حكايات من جمع التعداد السكاني: "المواطنين بيجروا ورانا"
كتب- محمد زكريا وشروق غنيم:
طيلة 15 عامًا، تنقل "حسين" -اسم مستعار- بين وظائف القطاع الخاص "اشتغلت شغلانات كتير، كلها متنفعش حد في سني". غير أن الأمل في الزواج، دفع صاحب الـ36 عامًا التقدم للعمل بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، رغم علمه المُسبق بانتهاء اتفاقه مع المرفق الحكومي بعد 6 أشهر من بدء العمل، في تعداد يشمل ثلاث مراحل؛ حصر المباني، عدّ السكان، حصر المنشآت. فيما واجه ابن الحي الشعبي صعوبات كثيرة في أداء مهامه.
قبل 10 أعوام، أجرى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، آخر تعداد عام للسكان في العام 2006. ومع بداية العام الجاري، كان موعد التعبئة والإحصاء مع تعداد جديد، إذ أعلن الجهاز في نهاية العام الماضي عن حاجته لعمالة مؤقتة.
ديسمبر الماضي، علِم حسين بحاجة الجهاز الحكومي لعمالة إضافية، تقدم للوظيفة المؤقتة، قُبِل سريعًا دون اشتراطات جادة، حصل على تدريبات بدائية، وقع على ورقة بمقتضاها يتحصل على راتب قُدر بـ2000 جنيهًا شهريًا، أقر استلامه "تابلت" مصري الصُنع يُعيده بعد إنجاز مُهمته المُحددة، بدء عمله في اليوم الأول من فبراير المُنتهي. فيما يُسيطر على الرجل الثلاثيني حتى اللحظة أمل التثبيت بالعمل الحكومي "حتى لو بـ600 أو 700 جنيه، أحسن من القطاع الخاص اللي بيمص في دمك وفي أي وقت بيرميك".
عدم فاعلية العمل بالقطاع الخاص، كان دافع "محمود" -اسم مستعار- للعمل بالتعبئة العامة والإحصاء. في نوفمبر الماضي، علِم صاحب الـ30 عامًا عن الوظيفة المُتاحة من خلال أخيه، ترك مهنته "كول سنتر"، أُختير للعمل كـ"مُفتش.. هما منظمينها بالترتيب كده مراقب، منسق، مفتش، معاون"، تعرف على حدود مهامه "قالولي أنت هتشوفلينا معاونيين يطلعوا البيوت يجمعوا البيانات وهتبقى مسؤول عنهم".
نهاية يناير الماضي، بدء العمل في المرحلة الأولى بحساب تعداد المنشآت والمباني. غير أن المعاناة التي واجهت جامعي البيانات المطلوبة، لم تَغب عن حسين ليوم واحد. قبل شهر، دلف الرجل الثلاثيني أحد بيوت حي بولاق، جمع البيانات المُستهدفة من ساكنيه، توجه إلى سلالم النزول "البيت كان ضلمة كُحل"، استند بيده اليسرى على حائط المنزل بينما أحكم قبضته اليمنى على "التابلت"، في الطريق اختلت قدماه "وقعت على ضهري أتعور، ورجلي أتفتحت"، فيما شغل عقله في حينها أن "التابلت ميتكسرش، عشان أنا مش حِمل دفع 8500 جنيه".
انتفاء حصول العاملين بالجهاز على أي ضمانات للسلامة، يُزعج صاحب الـ36 عامًا "مفيش ورق يُثبت إننا شغالين في الجهاز، يدوب ماضي ورقة، المُفتش حاططها في بيته"، لذلك تُسيطر على حسين مزيد من التساؤلات "لو جرالي حاجة موقفي القانوني هيبقى أيه؟، ومين هيشلني لو حصلي حاجة؟". نفس الأمر بالنسبة لـ"علي" -اسم مستعار- الذي يتملكه الخوف على مصير طفلته الصغيرة.
الرغبة في الأمان الحكومي، كان دافع علي منذ البداية للعمل بالجهاز المركزي "سيبت شغلي، وروحت قدمت على أمل إنهم يعينوني واستقر". غير أن الصعوبات التي واجهت عمل صاحب الـ32 عامًا، دفعته اتخاذ قراره الأخير بترك الوظيفة بعد إتمام المرحلة الأولى والتي تنتهي بنهاية الشهر الجاري، قبل أن تبدء مرحلة عدّ السكان والتي تنتهي في أبريل المقبل.
معاناة القائمين على العمل الإحصائي لا تنتهي. في إحدى المرات، تعدى ساكن على حسين "قعد يزعقلي، وريته الكارنيه، قاللي مش بعترف بيه ومش هديك بيانات"، مرة أخرى هدده صاحب منزل "قاللي لو دخلت البيت هحبسك" يحكي صاحب الـ36 عامًا، بينما يستكمل حديثه ضاحكًا "المواطنين بيجروا ورانا".
قبل أيام، توجه محمود إلى المقر المُحدد له مُسبقًا بأحد المدارس الحكومية، وصله مُكالمة من أحد معاونيه، أبلغه بتعدي أحد الأفراد عليه، ترجل صاحب الـ30 عامًا مُسرعًا إلى مكان الواقعة، أبلغ المُفتش ساكن الحي بتبعية عملهم إلى الجهة الحكومية، أهمل المواطن حديث محمود الشارح بينما صمم امتناعه عن الإدلاء بأي بيانات تخصه "قاللي انتوا بتعدونا ليه.. تلقيكم من الضرايب، وهتخربوا بيوتنا".
نفس الأمر يواجه علي باستمرار "الناس لما بقولهم إحنا بتوع التعداد بيسألوا عداد أيه؟"، فيما يُرجِع صاحب الـ32 عامًا ذلك إلى غياب حملات التوعية الحكومية "ده حدث بيحصل كل 10 سنين.. المفروض يكون في حملة إعلانية قوية، مش إعلان في قناة محدش بيشوفها". بينما يتوقع حسين أن تزيد حدة الأزمة مع بدء المراحل التالية "في المرحلة التالتة بتاعت حصر المنشآت، هيبقى صعب جدًا تدخل البيوت وتسأل على بيانات تفصيلية عن الأجهزة الإلكترونية والدخل.. الناس هتفتكر إنك بتعمل عنهم تحريات".
فيديو قد يعجبك: