تعافي ظاهري.. كيف تهدد "متلازمة ما بعد كورونا" حياة لاعبي كرة القدم في مصر (تحقيق)
فجأة سقط اللاعب أحمد عادل الشهير بـ"ميسي" مُغشياً عليه؛ بالممر المؤدي إلى غرفة تغيير الملابس باستاد برج العرب، عقب انتهاء مباراة فريقه "المصري البورسعيدي" أمام نظيرة "أف سي مصر" أواخر أغسطس الماضي، وفشلت محاولات زملائه في إسعافه وإفاقته من غيبوبته، لتنقله سيارة الإسعاف إلى المستشفى.
المباراة التي أُقيمت ضمن منافسات الجولة 22 من الدوري الممتاز لكرة القدم، الذي عاد بعد انقطاع قرابة الخمسة أشهر، وكانت المباراة الأولى للاعب النادي المصري بعد يومين من ظهور سلبية مسحة PCR التي أجريت له، حيث أخبره الطاقم الطبي صباح يوم الإثنين 24 أغسطس الماضي بتعافيه من الإصابة بفيروس "كوفيد19"، وتلقى اللاعب التهنئة من المدير الفني للفريق أنذاك طارق العشري، الذي طالبه بحضور التدريببات في اليوم التالي، لاحتمالية مشاركته في المباراة القادمة؛ لتعويض نقص اللاعبين بالفريق، بسبب إصابة 20 لاعباً بكورونا.
وبالفعل لعب "ميسي" مع فريقة آخر 10 دقائق في المباراة، التي أُقميت يوم الأربعاء 26 أغسطس المنصرم،- بعد يومين من ظهور سلبية المسحة التي أجريت له- وكانت مشاركته في المباراة سبب في سقوطة مُغشيا عليه،بحسب قول اللاعب لمصراوي.
يبرر المدير الفني طارق العشري الاستعانة والدفع باللاعب أحمد عادل "ميسي" بعد يومين من تحول عينته من إيجابية إلى سلبية، بأن اللجنة الطبية بالاتحاد لم تمنع أو تُصدر تعليمات بمنع أي لاعب من المشاركة في التدريبات أو المباريات بعد سلبية نتائج المسحة التي تُجري له،مضيفا: "لا أمتلك العدد الكافٍ من اللاعبين لإراحة المصابين بل استعين بالناشئين".
أحمد عادل لاعب النادي المصري البورسعيد واحد من ضمن قرابة 72 لاعباً بأندية الدوري الممتاز أصيبوا بـ"كورونا"، وتعرض عدد منهم لما يُسمى بـ"متلازمة ما بعد الإصابة الفيروسية"، التي تُصيب المتعافين من كورونا، بسبب عدم التعافي الكامل من الإصابة واكتفاء مسؤولي الفرق الفنية والطبية بظهور سلبية مسحة كورونا لعودتهم إلى ممارسة نشاطهم الرياضي المعتاد، مما تسبب في انتكاسات مرضية لبعضهم،وهو ما يوثقه ويرصده هذا التحقيق في السطور التالية.
أوائل أغسطس الماضي، عاد نشاط الدوري الممتاز، ضمن خطة التعايش مع الوباء التي بدأت الحكومة في تنفيذها منتصف يوليو الماضي، بعد التوقف في منتصف مارس ضمن الإجراءات الإحترازية لمواجهة تفشي جائحة كورونا، فريق المصري والذي يضم اللاعب أحمد عادل أحد 18 ناديًا، يضموا مئات اللاعبين المحترفين الذين يشاركون في مباريات الدوري الممتاز التي استأنفت مؤخرا.
واقعة اللاعب أحمد عادل لم تكن الحالة الأولى أو الوحيدة التي يشهدها الدوري أو ناديه على مدار الشهرين الماضيين، وفقا لطبيب النادي المصري شادي السعدني، الذي ترك منصبه في 31 من أغسطس الماضي، حيث يؤكد في حديثه لمصراوي أن عدد من لاعبي فريقه الذين تحولت عينتهم من الإيجابية إلى السلبية كانوا يشعرون بالدوار خلال التدريبات وقبل المباريات: "منهم أحمد شوشة الذي كان يشتكي خلال تدريبات وعمليات التسخين في إحدى المباريات وأخبر طارق العشري المدير الفني للفريق حينها، وأوقفه عن المشاركة في المباراة، وكذلك تعرض كريم العراقي لاعب الفريق أيضاً للإغماء في المباراة التي سبقت مباراة (أف سي مصر) التي تعرض بعدها لاعب أحمد عادل الشهير بـ"ميسي" للإغماء ـ وجميعهم أُصيبوا بكورونا".
شادي السعدني الذي كان يعتبر المسؤول الأول عن تحديد الحالة الصحية للاعبين، برر عدم مراعاة الحالة الصحية للاعب أحمد عادل وغيره من اللاعبين، بوجود مباريات متلاحقة في ظل معاناة الفريق من غياب عدد كبير من لاعبيه، بسبب الإصابة سواء العضلية أو بفيروس كورونا، بالإضافة لتواجد لاعب خارج البلاد، فكان يستعين بهم المدير الفني طارق العشري، كبدلاء.
يقول السعدني: "كنا نعالج اللاعبين بالفيتامينات والزنك وبعض الأدوية التي تقوي المناعة"، فيرى طبيب الفريق أن ما حدث مع اللاعبين يُعرف طبياً باسم "متلازمة الإرهاق المزمن" وقد تظل فترة بعد التعافي من فيروس كورونا المُستجد كوفيد_19 لكن ليس مع كل المصابين.
التعافي الكامل، وليس التحسن العارض لصحة المصاب بفيروس "كوفيد-19"، يعتبر شرط أساسي لعودة المتعافين لممارسة أنشطة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، التي تؤكد أن الطبيب المعالج هو الوحيد القادر على تحديد حالة المصاب، وإذا كان تعافى تماماً أم لا، ويكون ذلك بناء على فحص دقيق يعتمد على العديد من التحاليل الطبية والأشعات المعملية.
اللاعب أحمد عادل "ميسي" استعاد وعيه، بعد تدخل الأطباء بالمستشفى التي نُقل إليها بسيارة الإسعاف، وخضع بعدها لفحص طبي شامل، وأخبره الطبيب المُعالج بأن سبب الإغماء عليه؛ حدوث هبوط في الدورة الدموية،طالباً منه الخضوع للراحة تماماً وعزل نفسة لمدة 15 يوماً، كما يروي اللاعب صاحب 22 عاما.
لا يعني تحويل عينة الشخص المصاب بـ"كوفيد 19" من إيجابية إلى سلبية ليكون تعافي من الفيروس الذي يصنف كجائحة عالمية، بحسب الدكتورة جيهان العسال، نائب رئيس اللجنة العلمية المصرية لمكافحة فيروس كورونا المستجّد، فتوضح خلال حديثها لمصراوي أن المُصاب الذي تظهر التحاليل سلبية المسحة التي تجرى له، يحتاج بعدها لفترة للتعافي مما يسمى بـ"متلازمة ما بعد كورونا" التي قد يُعاني الشخص المتعافي حديثاً منها، فتظهر أعراضها مع أي مجهود يبذله؛ ومنها الشعور بالإعياء وضيق التنفس، وتقول "العسال" المتخصصة في الأمراض الصدرية وتعمل أستاذ بجامعة عين شمس، أن هذه الأعراض نسبية و تختلف من شخص لآخر، وقد تمتد لأسابيع لدى أحد المتعافين وتختلف مقاييسها من متعافِ لآخر".
التسرع في استئناف ممارسة الأنشطة الحياتية بما في ذلك النشاط الرياضي قبل اكتمال التعافي قد يسبب انتكاسة صحية للمٌصاب ومن الممكن أن تؤثر على سرعة تعافيه، كما يقول استشاري الأوبئة بمنظمة الصحة العالمية أمجد الخولي، لمصراوي، بينما تحذر نائب رئيس اللجنة العلمية المصرية لمكافحة فيروس كورونا المستجّد،الدكتورة جهيان العسال من خطورة إغفال "متلازمة ما بعد كورونا"، مؤكدة أن المضاعفات قد تسبب تجلط بالدم.
ما حذرت منه "العسال"حدث بمستشفي العزل في بمدنية بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، المخصص لاستقبال المصابين بـ"كوفيد-19"من أبناء العزب والقري التابعة لمركز بلطيم، فذكر الدكتور كريم محمد ماحدث مع أحد الحالات، في حديثه لمصراوي:"كانت سيدة أربعنية بالعناية المركزة بالمستشفي الحكومي، تحسنت حالتها الصحية وجاءت نتيجة مسحة الـPCR التي أجريت لها سلبية، وغادرت المستشفي، وعرفنا بعد ذلك بحدوث مضاعفات لها، وتوقفت عضلة القلب قبل وصولها إلى المستشفى".
ويقول الطيب المتخصص في أمرض الصدر إن هناك حالات أخرى تعرضت للجلطات في الأوردة، خاصة بالشريان الرئوي، مؤكداً وجود حالات عانت من "متلازمة ما بعد كورونا" بالمستشفي، لكنها كانت قليلة مقارنة بالمصابين بالفيروس.
ويقصد بالتعافي من الإصابة بفيروس "كوفيد19"، انتهاء كافة الأعراض وعودة أجهزة الجسم إلى أداء وظائفها بشكل طبيعي تماماً، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وعقب أمجد الخولي استشاري الوبائيات بمنظمة الصحة العالمية، بأن تحول عينة الشخص من إيجابية لسلبية لا يعني تعافيه بشكل كامل، موضحا أن "كوفيد- 19" ضمن الإصابات الفيروسية، وإذا استمر قصور أو ضيق التنفس حتى لو بنسبة بسيطة أو محدودة، فهذا معناه أن الشخص لم يتعافٍ بعد، وتُشخص حالته بما يعرف بـ"متلازمة مابعد الإصابة الفيروسية": "قد يحدث هذا لكثير من الإصابات الفيروسية، لكن هناك فروق فردية تؤثر على سرعة تعافي الأشخاص".
عاد لاعب النادي المصري أحمد عادل "ميسي" إلى الملعب مجدداً بعد مرور 10 أيام، ولم يستكمل 15 يوماً ـ مدة الراحة التي حددها له الطبيب بالمنزل، وشارك مع فريقه في التدريبات والمباريات، ويقول اللاعب الشهير بـ "ميسي" :"كنت أفضل صحياً مما قبل".
ويعترف المدير الفني لفريق المصري طارق العشري، بأن ما حدث مع أحمد عادل "ميسي" ليس الحالة الأولي أو الوحيدة بالفريق، ولم تعترض اللجنة الطبية بالاتحاد على مشاركة أي لاعب، رغم معرفتها بأنهم لم يخضعوا لأى فحص سواء مسحة PCR التي جاءت نتيجتها سلبية، وفقا للعشري.
وأرجع مصدر باللجنة الطبية بالاتحاد سبب عودة أحمد عادل "ميسي" للتدريبات قبل انتهاء 14 يوماً التى أوصى بها الطبيب، إلى تحسن حالته الصحية وحاجة الفريق إلى مشاركته.
معاناة فريق المصري ـ الذي ضم 20 مُصاباً بالفيروس ـ مما سُميّ بـ "متلازمة ما بعد كورونا" لم تكن الوحيدة، فهناك لاعبين من أندية أخرى بالدوري الممتاز عانوا صحياً من عودتهم للمشاركة في المباريات بعد تحول عيناتهم من إيجابية إلى سلبية، منهم فريق الإنتاج الحربي الذي أُصيب عدد من لاعبيه بفيروس كورونا المُستجد "كوفيد_19"، بعد دخول الفريق في معسكر مغلق عند استئناف الدوري، قبل أن يخوض أولى مبارياته يوم 14 أغسطس.
محمد سلطان، مدير اللجنة الطبية باتحاد الكرة، أعلن في 21 يوليو الماضي، عن ظهور 18 حالة إيجابية مُصابة بفيروس كورونا المُستجد كوفيد_19 في نادي الإنتاج الحربي، قسمها رئيس النادي إلى 15 لاعباً و3 من أعضاء الجهاز الفني على رأسهم المدير الفني مختار مختار.
يحكي خالد مهدى مدير الكرة بنادي الإنتاج الحربي تفاصيل ماحدث، لمصراوي/ قائلا:"نعم كان هناك لاعبين بالفريق يعانون من ضيق التنفس والدوار ولم يكونوا في كامل صحتهم، خاصة في أول 4 مباريات بالدوري فلم نشارك في مباريات ودية قبل استكمال النشاط بسبب ذلك"، مشيرًا إلى أن الجهاز الفني كان مضطراً لإراحة بعض اللاعبين في المباريات الرسمية وعدم البدء بآخرين كأساسيين؛ لشعورهم بالإرهاق: "التعب كان موجود بين اللاعبين المتعافين، ولكن اختلف من لاعب إلى آخر لآخر، بحسب القياسات الطبية ونسبة الأكسجين ومدى تأثر كل لاعب بالفيروس عن الآخر".
"عتامة الزجاج المطحون" بهذا الوصف تحدث تقرير طبي صادر عن مستشفي تابعة لجامعة لانزو الصينية في يناير الماضي، عن الإلتهاب والتليف الذي قد يسببه الإصابة بـ"كوفيد 19" على الرئتين، ويشير التقرير المدعوم بالمواد البصرية إلى ظهور بقعاً بيضاء على الركنين الأسفلين من الرئتين، وتدل هذه البقع على امتلاء جزئي للحويصلات الهوائية في الرئة، وهو ما يسبب الشعور بالاختناق وهوالأمر الذي ازداد مع مرور الأيام على إصابة سيدة صينية بفيروس كورونا، وفقا لما نشرته صحيفة راديولوجي الطبية، وهو ما يؤكده أيضاً استشاري الجهاز التنفسي بمستشفى Dundee's Ninewells في اسكتلندا،:"المناطق البيضاء التي تُظهر سوائل على الرئتين تُشير لبدء حالة جديدة لمرض الرئة بعد كوفيد19"، مُدللاً على ذلك بصورة لإشعة سينية لمرضى تم معالجتهم بالمستشفى وغيرها من الحالات المُشابهة.
يؤكد طبيب مستشفي العزل بمدنية بلطيم، كريم محمد، أن كورونا يُحدث تلفيات في الرئة تتباين خطورتها، لذا يجب على الرياضيين أو أي متعافِ الخضوع لقياسات التنفس قبل ممارسة حياته بصورة عادية بخلاف الراحة حتى لا يتعرض لـ "متلازمة ما بعد كورونا"،ثم يكرر الأمر بعد 6 أشهر، قائلاً:"هناك من تتأثر الرئة بجسده بفيروس كورونا وتحدث خللاً عقب التعافي، لذا من الضروي الخضوع للفحص لمعرفة مدى تأثر الرئة"،فيُشير رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورونا بوزارة الصحة،حسام حسني، إلى أنهم اكتشفوا أن ما بين 13 : 20% من إجمالي المتعافين من كورونا يحدث لهم جلطات وتليفات في الرئة والتهابات شديدة واكتئاب نفسي عقب التعافي والخروج من المستشفيات.
يأتي هذا في الوقت الذي تُشير فيه وزارة الصحة، مُستندة على توصيات منظمة الصحة الصادرة العالمية الصادرة في 27 مايو 2020، إلى إنها تعتبر المُصاب بفيروس كورونا المُستجد كوفيد_19 متعافياً في الحالات الآتية:
1) المرضى بدون أعراض: يعتبر المريض متعافياً بعد مرور 10 أيام من تاريخ إيجابية اختبار PCR لفيروس كورونا المُستجد ولايتم عمل اختبار pcr مرة أخرى.
2) المرضى ذوي الأعراض الطفيفة: يعتبر المريض متعافياً بعد مرور 10 أيام من تاريخ ظهور الأعراض بشرط عدم ظهور أي أعراض مثل ارتفاع في درجة الحرارة أو أعراض نفسية في خلال آخر 3 أيام ولا يتم عمل اختبار PCR مرة أخرى.
وهو ما دفع فاروق مصطفى، مدرس طب الحالات الحرجة بقصر العيني، مع تزايد عدد المتعافين من فيروس كورونا المُستجد كوفيد_19 ، الذين يعانون من متلازمة ما بعد كورونا، للتعاون بمبادرة مُستقلة مع مستشفى المنيرة العام بالقاهرة، الذي خصص بدوره أول عيادة في مصر للاستشفاء مما بعد الإصابة بكورونا، وبدأت في استقبال المرضى بشكل رسمي.
وتهدُف العيادة بحسب ما يشير فاروق، إلى النظر لـ3 أمور أساسية: "أولها تحسين الحالة النفسية والثانية معرفة إن كانت أعراضهم ناتجة عن تناول أدوية غير ضرورية خلال فترة الإصابة، والنظر لتحسين الحالة الصحية للمريض، ومدى وجود مضاعفات سببتها الإصابة بـ"كوفيد 19"، مثل زيادة إنزيمات الكبد أو اضطرابات الغدد".
ولكن هذا لم يحدث مع لاعبي الكرة والأجهزة الفنية في بطولة الدوري الذين تعرضوا للإصابة بفيروس كورونا المُستجد كوفيد_19، وهنا توجه محرر مصراوي، إلى اللجنة الطبية باتحاد الكرة، حيث علق مسؤول فضّل عدم ذكر اسمه، على ما سبق عرضه أعلاه برد مُقتضب جاء:"فترة النقاهة كما ذُكر أعلاه تختلف من شخص للآخر ولا يوجد أزمة لدى شخص تحولت عينته من إيجابية لسلبية من خوض المباريات إلا لو كانت إصابته بالفيروس أرقدته العناية المركزة".
وهذا يأتي في الوقت الذي خضع فيه المحترف الأرجنتيني بصفوف يوفينتوس، ديبالا لفحوصات بعد إعلان تعافيه من الإصابة بفيروس كورونا المُستجد كوفيد_19 للاطمئنان على تعافيه التام من الإصابة وعمل أجهزة جسده بصورتها الطبيعية، وفقاً للإجراءات في إيطاليا مع تأكيد دراسة أجراها علماء المناعة ومتخصصون في الرئة بمعاهد برلين وروما على كون الرياضيين عامة أكثر تأثراً بتبعات كورونا للتمارين الشاقة التي يخضعون لها، حسبما أوردت النسخة الإنجليزي من وكالة رويترز التي نقلت الدراسة.
فيديو قد يعجبك: