في مدرسة زين العابدين.. الأجهزة "مُكهنة" والطلاب "عمالة رخيصة"
كتبت- يسرا سلامة وياسمين محمد:
منذ عام 2001، تحولت مدرسة "زين العابدين" من مدرسة فنية إلى مدرسة تتبع التعليم المزدوج، والتي تتيح للطلاب التدريب بداخل شركات ومصانع إلى جانب دراستهم الاكاديمية. "مصراوي" استمع إلى طلاب ومدرسين ومدير المدرسة عن تجربة التعليم المزدوج، والتي تقع على بعد عدة كيلو مترات من وزارة التربية والتعليم.
العاشرة صباحًا، خرج للتو من أبواب المدرسة "عمر" و"عمرو" الطالبان بالصف الثاني قسم إلكترون –وهوّ قسم متخصص في الصناعات الإلكترونية. كلاهما حصل في مرحلة الثانوية العامة على مجموع تجاوز 230 درجة، والذي يؤهلهما للمرحلة الثانوية، لكن كل منهما فضل دخول المدرسة الصناعية المزدوجة، خاصة بعد الاستماع من أصدقاء عن صعوبة المواد في الثانوية، والأمل بالحصول على فرصة عمل أو الالتحاق بكلية الهندسة.
يقول "عمر" إنه تقدم بالفعل بأوراقه إلى المرحلة الثانوية، لكنه عاد وسحب أوراقه للمدرسة الصناعية، ليلتحق بالقسم الأعلى بالمدرسة "الإلكترونيات"، ويكون على موعد مع "عمرو" أن يذهب 4 أيام إلى مصانع تابعة لإحدى الشركات للتدريب، لكنهم فوجئوا بالعمل الكامل بجانب التدريب "إحنا بنعمل أكتر من العمال كمان، لكن بدل اللي بناخده تقريبا 250 جنيه في الشهر".
يذهب الرفيقان في الدراسة معًا إلى التدريب في محافظات عدة، بدأت بعد قرابة الاثني عشر اسبوعا من الدراسة، مثل محافظات الدقهلية وبني سويف والمنيا، وذلك وفقًا للشراكة بين وزارة التعليم وعدد من المصانع، ويلتزم الطلاب بحضور التدريب إذ تقع نصف درجات نجاحهم على الحضور، بواقع 280 درجة، لكن الأزمة التي يثيرها الطلاب ليس البدل القليل فحسب، لكن في عملهم وليس تدريبهم، وكذلك لساعات تصل لـ 9 ساعات في اليوم الواحد.
عمرو: بناخد 250 جنيه في الشهر وبنشتغل أكتر من العمال
يؤكد تلك المشكلة كل من "محمود الجوهري" مسؤول التعليم الصناعي بإدارة السيدة زينب، وكذلك "مجدي عبد العزيز" مدرس النسيج بالمدرسة، والمسؤول كذلك عن الوحدة الإقليمية التي تختار الشركات الأنسب لتدريب الطلاب في التخصصات المختلفة. يذكر المعلمان أن المصانع والشركات تتعامل مع الطالب على إنه "عامل رخيص"، خاصة أن تدريب الطلاب لا يصاحبه أي تواجد إداري أو تربوي من المدرسة، فيقول محمود إن الوزارة لم تسند أي بدائل لانتقال المدرسين خاصة أن أغلب المصانع في أماكن بعيدة وصحراوية.
يذكر كمال أحمد مصطفى، مدير المدرسة لـ"مصراوي" أن هناك عدد من الشكاوى تصل من الطلاب عن تدريبهم بالمصانع، والذي أحيانا لا يكون كما يجب. يلتقط مجدي طرف الحديث "لو لقوا طالب بيعرف يرف القماش بيفضل يرف لآخر السنة، ومش بيتعلم حاجة جديدة، المطلوب إني أدرب الطالب واعلمه وادخله على خط انتاج، لإنه لو اتدرب تدريب جيد هيكون كفاءة للعمل"، بالإضافة إلى افتقار بعض الشركات للأمن الصناعي إذ يذكر مجدي "المفترض أن قانون الطفل يلزم ألا يتجاوز تدريبه الست ساعات، وهذا ما تخالفه كثير من الشركات".
مشكلات التدريب داخل المصنع جعلت "مجدي" العامل بتدريس المنسوجات منذ 1986 يوقن بعدم فاعلية تجربة "المدرسة داخل المصنع"؛ بسبب معاملة الطلاب كعمال، وكذلك عدم المتابعة الدورية من قبل المدارس على الطلاب، والبدل الزهيد للطلاب، على الرغم من قرارات وزارية تحاول تفعيل دور التجربة، ليذكر مدير المدرسة القرار 444 الصادر من وزير التعليم الحالي الهلالي الشربيني، والذي يلزم تواجد مدرس لمتابعة تدريب الطلاب، لكن القرار "وقف التنفيذ" بسبب عدم وجود بدل انتقال للمعلم، خاصة أن بعض المصانع توفر وسيلة انتقال للطلاب وفي أحيانا أخرى لا تتواجد تلك الخدمة لهم.
مدرس بـ"زين العابدين": لا يوجد بدل انتقال للتدريب
"هناك حلقات مفقودة في تطوير التعليم الصناعي، عندنا الروتين و"الأجهزة العهدة" وقفت التجربة".. يذكرها الجوهري متألمًا على حال التعليم الفني، الذي أصبح بابا لقبول "الطلبة الفشلة"، قائلا إن منذ بداية تجربة التعليم المزدوج كانت هناك شروطًا صارمة من أجل قبول الطلاب، منها القراءة والكتابة على الأقل، وأساسيات المهارة، لكن حال الطلاب المتقدمين يذكره مجدي "أنا بضطر أقبل الموجود المهم ألاقي طلبة.. للأسف أغلب الطلبة طالعة من إعدادي دون المستوى".
وعلى الرغم من اعتماد المدرسة على التدريب بنسبة 70%، إلا أن الانشطة جزءًا من العملية التعليمية، فبداخل مكتبة المدرسة، شاهد "مصراوي" تواجد عدد من الطلاب داخل المكتبة، في إطلاع على عدد من الكتب، والمشاركة في عدد من المواهب مثل ما قدمه من غناء الطالبان "أحمد عبد الحميد ومحمد صبري".
بداخل غرفة مدير المدرسة، تشارك الأساتذة أحاديث حول أوضاع التعليم الفني بشكل عام، اتفقوا على أن النظرة المجتمعية لهذا النوع من التعليم لابد أن تتغير، يردف كمال "الأب بيقول للطالب أنا هدخلك صنايع لو فشلت، رغم أن الطالب المهني بيكون صاحب حرفة".
يقترح "مجدي" أن تكون التخصصات في التعليم المزدوج تسير وفقا للخطة الموضوعة، وهو أن تتاح التخصصات بحسب حاجة السوق "يعني ممكن يكون عندي تخصص مفتوح لمدة سنين، لو السوق مستكفي نفتح تخصص تاني وهكذا"، وهو أيضا ما لا يحدث في تلك المدارس. يضرب المثل "للأسف 90% من شركات النسيج واقعة، ده بيأثر على واقع دراسة الطلاب، التخصص أصبح غير مقبول".
على مساحة تصل إلى فدانين، تمتد عدد من مباني مدرسة زين العابدين، بخلاف مبني للدراسة النظرية والإدارية، يتواجد مبنى كامل به ورش للتدريب على النسيج، وآخر لميكانيكا السيارات، يخضع الطلاب إلى تدريب داخل المدرسة، كما يذكر المعلمون أن هناك عدد من التخصصات أتاحتها مدارس التعليم المزدوج، المنشأة مع اتفاقية بين مصر وألمانيا "مبارك كول"، لا تتواجد في التعليم الفني مثل التشطيبات والسمكرة والدوكو، والتركيبات الصحية.
ويذكر المعلمون وقوع عدد من الحوادث لطلاب في التعليم الفني، مثل وفاة طالبة في مصنع للغسالات نتيجة كهرباء، ووفاة طالب في المنصورة وقع من الدور الثاني عشر، دفعت تلك الإصابات إلى وجود تأمين للطلاب بخلاف التأمين عليهم من قبل وزارة التربية والتعليم، يردف مجدي "بنحاول نطبق شروط السلامة المهنية".
ووفقا لنشأة المدرسة، تعتمد "زين العابدين" على الشركات والصناعة من أجل تدريب الطلاب، ويدرس بزين العابدين 1141 طالب بواقع 457 طالبًا في الصف الأول، و378 طالبا بالصف الثاني، و394 طالبا بالصف الثالث.
لا يقع عاتق خلل منظومة التعليم الفني على المصانع أو أحوال المعلمين فحسب، فأحيانا يلتزم الطالب بالجانب النظري على حساب العملي، أملا في الدخول للجامعة، ويعتبر مدارس التعليم الفني "بوابة خلفية" للدخول إلى الكليات، ليذكر مدير المدرسة "وقتها الطالب بيذاكر أكتر ما بيدرب.. لإن بيبقى هدفه الكلية".
وتتيح درجات الطلاب من مرحلة الإعدادية القسم الذي يلتحقون به في مدرسة التعليم المزدوج، فقسم الإلكترونيات يقبل من 220 درجة، يليه التبريد والتكييف 200 درجة، والسيارات من 190، الميكانيكا من 180 درجة، وقسم الملابس الجاهزة والمنسوجات من 180 درجة.
مدير المدرسة: من الأفضل للتعليم الفني أن تستمر بهيكل منفصل
في العام 2015 شعر مدرسو التعليم الفني ببارقة أمل حين تم تدشين وزارة منفصلة للتعليم الفني، سرعان ما انقلب إلى دمج مرة أخرى، "للأسف رجعان تايهين وسط التعليم العام"، يذكرها محمود، فيما يردف مدير المدرسة أنه من الأفضل للوزارة لو استمرت بهيكل منفصل، ذو ميزانية واحدة، ويقول مجدي: "للأسف احنا مخصصاتنا من التدريب والتطوير أعلى بكتير من التعليم العام ودمج الوزارتين بيخلينا نصرف على التعليم العام".
"إحنا بنقاوم على قد ما نقدر".. ذكرها مدير المدرسة واصفًا ما يفعله المعلمون وسط تلك الظروف. يحمل المعلمون عدد من المبادرات، يوقنون بحاجة تطبيق الكثير من الخطط الموضوعة، والتي تشير إلى توافر فرص تدريبية جيدة وليست "إنتاجية" ترهق الطالب، والاهتمام بمدرس التعليم الفني "إحنا مبنديش دروس خصوصية وراوتبنا هي كل دخلنا.. إحنا في التعليم الفني اللي بنجري ورا الطالب بعكس الثانوية العامة" يذكر كمال.
يجد وجدي حلول تلك المشكلات في "اجتماع عاجل لمجلس الوزراء"، تجتمع فيه الوزارات المعنية مثل: التعليم والصناعة وغيرها، إذ يتشارك الجميع في وضع الحلول، وبحث كيفية تطبيقها على أرض الواقع، فيما يحلم محمود برعاية أفضل حتى بدون ماديات "إحنا عارفين ظروف البلد، إحنا مدرسين تعليم فنى اشرفنا على امتحانات وانتخابات مثلا مخدناش بدائل، بس حسسني كمدرس إني لما اقدم لابني في مدرسة إن ليا ميزة".
إقرأ أيضا باقي موضوعات الملف:
(مسؤول بالتعليم: المدارس الفنية ''شهادة على الحيطة''.. والمصانع تفتقر لمعايير السلامة -(حوار
''راكتا''.. قصة مدرسة أغلقت أبوابها بعد ''الدفعة الأولى''
(الجيوشي: "التعليم في مصر ليس سيئًا ومش هنوقف الدنيا عشان نطوره'' -(حوار
(بالأرقام.. الإقبال على التعليم الفني يتفوق على العام - (إنفوجراف
فيديو قد يعجبك: