إعلان

مصراوي يحاور خطيبة قتيل الدرب الأحمر.. هنا يئن الأحبة

09:51 م السبت 20 فبراير 2016

مصراوي يحاور خطيبة قتيل الدرب الأحمر

كتبت - دعاء الفولي وإشراق أحمد:

فتى صغير في الحادية عشر من عمره، اشتبك معه جار في مثل سنه، خرجت الأم تعاتب الصبي الآخر "هو في حد يتخانق مع محمد"، لكن الأمر تطور عن كونه "خناقة عيال"، بخروج الوالدة الأخرى، تشتاط غضبا، وتمسك بصفيحة مليئة ببلاط وأسمنت، تُركت على سطح المنزل، وتقذفها على الابن وأمه، فدفعت "نعمة" ولدها، ولقيت هي مصرعها على الفور... عشر سنوات مرت على المرة الأولى التي نجى بها محمد علي إسماعيل من الموت، فدته والدته حينها، لكن الموت لاحقه مرة أخرى بحادث سير قبل عامين، ترك له مسمار نخاع بقدمه اليمنى، ليقضى الأمر المكتوب بالمرة الثالثة، على يد رقيب شرطة، أنهى حياة الشاب، الذي قام بتوصيله، وخلال ثواني "مات محمد غدر زي أمه" كما يتداول المقربون من قتيل الدرب الأحمر.

1

بالمرات الثلاث لوجود الموت، كانت خطيبته نشوى أحمد حاضرة، صاحبته في السرور والحزن، جاران هما بنفس البيت منذ وُلدا "وعيت على الدنيا ومحمد هنا"، جلست رفيقة الشاب الراحل- في صالة المنزل الكائن بدرب شغلان بالمغربلين، رأسها مطأطئ، يتناوب عليها القادمون للتعزية، فترد بهمهمات، فقط الحديث عن الحبيب هو ما يكفكف دمعها، تنفرج أساريها وتهدأ لجريان سيرته على لسانها، كأنما تراه تحكي عنه لمصراوي.

تبتسم لطيبته التي شهدتها، نزاهته الشاهد لها القريب والغريب "كان بيحب اللبس جدا.. يجيب أشيك وأحلى حاجة"، وحرصه الشديد على فرحتها، لدرجة تركه لعمله، حين تخبره أنها ستخرج لشراء شيء "يجي في ثواني عشان ميخلنيش أخطى خطوة إلا وهو معايا"، معززة ومكرمة أرادها أن تكون، ومع تلك الكلمات تنظر الفتاة لملابسها "العباية اتربت في الجنازة لو محمد شافني كده كان زعقلي.. ده دايما يقول لي خليكي حلوة وشيك".

قصة الحب والارتباط بينهما يعرفها الأهل والأصدقاء، كادت القلوب تطير فرحا لاقتراب موعد الجمع بينهما في منزل واحد، إلا أن النهاية أصبحت مأساوية .."كانت الدنيا حلوة" تذكر نشوى وقت أن قرأوا الفاتحة تمهيدا لإعلان الخطوبة، شبح ابتسامة يظهر على ثغرها، فيما تشير أشارت لإحدى الأرائك "كان قاعد هنا عمال يبصلي ويضحك، والله ما كان مصدق إننا اتخطبنا"، لم تُغالِ الفتاة في طلباتها يوما، لكنه كان ينهرها لذلك "ميحبش يبخل بحاجة، الفلوس بالنسبة له بتيجي عشان تتصرف حتى لو شقيان بيها".

2

أسفل المنزل الحزين، اجتمع الرجال، يستقر صوان عزاء السيدات على بُعد أمتار قليلة منه، تقطع سوزان-الأخت الكبرى لمحمد- المحيط جيئة وذهابا، تتقبل التعازي بصوت مختفي، ما أن تأتيها إحدى سيدات المنطقة حتى يُفتح الحديث عن محمد، كان له أمنية وحيدة؛ أن يتمم شقة الزوجية، اتصل قبيل الوفاة بدقائق بأخته وخطيبته "عشان يقابلوه يشتروا البياض.. كان قابض 5 ألاف جنيه بتوع الجمعية".

تحفظه نشوى في نفسها، أبسط أشياءه تعرفها عنه، سألته يوما عن شهرته "دربكة"، فأخبرها أنه كان طفلا شقيا، كلما ذهب لورشة خاله، الذي يعمل بالنجارة، يقلب المكان رأسا علىى عقب "فبقى يقول له أنت على طول عامل دربكة"، فلازمه اللقب، لكن خطيبته لم تستخدمه أبدا.

3

"غية الحمام" كانت شريكة نشوى الوحيدة في محمد، تشعل غيرتها، بجلوسه لساعات بها، سارحا لا يجيب اتصالاتها، فيما يأكلها الفضول، عن حبه لتلك البقعة لهذا الحد، يخبرها أنه أفضل مكان في الدنيا، وأنه سيصحبها إليه بعد الزواج، ويسهرا به لتشاركه حبه لذلك المكان، وحينما غضبت لعجزها عن تفسير الأمر، أفصح لها سره "عارفة أكل الحمام ده رحمة على روح أمي"، فطالبته يوما أن يلتقط للمكان صورة لها، فبقيت صورة "الغية" بين ما تحتفظ به من صور على هاتفها المحمول، مدون عليها التاريخ 11 فبراير الجاري، ضمن أكثر من مئتين صورة أخرى لهما سويا.

الشاب الراحل هو الأصغر عقب ثلاثة إخوة، الكبرى زينب، يناهز عمرها الأربعين عاما "زي والدته"، بالكاد خرجت من المنزل لتنضم لصوان العزاء، يسندها من حولها، بينما يقف عربي -الأخ الذي يليها سنا- مع الرجال، اعتاد الأشقاء على اللقاء أسبوعيا بمنزل الوالد "يوم الحد عشان بيبقى اجازته"، يقضون الساعات سويا، يتركهم محمد أحيانا للخروج مع أصدقائه أو خطيبته "إلا الحد اللي فات فضل قاعد معانا.. قالنا أجبلكوا بسبوسة فقولتله لأ خليها الأسبوع الجاي" تحكي أخته، ثم تستطرد "خلاص مبقاش فيه أيام جاية".

شهر يونيو القادم تمر ثلاثة سنوات على ارتباط نشوى ومحمد، شهر واحد فقط كان يفصلهم عن فرحته المنتظرة منذ سنوات، احتفظت هي بفستانها، فيما أبقت خزانته على بدلة الزفاف، التي حرص على شرائها جديدة، مستنكرا نصيحتها له بأن يستأجر كما يفعل الكثير "قال لي ألبس بدلة قديمة في فرحي.. وأهو ملحقش يلبسها.. ومفيش فرح خلاص.. فرحه كان في مكان تاني".

4

حين فر محمد من الموت بالمرة الثانية، لازمته نشوى، لا تنسى تعرضه لحادث موتوسيكل قبل عامين، بطريق صلاح سالم، إذ طارت الدراجة البخارية في الهواء بعد اصطدامها بسيارة، ليسقط هو وتنقذه العناية الإلهية من الموت المحقق "قال لي لولا عربية جت شالتني كنت نزلت على الأرض وموتت أو عربية عشان الطريق السريع كانت داستني"، لكن الأمر انتهى بإصابة بالغة في قدمه، عايشت الفتاة طيلة عام الألم الذي ذاقه على حد قوله لها "ياريتني كنت موت ولا عشت كده"، تتذكر كلماته، ثم تحمد الله أنه لم يحيا بوجع مثيل.

مُرتب محمد اليومي كان يرتفع وينخفض حسب المشاوير التي ينجزها بالسيارة ربع النقل "لو اشتغل ب100 جنيه ياخد 35 جنيه ولو اشتغل ب150 ياخد 55 جنيه"، رضي الشاب بما قُسم له، لم يمتنع عن العمل حتى عقب الحادث الأليم الذي أقعده بالفراش 7 أشهر، كان من المفترض أن يُكمل العام "بس نزل اشتغل عشان أبوه"، على حد قول الأخت.

مساء الخميس الماضي سمعت سوزان هرجا في الشارع، خرجت لترى ما يحدث، يسألها أشخاص لا تعرفهم "هو دربكة فين؟"، فترد بأنها لا تعلم، يأكلها الفزع، دقائق وتصرخ سيدة "محمد دربكة مات"، لا تدري سوزان بنفسها، تجري كالملسوعة، ثم تتجه لمستشفى أحمد ماهر لتلقي نظرة أخيرة على جثة أخيها.

تنفعل نشوى، بذكر قاتل خطيبها، تتمنى تنفيذ القصاص "أشوفه سايح في دمه زي محمد"، تدمع عيناها لاستعادة تلك الصورة المتداولة لمقتل محمد، لم تره يوما منكسرا، منبطحا أرضا كما كان، لا تريد أن يلقى قاتله مصير مَن قتلت والدته "خدت خمس سنين وطلعت بعد سنيتن ونص.. اعتبروها مشاجرة وقتل بالخطأ".

5

بعد الرحيل، أخذت نشوى تعيد ترتيب الكلمات، تعلم أن والدة محمد كانت نقطة ضعفة الوحيدة، لكن قبل أقل من شهر، لم تكن تدري لماذا أخذ لسانه يلوك "ورحمة أمي" بكل موقف، ما اعتادت عليه يقول تلك الكلمة سابقا، بل أنهم وضعا اتفاق ألا يكون الحلفان بغير الله، حتى أنه كان يمازحها حين تتشكك في أمر وتطالبه أن يقسم فيقول "وحياتك أنت"، فيما يخبرها المواسون أنه كان يعلم بلحاقه بوالدته.

يهرول الجمع لتشييع الفقيد، منهم الراكبون والسائرون، وتسابق عين نشوى الصفوف المتلاحمة، تتمتم "أنا ماشية وراك أهو يا حبيبي"، أبت ألا تكون بمقدمة المشهد جوار عريسها الراحل "دي كانت زفتي"، بالدموع نعته مودعة رفيق الطفولة والأيام الهنية، فيما تنتظر أن يأتي صباح غد الأحد لتزور قبره بباب الوزير، كي لا تقطع الوصال المعتاد بينهما في ذلك اليوم.

6

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان