عرب ما بعد ترامب: صدمة.. فغضب.. فتعايش
كتبت- دعاء الفولي وهدى الشيمي:
صباح الأربعاء الماضي؛ فاز دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. لم تمر ساعات حتى خرج البعض مطالبين برحيله، إما لانتخابهم المُرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، أو اعتراضًا على سياسة المُرشح الجمهوري. وبين الاحتقان والحزن انكمش بعض العرب على أنفسهم، هالهم فوز ترامب بعد تصريحاته العنصرية ضدهم، غير أنهم يحاولون التعايش، معتبرين أن التغلب على الخوف هو التصرف الأصلح حاليًا.
ميتشيجان هي الولاية حيث يعيش الأردني عُمر كُردي. لم يشعر الشاب حتى شهور قليلة ماضية بأي اغتراب داخلها، ففيها يقطن حوالي 120 ألف مسلم. إلا أن سيرة ترامب المتصاعدة حوله أثارت فزعه، جعلته يُصوت رغمًا عنه لهيلاري كلينتون "كان صعب علي أن أعيش في بلد رئيسها يقول عني وعن ديني إرهابي" حسبما يقول لمصراوي.
حالة من الصدمة انتابت كُردي بعد فوز الرئيس الجمهوري "لا أعرف كيف صوّت الأمريكيون لشخص عنصري مثله؟". تابع الشاب الثلاثيني نتائج الانتخابات ساعة خلف الأخرى، تلوّى عقله على جمر القلق، الوقت مرّ ثقيلا حتى جاءت الفاجعة، فما كان من الشاب إلا أن كتب على صفحته بموقع فيسبوك "إنها صدمة.. ولكن الله يُدبر كل شيء".
ذلك الخوف الذي يعانيه كُردي لم يأتِ من فراغ. "تعرضت لملاحقة من سيارة قبل ٣ أسابيع من واحد من مناصري ترامب".. كان كُردي عائدًا من العمل، حينما سمع أحدهم يُلقي عليه الشتائم "قال لي عُد من حيث أتيت يا زنجي يا رملي"، ظلت المطاردة قائمة لخمسة عشر دقيقة، فقد علم الرجل أن كردي عربي من اسمه الموجود خلف السيارة، كاد الشاب الأردني أن يفقد السيطرة على السيارة. تحرك الغضب بداخله، لكنه آثر السلامة كي لا يقع في المشاكل.
بعد مرور الساعات المُظلمة بدأ الشاب في التعايش مع الواقع. صار عليه أن يكون أقوى؛ فنشر فيديو على صفحته بموقع فيسبوك يتحدث فيه عن شعوره كعربي قائلا: "ترامب ربح. لا نستطيع تغيير ذلك الآن. لكن يمكننا تغييره في المرة القادمة بأصواتنا والمشاركة.. حينها سيأخذوننا كعرب على محمل الجد".
لا يتشارك مهند الراجعي مع كُردي حالة الخوف، فرغم انزعاجه من فوز ترامب، لكنه يعلم أن وجود جنسيات عربية مختلفة في الولايات المتحدة يمنعه من اتخاذ أي قرارات مُجحفة ضدهم.
عام 1995 جاء الرجل الأربعيني من بغداد العراقية، ليستقر في ولاية أوهايو، ويعمل كسائق شاحنة. يتعامل الراجعي مع أمريكيين في ولايات عدة بحكم عمله "معظمهم اختار ترامب كتغيير لأنهم جربوا كلينتون من قبل كوزيرة خارجية"، موضحا أن الشعب بطبيعته ليس عنصريا، لكن الصورة التي يُصدرها ترامب هي ما روّجت ذلك.
لا يشعر الراجعي أن حاله كعربي سيتغير للأسوأ، فحديث ترامب الموصوف بالعنصرية بقى متعلقا أكثر بالمهاجرين غير الشرعيين "أما الذين دخلوا بطرق قانونية فلا خوف عليهم". يحاول السائق طرد الهواجس عنه، متمنيا أن تحمل الأيام القادمة الأفضل.
تعيش المصرية لبنى عبد العزيز مع زوجها وابنتها الطالبة في الصف الثاني الابتدائي في ولاية تكساس، التي تضم أكبر عدد من المسلمين في الولايات المتحدة بحسب دراسات نشرتها صحيفة هافنجتون بوست، وتقول إن حوالي 95 % من المواطنين في الولاية منحوا أصواتهم لترامب، إذ حصل على 38 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي في ولاية تكساس، وتعد هذه ثاني أكبر نسبة يحصل عليها في الانتخابات.
يُقيم أكثر من مليون مصري في الولايات المتحدة الأمريكية، حسبما صرّح أحمد فاروق، سفير مصر في نيويورك. لذا فشعور الأسر المصرية في تكساس حيال فوز ترامب مختلف، ويعتمد على طبيعة العائلة وأسلوب حياتها في المنزل. هناك من يشعر بالقلق وينتظر التغيير الذي من الممكن أن يطرأ على الأحداث في قلق وترقب، والبعض الآخر لا يشعر بأي اختلاف حتى الآن، حسبما تقول الأم الثلاثينية.
لم يظهر أي تغيير حتى الآن في معاملة الأمريكيين لعبد العزيز. فتقول "كنت في مكان حكومي بعد الانتخابات بيوم، والناس عاملوني كويس جدا، التأثير لسه مظهرش".
لم تسمع السيدة الثلاثينية أو ابنتها أي كلام مسيء لأنهم عرب ومسلمين خلال الفترة الماضية. إلا أن زملاء الفتاة الصغيرة في المدرسة والأكبر منها عمرا، أخبروها بأن ترامب سيخرجهم من البلد وسيعيدهم لوطنهم إذا فاز بالرئاسة.
قبل يوم الانتخابات أقام المحللون والمراقبون ما يُسمى بـ"تصويت الأطفال"، عن طريق زيارة المدارس وسؤال الطلاب عن آرائهم في المرشحين للرئاسة، وكانت النتيجة أن نسبة كبيرة منهم يكرهون هيلاري كلينتون، ومقتنعين بترامب، وتضيف عبد العزيز "هذا يعكس الموقف السياسي في منزلهم".
وتتوقع السيدة أن الرئيس الأمريكي المنتخب سيكون متعصب جدا. إذ سيحاسب كل من عارضه برفع قضايا ضدهم، بالإضافة لتشدده تجاه المسلمين. ولكنه في النهاية لن يحيد عن السياسة الأمريكية، التي يتبعها أي شخص يحتل الرئاسة، بعض النظر عن توجهاته "الناس إللي فاهمة ده مش فارق معاها أوي.. يعني أنا كان عندي أمل في أوباما وطلع مش مختلف كتير" حسب تعبيرها.
على جانب آخر تواجد الصحفي المصري أيمن محسن في نيويورك بوقت الانتخابات. واستطاع رصد بعض ردود الأفعال، إلا أن أكثر ما جذب انتباهه هو شعور الأمريكيين أنفسهم بالحزن والاحباط، إذ خيمت الكآبة على شوارع المدينة، ونزل الشباب والمراهقين في الشوارع يهتفوا بأغنيات مسيئة لترامب، وحملوا لافتات كُتب عليها عبارات مثل "ليس رئيسي"، و"عنصري".
حالة الإحباط جعلت البعض يُفكر بالفعل في الهجرة، حيث يروي مُحسن "سمعت طالبين في الجامعة يخططان للسفر لإحدى الدول في أمريكا الجنوبية، أو افريقيا"، وكان أغلب حديثهم عن كيفية الذهاب لمكان يستحق أن يبذلوا بداخله مجهود في سبيل الانسانية، وخدمة مجتمع يستحق أفضل من بلادهم التي أصبحت تشجع العنصرية.
ولاحظ الصحفي أن العرب والجنسيات الأخرى، ممن لا يملكون إقامات، يشعرون بالهلع، وزاد القلق لدى المهاجرين الهاربين من الحروب مثل السوريين والعراقيين، خاصة وأن الرئيس الجمهوري أدلى بتصريحات مسيئة للأقليات المختلفة في أمريكا، خاصة المسلمين والمكسيكيين، مطالبا بمنع دخول اللاجئين القادمين من مناطق نزاع.
فيديو قد يعجبك: