارع للصبح".
في الشوارع المصرية؛ كان مشجعوا المنتخبات الأفريقية المشاركة ينتشرون خلال أيام البطولة، يذكر "فهمي" أنهم كانوا يجلسون على المقاهي والكافيهات ويتبادلون الأحاديث الودية مع المصريين "كانت فترة جميلة وكويسة جداً لمصر"، ويقول "أبو رجيلة" إن بعض المشجعين كانوا يصاحبون فرقهم العربية في الطائرات "وأتوقع إنهم هيعملوا أجواء في البطولة الجاية وهتكون مهرجان عالمي زي المعارض".
في البطولة المقبلة؛ سيتبع "سيد" ذات الطقوس، يتمنى الجد الستيني أن يجلس الفراعنة علي عرش القارة السمراء ويتوج باللقب للمرة الثامنة في تاريخة "وهتبقى فرصة لمحمد صلاح إنه ياخد جايزة أحسن لاعب في أفريقيا للمرة الثالثة"، بينما سيشاهد "فهمي" جميع المباريات في مكان عمله لضيق وقته، أما الكابتن "أبو رجيلة" يحذر من التهاون في اللعب أمام أي منتخب "طالما فيه ملعب متقدريش تستهيني بأي فرقة".
فيديو قد يعجبك: