بالفيديو والصور.. من الإسكندرية لـ"سيدنا الحسين" مصراوي يعايش أيام "ابن عربي" بمصر
معايشة- أحمد الليثي ودعاء الفولي ورنا الجميعي:
تصوير- محمود أبو ديبة:
الوقت يشير إلى السابعة، ليوم السبت 18 إبريل، ساعة ويبدأ الحفل، تحت أضواء خافتة يسيرون كالأشباح، على خلفية مسرح قصر النيل بوسط القاهرة، كطنين النحل تتصدر التمتمات الأجواء، صوت الشجن تحسبه بعيدًا، غير أنه صادر عن ناي أدريان، آلته المحببة التي لا يتركها إلا حين يلج المرحاض؛ حسبما أوصاه معلمه، يقترب "هارون" –عازف العود والطنبور التركي- ليجلس قرب أدريان، ينظر له في جدية شديدة قبل أن ينقلب الحال؛ وقتما يقلد صوت عبد الله -منشد الفرقة- فتخرج الهمهمات بين صوت الناي والضحك، وقت وصول أنطوان الحلقة، فيدخل ثلاثتهم في الاندماج مع اللحن تاركين اللهو جانبًا.. وعلى بعد خطوات يتحلق الأخوة الثلاث –أحمد وأسامة وعبد الله- في نصف دائرة كأنهم يضعون خطة التقاء الجمهور، لكنهم لم ينبسوا بكلمة؛ فقط النظرات تكفي.
قبل ذلك بيومين وفي مدينة الإسكندرية، حيث مُلتقى الفرقة الأول مع مصر؛ تصل السيارة الحاملة لأعضاء "ابن عربي"، يخرج أدريان الكاميرا الصغيرة ملتقطا صورة للبحر، تتوقف السيارة، يهبطون منها قُرب مكتبة الإسكندرية حيث يُقام الحفل الأول الخميس 16 إبريل، يحمل كل منهم آلته الموسيقية، يتجهون صوب المكتبة للتدرب قبل بدء الحفل، 1100 كرسي سعة مسرح مكتبة الإسكندرية حُجزت بالكامل، فيما كان هناك نحو 400 فرد يتزاحمون بالخارج أملا في أماكن إضافية، عقب انتهاء الحفل بحفاوة شديدة من الجمهور، كان لزاما على أعضاء الفرقة أن يذهبوا قبل مسجد المرسي أبو العباس الذي التقطوا على أبوابه صورة للذكرى "هو من تلامذة أبو الحسن الشاذلي ونعتز جدا به في المغرب" يقولها مؤسس الفرقة، فيما كانت الوجهة التالية صوب أحد محلات الأسماك.
عصر الجمعة، اليوم التالي لوصول فرقة "ابن عربي" مصر وعقب ساعات من انتهاء حفلهم الأول بمكتبة الإسكندرية، كانت الوجهة الأولى هي مسجد الإمام الحسين "يكفي أهل مصر أن لبنة طرية من الرسول مدفونة فيها.. وهي رأس الحسين –حسب بعض الروايات- سيد شباب أهل الجنة عليه السلام" يقول أحمد الخليع، يهبط من السيارة، تتبعه الصحبة، أعينهم معلقة بالمعمار القديم، يسير "الخليع" بسرعة ملهوفا للقاء، يتوقف عند باب المسجد، تلمع عيناه وهو يتذكر جده الذي سمي تيمنا بأحد شيوخ الصوفية ذلك الذي كان يدرس "إملاء الحديث" بمسجد الحسين، بعد انقطاع دام طيلة 600 عاما كاملة من زمن الإمام السيوطي قبل أن يستكمله "الصديق" في خمسينيات القرن الماضي، يفخر "الخليع" بشيخه أيما فخر، يعلو محياه ضحكة رائقة وهو يسرد لقاء "الصديق" بعبد الناصر وتلك الصورة التي جمعتهما – ناصر والصديق - المتمركزة وسط منزلهم في طنجة.
يشرح عبد الله لأدريان قيمة الحسين في الإسلام، وينصت أنطوان في اهتمام، يتراص الجمع لصلاة المغرب، يؤمهم "أحمد"، ينتظر أنطوان –مسيحي الديانة- في الخلف، لكن عينه تجوب المكان، يتبعهم صوب الضريح، تدمع عين أسامة، ويردد أحمد دعاءه لابن بنت رسول الله، ومن خلفه عبد الله وهارون، أدريان يخرج كاميرته الخاصة لتسجيل اللحظات، 10 دقائق تمر، يتخللها نظرات الإعجاب، وتختتم بصورة جماعية على أبواب المسجد، التوجه التالي كان صوب الجامع الأزهر، منارة العلم التي يجلها "أحمد الخليع" ظاهرًا في حديثه عن أئمته وبالخاصة الشيخ عبد الحليم محمود، وأبحاثه عن قطبي الصوفية في المغرب، وكذلك التاريخ الوسطي للمكان، والطريقة الأشعرية التي تنتهجها الفرقة، وكذا معظم علماء الأزهر.. باحة المكان تقابلهم فيطلقون عبارات الإعجاب بأكثر من لغة، بين المصرية والمغربية وحتى الفرنسية، وفيما يختمون الصلاة كان "أحمد الخليع" يصلي في جوف المسجد بجوار المنبر الرئيسي "هنا مر كبار الشيوخ وأئمتهم.. هنا تاريخ لا ينسى" يقول بوجه يملأه الإجلال.
عقب الصلاة انشغل الجمع بارتداء الأحذية، سبقهم أدريان حاملًا الناي، مارًا بجانب باب مسجد الأزهر الضخم، قبّله سريعًا ماسحًا عليه بيديه ثم خرج، يقف الفريق أمام المسجد الضخم، يضع أدريان يده على كتف عبد الله، يحدثه بالفرنسية، "عايزين يروحوا شارع محمد علي" يقولها المنشد؛ فيخبرهم السائق المصري أن الشارع لم يعد كما كان، يصر الفرنسيون الثلاثة على الأمر "أصلهم عاوزين ياخدوا رأيي في الآلات"، قبل أن يتنازلوا عن الفكرة مع اقتراب الساعة على الثامنة ونصف، غير أن أدريان أصر على زيارة الشارع بعدها بأيام مقتنصًا ناي مصري.
دلف هارون، أنطوان وأدريان الفندق عائدين لتوهم من شارع محمد علي، تهللت أسارير عازف الناي، يخبر "أحمد" بفرنسية سريعة عن الناي المصري الذي أحضره، يخرجه من الحقيبة السوداء، ويعطي الناي الذي يعزف به لهارون، يشرح للموجودين حوله -محولًا حديثه للإنجليزية لنفهمها- الفرق بين النوعين "لأن الناي التركي طويل فالمصري تم تصنيعه ليكون أقصر"، دون إنذار يبدأ أدريان العزف على الناي الجديد، مقطوعة صغيرة، ثم يُشاركه هارون بالناي التركي، تصدح ألحان الفلكلور المصري "سلم عليّ"، يجلس أنطوان القرفصاء استماعًا لهما، ويتابعهما "أحمد" فتعلو وجهه ابتسامة.. بينما كان "عبد الله" يناقش مخرج "الكليب" الأول للفرقة، لقصيدة "تحيي إذا قتلت" والتي جرى تصويرها في مسجد المفتي
بأكتوبر.
قبل حفل القاهرة الأول بساعة ونصف، يمسك عبد الله الدف الممهور بكلمتي "هو/ هو"، يضعه برفق تمامًا أمام الجمهور الذي لم يأت بعد، يطلب من مسئول الإضاءة التركيز عليه "لا اللون دة مش حلو" يقول المنشد، تتعاقب الألوان حتى يصل لاختيار أفضل فيستقر عليه، يعود الشاب الثلاثيني إلى مقعده بمنتصف المسرح ليكمل التدريب، وحيدًا يشدو دون آلات، يمر أدريان قائلا "الله"، يتبسم "عبد الله"، ويدلف بعض معدين القنوات التليفزيونية لإجراء حوارات قصيرة مع "أحمد".، بينما يلتقط منشد الفرقة صورة للاستعدادات ينشرها على صفحة "ابن عربي" طالبا من الناس الدعاء لهم بالتوفيق.
يترجل الدكتور أحمد الخليع –عازف القانون ومؤسس الفرقة- نحو غرفة صغيرة، يستجمع قواه، ينظر في سقف الغرفة، التركيز يغلبه، يقبض على حقيبة صغيرة أسفله، يستخرج كتيب "الحب والمحبة الإلهية" للشيخ الأكبر ابن عربي والذي يحوي مقتطفات من كتاب الفتوحات المكية لإمام العارفين.. وكأنه في محرابه راح يدون بعض الآيات التي تمس شغاف القلب، يسري أنين الناي، ملهمًا لحاله، كموسيقى تصويرية، فيما يظل أدريان يلحن في وجل.. لا يزال "أحمد الخليع" ينهل كلماته بين سطور "ابن عربي" علّها تضفي رونقًا فوق مقطوعاتهم، حين يتلوها على الجمهور؛ شرحًا وتلخيصًا لبعض تلك المقطوعات.
يمر عبد الله، يتمتم في خشوع، آيات من سورة يس، الأقرب إلى قلبه، يتقلد منشد "ابن عربي" طوق نحاسي يلف يده اليمنى يعلوه عنقود من نقود مغربية قديمة، كتميمة محببة لقلبه النضر، فيما تتمهر يسراه مسبحة بنية اللون، ويتشح بشال يعتبره بركة من أحد شيوخه.
المسرح خال إلا من المقاعد والآلات، تقبع المعازف بانتظار أصحابها أيضًا، يرتكن دُفّا "عبدالله" لجانبي الكرسي مسطور على أحدهما "أدينُ بِدَيْن الحُب أنّى توجَّهتْ رَكَائِبُه.. فالحُبُ دِيني وإِيمانِي"، أما البندير فموضوعًا على الأرض جوارهم عليه أبيات من الشعر أيضًا "الحُب أرّقَنِي والحُب أقُلَقَنِي والحُب قَتلَنِي ظُلمًا وليْس يدي.. والحُب حمَلَنِي مَا لستُ أحمِلْه حتّي بقيتُ رَوحًا بِلا جَسَدِ"، كذلك يقف ناي "أدريان" في جرابه الأسود بجانب مقعده، قانون "أحمد" منتظرا عود "هارون" يستند بإحدى جانبيه أرضًا، وزرب -آلة إيقاعية قريبة من الطبلة- "أنطوان" كذلك، يتوسط نصف الدائرة في صدارة المسرح الدُف الرئيسي للفرقة كلؤلؤة عقدِ مكتوب عليها "هو هو" – أي منه المبتدى وإليه المنتهى.
على أبواب مسرح قصر النيل يتهافت الجمهور، الزحام سمة المشهد، مشاهير عدة يتوسطوا الحضور، بينهم الدكتور يحيى خليل، الموسيقار العالمي، يقول إنه يحتفي ويتابع كل ما هو جديد، مضيفًا إنه مطلع على أنماط الموسيقى الصوفية، لكنه لم يسمع لـ"ابن عربي" من قبل "لكن الناس بتتكلم عنهم كويس ومصر أتعرف عليهم أكتر ومتأكد إن موسيقاهم هتلمس جوايا حاجة".
يبدأ المنظمون بإدخال الجمهور، يستعلمون عن أماكنهم المُرقمة، بمرور الدقائق يمتلأ مسرح قصر النيل، تتعالى الهمهمات، تصنع أصواتًا متداخلة، يسروا عن أنفسهم بالثرثرة حتى لقاء الفريق.
ترتدي خاتمًا مكتوب عليه "هو/ هو"، شعار الفرقة، تجلس "نانسي فارس" بمقعدها، بانتظار ظهورهم، تعرف الفتاة العشرينية أساس الشعار من كلمات ابن عربي "فهُو هُو لهو، لا لَك، وأَنْت أنْت لأنْت ولهُ"، تقول
"نانسي" أن التوراة بها معنى قريب لذاك "أهيه الذي أهيه".
بجوارها يجلس "أحمد الحصري"، من له الفضل لسماع "نانسي" للفرقة، علم الشاب من خلال مشاهدته لفيلم عن المفكر "نصر حامد أبوزيد" جعله يعرف "ابن عربي"، ومن الفرقة فُتح له بابًا على الصوفيين وأشعارهم "عرفت إن عمر بن الفارض ليه قصايد بالجمال دا، وتابعته"، ارتبط الشاب العشريني بأغنية "أدين بدين الحب"، حالة التسامح التي تحكي عنها القصيدة هو ما وصل إليه "بحس إنها بتدخل على كل حياتنا، اللي
هو أنا معنديش مانع أقبل أي حاجة أو أي حد".
يخبر أحد منظمي الحفل من في الكواليس أن الموعد اقترب، يأتي الصوت عبر الميكروفون "السلام عليكم.. منورينا، 5 دقايق ويبدأ عرض السماع لفرقة ابن عربي"، كالصبي على أعتاب امتحان عسير ينتظر عبد الله بدء الحفل "دايمًا أحب أوقر الجمهور واحترم حضوره"، يعبر أنطوان جواره دون حديث، يطوق العازف الفرنسي هدوء شديد، يضبط هارون ملابسه، الدكتور أحمد يدس الأوراق الحاملة للأشعار المختارة في جيبه الأيمن، يطرق أسامة أبواب الكواليس مطمئنًا على الجمع، يحفزهم قبل أن يستكمل أوراده ودعواته.
لحظات وتتجمع الفرقة في غرفة واحدة، يرددون وردًا ثابتًا، دون نشاز، يحاول العازفون الأجانب مجاراة الكلمات، يحفظونها عن ظهر قلب، يربت عبد الله على يد أدريان ليشد من عزمه، فيتبسم عازف الناي في سرور وتزداد ثقة أنطوان، أسامة ينظر قبل هارون والدكتور أحمد يطلق زفرة "لحظات ويبدأ عرض السماع
الصوفي لفرقة ابن عربي.. نتمنى لكم سماعًا ممتعًا" تنطلق أعلى المسرح إيذانًا بترك الفرقة للكواليس.
يدخل الأعضاء الستة كلا صوب مقعده، وسط تصفيق حار، الزي الموحد من قفطان مزركش وبنطال أسود للزي الأندلسي هو سمة العازفين الخمسة، فيما بقي "عبد الله" متفردًا بـ"جلباب" مغربي بنفسجي اللون، يقلب بصره بين الجمهور والسماء داعيًا بالتوفيق، يضبط النوتة الموضوعة أمامه، التي تحمل كلمات الأشعار المدونة بخط "أحمد الخليع" الشقيق الأكبر، ومختتمة بإمضاء من شيوخ راجعوها لغةً وتأصيلا قبل نحو 20 عاما كاملة.
"البسملة والصلاة على المصطفى" –صلى الله عليه وسلم- كانت البداية عند "أحمد الخليع"، تبعه بقوله: قال الشيخ العارف الكبير مولانا عبد الغني النابلسي "حدّث عن الوِتر أيها الوترُ.. من فاته الخُبرُ سرهُ الخبرُ"، ثم شرع في التعبير عن فرحة الفرقة بالحضور إلى مصر ثانية بعد رحلتين كانتا في 2004 و2007 "القاهرة التي مر بها وولد فيها وعاش في طياتها أكابر صوفية الإسلام" ثم عددّهم، فرد الحضور الحفاوة بأفضل منها حين صدحوا في صوت واحد "الله"، ينتهي الحفل بسلاسة، يصفق الحاضرون، بينما يهم الفريق لتحيتهم،
حين يرفع المنشد عصا تحمل الهاتف المحمول، لالتقاط صورة "سيلفي" مع الجمهور.
6 أيام قضتها فرقة ابن عربي بين 3 حفلات وزيارات لمساجد الأولياء وتصوير فيديو كليب وحفاوة من جمهور احتشد لرؤياهم، فيما بقي العهد بين أعضاء الفرقة على محاولة المجي ثانية، في زيارة ربما تحين مع هلال شهر رمضان المقبل.
تابع باقي موضوعات الملف:
فرقة "ابن عربي".. قلوب في طور التجلي (ملف خاص)
مؤسس فرقة "ابن عربي": قدمنا حفلا بباريس اليوم التالي لحادث "شارلي إبدو".. والتصوف ليس خرافة (حوار)
بالفيديو والصور: آلات "ابن عربي" ألوان.. "ورا كل لون معنى ومغنى"
بالفيديو والصور.. منشد ابن عربي: "الدف حتة من قلبي وبعشق برشلونة" (حوار)
بالفيديو والصور: عازفو "ابن عربي".. "صنايعية السلطنة"
بالفيديو والصور: الزاوية الصديقية.. من هُنا نبتت فرقة "ابن عربي"
فيديو قد يعجبك: