إسرائيل والانقسام الداخلي يمنعان غزة من استثمار كنز مهمش من الغاز
غزة - (د ب أ):
تمثل كميات هائلة من الغاز الطبيعي في قاع المياه المتلألئة للبحر الأبيض المتوسط قبالة سواحل قطاع غزة كنزا ما يزال مهمشا منذ تم اكتشافه للمرة الأولى قبل ثلاثة عشر عاما.
ومن شأن هذا المخزون الاستراتيجي من الغاز الطبيعي أن ينهي مشكلة الطاقة المستعصية في قطاع غزة، إلا أن التدخلات الإسرائيلية والانقسام الفلسطيني الداخلي يقفان عقبة رئيسية أمام إمكانية استثمار هذه الثروة الطبيعية لسكان القطاع قريبا.
تساؤلات
وأثار بدء إسرائيل أخيرا بإنتاج الغاز الطبيعي من حقل (تمارا) البحري في منطقة حوض الشرق قبالة شواطئ حيفا، تساؤلات في غزة بشأن مستقبل حقلي الغاز اللذين تم اكتشافهما قبالة شواطئ القطاع في عام 2000 .
وأعلنت شركة ''بريتيش غاز'' البريطانية و ''بي جي جروب'' وشركاؤها ''اتحاد المقاولون CCC'' و''صندوق الاستثمار الفلسطيني'' في عام 2000 عن اكتشاف حقل غاز على بعد 30 كيلومترا غرب مدينة غزة.
وفي وقت لاحق من نفس العام، نجحت الشركة بحفر بئرين (مارين غزة1، ومارين غزة 2) حيث حددت الكمية الموجودة من الغاز بحوالي 1.4 تريليون قدم مكعب، أي ما يكفي قطاع غزة والضفة الغربية لمدة 15 عاما حسب معدلات الاستهلاك الحالية.
وجاءت خطوة التنقيب عن غاز غزة بموجب عقد حصري منحته السلطة الفلسطينية عام 1999 للشركتين المطورتين للتنقيب عن الغاز لمدة 15 عاما.
ويقول عبد الله عبد الله وهو خبير نظم معلومات جغرافية في السلطة الفلسطينية، إن العثور على حقول للغاز في غزة مثل خطوة هائلة للنهوض بالموارد الفلسطينية بشكل عام والقطاع الساحلي بشكل خاص وأحيت تطلعات كبيرة بشأن مستقبل استثمارهما.
مؤجل حتى إشعار آخر
إلا أن عبد الله أشار إلى أن منع السلطات الإسرائيلية الجانب الفلسطيني من استغلال هذه الحقول لأسباب سياسية جمد خطوات التنقيب في حقول الغاز واستثمارهما وأحال الملف إلى قائمة المؤجل حتى إشعار اخر.
واعتبر أن إسرائيل تمنع الفلسطينيين من استغلال ثرواتهم الطبيعية سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية لمنعهم من تعزيز موقفهم اقتصاديا.
كما ينتقد عبد الله ''عدم وجود عمل وجهد فلسطيني جاد لتخليص هذه الموارد من القبضة الإسرائيلية لأن الإرادة السياسية لدى القيادة الفلسطينية ما تزال محدودة وذلك رغم مطالبات الأمم المتحدة بوقف التعديات الإسرائيلية المستمرة ''.
ويحذر حقوقيون فلسطينيون من احتمال بيع الشركتين المنقبتين عن غاز غزة حصتهما القانونية فيه بسبب استمرار تعطيل استثماره بما يمهد لاستيلاء إسرائيل على الحقلين المكتشفين.
ورغم أن القيمة السوقية لحقلي غاز غزة تقدر بأكثر من عشرة مليارات دولار، إلا أن نسبة امتلاك 90% تعود للشركتين المنقبتين، بينما تعود النسبة المتبقية للسلطة الفلسطينية بموجب عقد يصفه الكثيرون بالظالم والمجحف.
وبهذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي من غزة عمر شعبان، إن العقد الخاص بالتنقيب عن غاز غزة '' ظالم ومجحف بعد أن جرى توقيعه من جهات ممثلة للسلطة الفلسطينية دون الرجوع للجهات الرقابية الرسمية أو الشعبية الفلسطينية ''.
ويشدد شعبان، على وجوب أن تعمل السلطة الفلسطينية على فتح العقد وإعادة نقاشه ''خاصة أن القانون الدولي يتيح مثل هذه الإمكانية إذ كان العقد الموقع تشوبه شبهات فساد''.
غير أن شعبان يؤكد على أن الانقسام الفلسطيني الداخلي يمثل العائق الأساسي والأبرز أمام إمكانية استغلال موارد الغاز الفلسطينية، إلى جانب احتكار إسرائيل للتقنية العالية ومتطلبات الحماية الأمنية التي تحتاجها عمليات التنقيب عن الغاز.
ويثير شعبان، تساؤلات بشأن إمكانية أن تكون إسرائيل تعمل على سرقة حقول غاز دون انتباه فلسطيني لذلك خاصة في ظل عدم استبعاده امتداد حقلي غاز غزة إلى حقل تمارا الإسرائيلي للغاز الطبيعي.
وكانت عملية استغلال واستثمار حقول الغاز في غزة من قبل السلطة الفلسطينية تعرضت لجملة من المعيقات السياسية والاقتصادية الإسرائيلية وهو ما انتهى في حينه لتوقف المفاوضات بين الجانبين.
وكان السبب الرئيسي في توقف تلك المفاوضات هو الخلاف بين الجانبين حول ضخ الغاز للموانئ الإسرائيلية عبر أنابيب بحرية وليس برية وهو ما رفضه الفلسطينيون باعتباره يتيح السيطرة للجانب الإسرائيلي وليس لهم.
ولاحقا أمضت المجموعة البريطانية للغاز مدة سبعة أعوام في التفاوض مع إسرائيل كمشتري محتمل للغاز في غزة، إلا أن هذه المحادثات توقفت في العام 2007 وتم لاحقا إغلاق مكتب الشركة في تل ابيب.
ونقلت مصادر فلسطينية عن مصادر في الشركة البريطانية، إن إسرائيل تريد أن تحصل على الغاز مقابل 2 دولار أمريكي للقدم المكعب، أي أقل بسبعة دولارات عن السعر العالمي في الأسواق.
الانقسام
كما أن الانقسام الداخلي الذي بدأ في ذلك الوقت إثر سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على قطاع غزة بالقوة، أضفى المزيد من الجمود على الملف.
وبهذا الصدد يقول زياد الظاظا نائب رئيس حكومة حماس المقالة في غزة، إن المحادثات بشأن استغلال غاز غزة متوقفة كليا حاليا لاعتبارات سياسية وفنية.
وشدد الظاظا على موقف حكومته بأنه ''لا أحد يستطيع فعل أي شيء في قضية غاز غزة دون الرجوع إلينا باعتبار أن هذه الحقول تقع ضمن النطاق الجغرافي للقطاع''.
ملف الغاز
ويبدو ملف حقول غاز قطاع غزة مغيبا عن تفكير سكانه الذين أنهكتهم سنوات طويلة من الحصار والعنف مع إسرائيل وما خلفه ذلك من أزمات في الحياة اليومية، وذلك رغم أن المضي في تطوير المشروع سيساعد على التخفيف من حدة الأزمات.
ووفقا لصندوق الاستثمار الفلسطيني أحد الشركاء في المشروع البحري، فإن الغاز داخل أعماق بحر غزة سيكون كافي لتلبية احتياجات الفلسطينيين لمدة 15 عاما، وسيساعد على تأسيس شركتي كهرباء في القطاع والضفة الغربية توفر ملايين الدولارات التي تدفع سنويا لشراء الكهرباء من إسرائيل.
كما أن المشروع من شأنه أن يقدم حلا كاملا لأزمة نقص التيار الكهربائي التي يعانيها سكان غزة منذ منتصف العام 2006 من خلال تشغيل محطة كهرباء غزة بكامل طاقتها باستخدام الغاز الذي أجبر نقص كمياته مالكي الشركة على تشغيلها بالوقود الصناعي.
ويعاني قطاع غزة من فترات انقطاع التيار الكهربائي تصل لأكثر من 12 ساعة يوميا، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة فيه، كما أنه يواجه أزمات متكررة جراء نقص كميات غاز الطهي المورد من إسرائيل.
فيديو قد يعجبك: