هاني الجمل... ذكريات الثورة ومستقبلها (1-3)
حوار – سامي مجدي:
عصر يوم 26 نوفمبر 2013 استقل هاني الجمل مترو الأنفاق من محطة المعادي متوجها إلى وسط البلد ليلحق بوقفة احتجاجية دعا إليها نشطاء حقوقيون وسياسيون اعتراضا على وضع مادة تجيز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في دستور ما بعد 30 يونيو. لقراءة الحوار كاملا... اضغط هنا
وصل الجمل، القيادي في حزب الدستور متأخرا ''كالعادة'' عن الوقفة ولم يلحق منها سوى دقائق تعد على أصابع اليدين كانت كفيلة بأن تزج به في غياهب السجون طيلة أكثر من أحد عشر شهرا حتى جاءه عفو رئاسي في 23 سبتمبر الماضي ضمن 100 شاب وفتاة اخرين، تواكب مع عيد الأضحى المبارك وزيارة يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة.
هبط الجمل في محطة سعد زغلول القريبة من رصيف مقر مجلس الشورى الذي كان يضم أعضاء لجنة الخمسين الذين كانوا يضطلعون بكتابة دستور للبلاد من المفترض أن يؤسس لقيم ثورتين شهدتهما المحروسة في أقل من أربع سنوات، وكان الجدل الحقوقي والسياسي قد احتدم – ولا يزال - على مادة المحاكمة العسكرية للمدنيين. فساقته شهامته إلى قدره المحتوم.
البداية
لم تكن تلك الوقفة بداية التمرد على الواقع بالنسبة للمهندس الشاب الذي يحمل درجة الماجستير في هندسة الاتصالات، الحالم ككثيرين غيره من الشباب الذين نزلوا الشوارع حاملين أكفانهم في ايديهم حتى قبل ثورة يناير 2011، التي حررت البلد لبعض الوقت من استبداد جثم على صدرها طيلة عقود طويلة.
البداية، حسبما يقول في مقابلة مطولة جرت عل مرتين على مقهى في أحد أشهر شوارع ضاحية المعادي وتنشر في أجزاء ثلاث، ترجع إلى سنوات النشأة الأولى حين كان يعترض على ممارسات يراها تمييزية في حياته سواء في الشارع أو المدرسة، ذكر منها ما كان يجري من قبل مدرسيه في المرحلة الاعدادية حينما كانوا يجتمعون في وقت الفسحة ويحتلون الفناء ويجعلونه ملعبا يمارسون فيه كرة القدم مع بعض المحظوظين من الطلبة. كان هو من بين اخرين من زملائه يقفون على جانبي الفناء لا يجدون مساحة للاستمتاع بالفسحة التي ينتظرها الطلاب بفارغ الصبر خلال اليوم الدراسي. لكنه لم يصمت وكان يجادل وعافر من أجل حقه وحق آلاف مثله.
رافقه النضال والاحتجاج حتى وصل إلى الجامعة حيث درس هندسة الاتصالات التي تخصص وبرع فيها. يقول: كان أحد الأساتذة يتعسف ضدنا ويضع امتحانات من خارج المنهج المقرر علينا فنظمت احتجاجا سلميا ضده وجمعت توقيعات من زملائي حتى أجبرنا رئيس القسم على استبعاده وإعادته إلى قسم الرياضيات في الكلية الذي كان منتدبا منه.
التغيير النوعي
ومع بزوغ الحركة الاحتجاجية في بدايات الألفية الجديدة وتصاعد الاحتجاجات العمالية وصعود حركات مثل كفاية و6 أبريل في المشهد السياسي، وبدا أن حجرا ثقيلا ألقي في بحر السياسة الذي استنزفته سنوات الاستبداد والديكتاتورية، وصل ذروته بدعوة الإضراب الذي دعت إليه حركة شباب 6 أبريل في 2008، تلك الحركة التي استلهمت اسمها من إضراب دعا إليه عمال المحلة ذات التاريخ النضالي المشهود.
بدأ الجمل العمل مع رفاقه وفق الآليات التي كانت تتبعها الحركة وغيرها من التنظيمات السياسية الأخرى من أجل تغيير الواقع، حتى جاءت عملية ''التغير النوعي في رسالة التغيير في 2010''، بشكل تدريجي مع وصول الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى مصر. وكان هو من بين توجهوا إلى مطار القاهرة لاستقبال البرادعي العائد ليقود لواء التغيير، الذي بدا انه آت لا محالة.
يقول الجمل ''بعد سنوات من العمل الاحتجاجي، بدأت عملية تحول في طريقة مواجهة النظام. فبعد أن كنا نشارك في الوقفات الاحتجاجية وتعتدي الشرطة علينا، وكان أقصى ما يفعله الناس هو التعاطف معنا: 'ليه يابني كده.. ربنا معاك... أنا خايف عليك '... فضلا عن أن مظهرنا والأمن يعتدي علينا جعل الاخرين يتخوفون من المشاركة''.
ويوضح أنه اكتشف بعد تفكير أن ''دورنا ليس التغيير بل أن نساعد الناس لترى طريق التغيير فتغير بنفسها، فهم أصحاب البلد مثلنا تماما، عملا بالآية الكريمة في القرآن 'فذكر انما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر'.
شكل ذلك فرقا في آليات الاحتجاج بين ما قبل 2010 وما بعدها، وبدا جليا في بيان الجمعة الوطنية للتغيير الشهير خلال ذلك العام الذي كان مليئا بالأحداث التي عجلت بسقوط نظام حسني مبارك الديكتاتوري بداية من عودة البرادعي وطرحه بديلا لمبارك الذي كان يروج نظامه أن معين البلاد نضب ولم يعد هناك من هو جدير بالرئاسة غيره أو وريثه المحتمل – وقتها – جمال.
يقول ''التغيير كان مفاده أن نرمي الكرة في ملعب المواطنين''. كان النشطاء ينزلون الشوارع ويطلبون من الناس التوقيع على بيان التغيير ووضع رقمهم القومي. كان الجمل يرى في ذلك نوعا من أنواع تحميل المسؤولية للمواطن وكانت المناقشات التي يديرها النشطاء مع المواطنين تسير في ذلك الاتجاه وكأننا نقول للمواطن ''إذا كنت شايف ان فيه مشكلة فوقع، لو مش شايف يبقى متشتكيش''.
حتى ذلك الحوار البسيط بدأ الجمل ومن معه يقللون منه ''بدأت اخبئ ورق بيان التغيير وأدير نقاشا حرا مع المواطن نفسه حول قضايا الوطن حتي لا يشعر بالخوف إذا بدأت معه بطلب التوقيع، ولو وجدت منه تجاوبا أطلب منه توزيع بيان التغيير على مواطنين اخرين.. بحيث لا يكتفي بالتوقيع فقط''.
كانت الفكرة ''أن يتحمل المجتمع المسؤولية ويتحرر من بعض حواجز الخوف''.
ويضيف الجمل إن '' كانت تلك وسيلة للتغلب على مركزية الدولة... كانت الاستراتيجية هي الانتشار بين الناس ونشر الوعي في أماكن متعددة وليس تركيزها في مكان واحد لأنك لو نظمت احتجاجا في مكان واحد سيأتي الأمن بأعداد تفوقك بكثير... وكان السبيل للمواجهة هو الانتشار واللامركزية''.
في الجزء القادم نتتبع مسار حركة التغيير التي وصلت إلى ذروتها بثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد ما يقرب من ثلاثة عقود قضاها قابعا على رأس النظام.
فيديو قد يعجبك: