إعلان

محمد سلطان.. الجنسية مقابل الإفراج

12:34 م الخميس 09 أكتوبر 2014

محمد سلطان.. الجنسية مقابل الإفراج

كتب- اماني بهجت ورنا الجميعي:


وجه بشوش كما تُعبر الصور عن هيئته القديمة، عام ونصف قضاهم بمصر بعد 26 عامًا عرف فيهم أمريكا بلدًا يعيش ويتعلم فيه، مدة العام ونصف تلك قضى أكثر من نصفها داخل أسوار السجن، "محمد سلطان" المُضرب عن الطعام منذ أكثر من 250 يوم ومحبوس احتياطياً منذ أكثر من 400 يوم.

تتواتر الأنباء وتختلف عن حالته الصحية ووضعه في السجن، أحدها عن استمرار الإضراب وأخرى عن فكه، أقاويل تتردد عن وجوده بقصر العيني وأخرى عن كونه سليم يقبع داخل زنزانته، بيانات تصدرها أسرته تقابلها كلمات مقتضبة من وزارة الداخلية أو من صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

تلك الحالة الرمادية دائمًا ما كانت "سارة محمد" في منتصفها، فهي قريبته التي على تواصل دائم مع كل ما يحدث لسلطان، تزوره أسبوعيًا مع أعمامه، تُحاوره وتسأله عما يريده بالزيارة القادمة، تُحاول أن يصبح الحديث مرحًا مع حالته النفسية التي تسوء أحيانًا.

تعرف سارة تمامًا الحالة الصحية لسلطان، منذ أن تم القبض عليه من بيته هو وأصدقائه يوم 25 أغسطس، وقتها أُصيب الأخير برصاص في الكتف أثناء فض اعتصام رابعة "كان بيروح الاعتصام من وقت للتاني، وكان شايف إنه كان فيه خيارات ديمقراطية لمحاسبة مرسي بس مش بالشكل دا"، ولم يخضع سوى لعملية أولية، يتبعها عملية استكمالية تحدد لها ميعاد يوم26 أغسطس، إلا أن قبضة الأمن كانت أسرع، ليتنقل بين خمسة أقسام وسجون "محمد كان له ملف قديم للجلطات من قبل إصابته"، ذلك الملف أضيف إلى إصابته الأخيرة وهو ما أدى إلى تورم بالجرح.

عملية بملاعق بلاستيكية
طالب سلطان أكثر من مرة في بدايات اعتقاله، أن يتم علاجه على نفقته الخاصة أو رعاية داخل السجن إلا أن الخيارات رُفضت، وصل الحل بأصدقائه أن يطلبوا من إدارة السجن الأدوات اللازمة للعملية على أن يقوموا بها داخل السجن، وهو ما تم رفضه أيضًا، تحكي سارة أن طبيب مُعتقل نفذ العملية داخل السجن "استخدموا فيها معالق بلاستيكية"، وكان على الأصدقاء المعتقلين أن يجلسوا على جسد سلطان غير المُخدّر حتى لا يتحرك من الألم.

بسبب تاريخه مع الجلطات، حيث حدث له أكثر من مرة إرهاصات جلطة، وانتقل على إثرها لمستشفى السجن، أملت العائلة مع الجنسية الأمريكية لسلطان أن تحاول السفارة إخراجه من السجن أو ضمان الرعاية الصحية، إلا أن السفارة اقتصر دورها على ممثل يذهب للابن في زيارة أسبوعية "يسأل على سلطان ويعرف أخباره بس"، وبنظر عائلة سلطان كما تقول سارة فإن السفارة متباطئة.

بثباتٍ وجلالٍ وقفت، تحمل صورة تغطي ملامح وجهها المصبوغ بالحمرة من شدة البكاء في صمت، صورةٌ لابنها هي ما تقوى على حمله للدفاع عنه، قضيته انتشرت في الأوساط جمعاء لكن سدى، فهالة من الغموض تحيط بوضعه الصحي؛ تحكي الأم "أسماء شكري" القصة والدموع تحتبس في عينيها "تخرج ابني من كلية التجارة قسم الاقتصاد بجامعة أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، نبغ في دراسته وعمل بالخارج ولكني مرضت فعاد ليبقى بجانبي".

تكمل الأم ملابسات ما حدث لابنها المصري الأمريكي، مؤكدة أن جنسيته الأمريكية لم تعطه أي امتيازات عن غيره، في شهر فبراير 2013 عاد إلى مصر وقرر الاستقرار بها لكن سرعان ما تغيرت الأحوال السياسية "أنا سافرت عشان ابني الصغير كان من المفترض يعمل عملية وأول ما وصلت عرفت بخبر اعتقال محمد" قالت الوالدة عن وليدها الذي فقد أكثر من نصف وزنه في السجن والمريض بسيولة الدم.
نموت لنحيا

ظل سلطان على حالته الصحية السيئة، لم يلقَ رعاية كافية "الفرق بين مستشفى السجن والزنزانة هو السريربس"، لذا مع بدء إضراب "عبدالله الشامي"، صحفي الجزيرة، تبعه سلطان بست أيام تفرق بينهما "كانوا بيشوفوا بعض ساعة التريض"، وآمن أن عليه أن يُقاوم بخياراته هو لا المفروضة عليه، لذا أبلغ سارة أنه "يموت ليحيا".
تقول سارة إنه كان ضمن دوافعه للإضراب حماسه الشديد أثناء ثورة 25 يناير ومقابلة ذلك بحائط اليأس الذي بني تدرجيًا بعد الثورة "كان بيصفي شغله هناك في أمريكا، وهيستقر في مصر".

"عرفنا من الإعلام خبر الإضراب" تقول والدته، وبسبب الإضراب ظهرت بقع زرقاء تحت جلده وهو ما ينبئ بوجود نزيف داخلي "ابني أصبح مُقعد، ابني بيموت"، هكذا رددت.

مع الإضراب البالغ حتى الآن 258 يوم، زاد سوء حالته الصحية بسبب مرض سيولة الدم الذي يعانيه سلطان، ومع سوء الرعاية الطبية داخل السجن، فأحيانًا يزيد طبيب السجن الجرعة المطلوبة له للدواء الخاص بالسيولة وتارة يقللها "وصلت سيولة الدم لسلطان أحيانًا لعشرة والطبيعي واحد، دا لو كان اتخدش في حيطة كان هينزف ويموت".

محطات عدة مرّ بها سلطان داخل السجن، الآن هو يقبع بسجن ليمان طرة بعد أن كان في استقبال طرة، ومعه والده المعتقل "صلاح سلطان"، الأمين العام للاتحاد العالمي للمسلمين، كانت غاية إدارة السجن من نقل والده من سجن العقرب إلى ليمان طرة هو إلقاء المسئولية عليه إذا حدث شئ لسلطان أو كما قيل نقلًا عن سارة "لو محمد حصله حاجة فهو في رقبتك"، وكانت إحدى الاحتمالات لتواجد الأب مع ابنه هو محاولته للضغط عليه لوقف الإضراب، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

تُقابل الأم ابنها على سرير مُتحرك، لا يملك من حركة جسده شيئًا، تغيّر فيه الكثير، استيعابه قل، ورغم محاولة الابن التماسك أمامها إلا أنه لم يستطع أيضًا، أثرت المقابلة عليه بشكل سلبي وإيجابي "مكنش عاوزها تشوفه وهو بالشكل دا بس كانت مبسوطة إنه شافها في الآخر"، قالت سارة.
يأس بعد خروج الشامي

رغم كل ما مرّ بسلطان، إلا أن أسوأ الأوقات كانت الفترة التي اجتازها بعد الإفراج الصحي عن "عبدالله الشامي"، تصوّر الشاب العشريني أنه سيخرج بعده "خصوصًا إن قضية المضربين كانت متصدرة باسم عبدالله الشامي وسلطان"، ذلك في شهر يونيو الماضي، وهو ما تصورته سارة أيضًا وفي الزيارة التي تلت الإفراج عن عبدالله رغبت في شراء ملابس له حينما يخرج وسألته "أجيبلك مقاس كام".

انتظر سلطان كثيرًا ولم يظهر شيئا في الأفق، خصوصًا مع التهديدات التي طرقت سمعه "اتقال لسلطان يا تبطل إضراب وتريحنا، يا تبطل تشرب مية"، تلك الفترة التي ساءت فيها حالة "سلطان" النفسية، أزعجت سارة "ممكن مكونش خايفة على سلطان وهو مضرب أد ما أبقى خايفة وهو يائس".

"اتنازل عن الجنسية"
تذكر سارة أن من ضمن ما قيل للشاب المعتقل في بدايات اعتقاله، عرض للتنازل عن الجنسية المصرية، ذلك العرض طُرح مقابل الإفراج عنه، إلا أن سلطان رفض تمامًا.
ما تحمّلته سارة البالغة اثنان وعشرين عامًا كان كثير من الأحداث وثقلها، رُغم ذلك تقول أنه لم يمر عليها لحظة أسوأ من اليوم الذي مرض فيه سلطان وانتقل إلى قصر العيني، وانتشرت إشاعة وفاته، لتتصل بها والدته صارخة فيها أنها تُخفي عنها هذا الخبر "مفيش أسوا من أم بعيدة وهي مش عارفة ابنها فين"، ذهبت سارة وقتها مسرعة إلى المستشفى تطمئن على حالة الشاب العشريني، وبين أعداد الأمن الموجودة بالمكان، لم تستطع الدخول له إلا أن الأطباء طمئنوها.

وقفات قليلة أُعلن عنها تضامنًا مع سلطان، كانت فيها لعائلة المحامي "أحمد سيف الإسلام" نصيبًا "أول ناس كلمونا عشان يحصل حاجة للشامي وسلطان"، ونظمت "منى سيف" الناشطة سياسية الوقفة الاحتجاجية عند سلم نقابة الصحفيين، وبعدها أقيم مؤتمر للتضامن مع المعتقلين كانت حركة "الحرية للجدعان" المنظمة له، ويتم التسليط الضوء على قضية "سلطان" من خلال تلك الحركة وكذلك حركة "جبنا آخرنا".

منذ فترة قصيرة قال سلطان لسارة في أحد الزيارات "لو أنا مت والصف الثوري يجتمع تاني لإسقاط الظلم" سيعتبره مكسب، ولكن سارة توقن أنه في القريب سيخرج ليقول للعالم ما حدث له.

"مش هقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل، وكيلنا الله.. جلسته اتأجلت لـ 11 أكتوبر هيكون كمل 260 يوم مضرب.. أطول مدة إضراب عن الطعام في مصر وقرّب يكسر رقم سامر عيساوي في سجون الاحتلال.. حسبي الله" تختتم الأم كلامها، قائلة أنها سلكت كل السبل لمحاولة العفو عن ابنها ولكن من دون فائدة.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان