إعلان

مرحلة أولى.. محطة أم مُنتهى..؟

محمد أحمد فؤاد

مرحلة أولى.. محطة أم مُنتهى..؟

03:47 م الجمعة 23 أكتوبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - محمد أحمد فؤاد:

كالعادة.. الحملات المتباينة تحركت بالتوازي مع انطلاق الاستحقاق الثالث والأهم.. بعضها أيّد وغشاوة على عينيه بلا أدنى سند منطقي، والبعض عارض فقط للاعتراض أو دون سبب واضح.. أمر اعتدناه مؤخراً، ولا أظنه أصبح مبعث للدهشة بعد أن فقد أغلبنا القدرة على الاندهاش من فرط تدافع الأحداث وجسامتها..

قال قائل: إن هناك عزوف واضح عن التصويت من شرائح مجتمعية كبيرة، وقال أخر: الإقبال غير مسبوق في دوائر بعينها، وهناك ثالث رصد كثافة تصويتية لأتباع الإسلام السياسي بملامحهم التي لا تخطئها العين، وأخرون أكدوا أن النساء تسيدن الموقف، وأنهن قاطرات النجاة لانتخابات بدت للعيان وكأنها ولدت مبتسرة.. كل ما سبق جاء بُناء على المؤشرات الأولية وليست الرسمية..! فهل يمكن الجزم بالنتائج وتحليل مدلولاتها قبل أن يكتمل الاستحقاق بمرحلتيه وتُعلن تفاصيله كاملة؟ ثم من هذا الغامض القوي الذي يملك القدرة السحرية على فرض واقع لم يكتمل بعد، وتراه يتحدث بثقة عن تواجد واحتشاد غير مرئي على الأقل بالنسبة للمتابعين عن قرب ..؟ هل أصحاب العقول مازالوا في راحة، أم هذا هو استكمال طبيعي لدوَّامة الاستخفاف التي ماتزال تجذبنا بقوة نحو الحضيض..؟

أخجل الاعتراف بأننا قد صرنا فريسة للاستغلال بكل صوره، حديث العقلاء صار خيانة، والحوار البناء يُصنف تحريضاً، والتجاوز في حق الأخر أصبح حق مكتسب لصاحب الصوت الأعلى.. بات القدح والذم مرادفان طبيعيان للغة التخاطب دون تمييز.. ووصلنا إلى أخطر مراحل مرض النسيان حتى صار كلام الليل يُمحى بالنهار، وبات الفهم لدى أغلبنا يحدث فقط بأثر رجعي.. هذا إن حدث..!

عذراً للمقدمة المحبطة، لكن شعوري كمواطن يتمنى الأفضل لهذه الأرض، ويتحسر على الفرص المهدرة الواحدة تلو الأخرى هو الدافع لا أكثر.. لا أريد المضي في عبث البكائيات، ولنرى إن كانت تلك المرحلة قد أفرزت بالفعل أي ملامح إيجابية قد تفيد فيما هو آت.. لي ملاحظات ثلاث أتمنى على مؤسسة الحكم إدراكها قبل أن تأتي الرياح بما لانشتهي، وحتى نقطع دابر الشك والإحباط الذي بات يؤرق الشارع المصري ويعرضه للتصدع والانكسار، وفي المقابل نجد حالة مريبة من النشوة تعتري سلوكيات عصابات المنتفعين، وتصاحب الإطلالات المتكررة لقراصنة الآراء والأفكار الهدامة محترفي الظهور مدفوع الأجر..

ملاحظة أولى عن تراجع معدلات التصويت بالخارج، وهو بمثابة دق لناقوس الخطر، وقد بنى عليه البعض نظريات أحسب معظمها مُغرض إن لم يكن متآمر.. التصويت الإلكتروني هو الحل للتوصل إلى أعلى نسبة مشاركة للمصرين في الخارج، وهناك عشرات الوسائل التي تضمن نزاهة ودقة هذا النوع المناسب لطبيعة المجتمعات هناك، والذي يسهل جغرافياً عملية التصويت.. غير مفهوم في دول مثل نيوزيلاندا وأستراليا والسعودية والإمارات العربية وكندا والولايات المتحدة الأمريكية أن تكون هناك لجنة أو لجنتين على الأكثر للاقتراع فيضطر الناخب تحمل أعباء سفر وإقامة لمدة 48 ساعة على أقل تقدير، بينما هناك وسيلة عصرية تحقق الهدف بلا حاجة لهذا العناء.. والسؤال موجه للجنة العليا للانتخابات ومجموعتها الاستشارية سواء على المستوى القانوني أو الأمني: لماذا لا تعترفون بهذا النظام المتطور الذي سيعفيكم حتماً من مسائلات وتعقيدات كثيرة..؟

ملاحظة ثانية على تراجع نسب الشباب المشارك في عملية التصويت بالمرحلة الأولى.. بالطبع هناك تشكك واضح لدى قطاعات الشباب في نوايا النظام الحاكم تجاههم، وقد تحول هذا لدى البعض إلى إحباط عام، وإحساس بمحدودية وعدم جدوى ما جادت به الأجهزة الأمنية من مساحات لحرية التعبير والفكر، ناهيك عن كثرة القيود التي تعوق انطلاق طاقاتهم بفعل القوانين الاستثنائية.. وهنا وجب الاعتراف بأن تحفيز الشباب على المشاركة الإيجابية في العمل السياسي ومسألة صنع القرار، مرهون قطعاً باختفاء عواجيز البيروقراطية وعقيدتهم التي تتحكم في مفاصل الدولة من المشهد، وبينهم كثيرون من أصحاب نظريات المنع والحذف والإقصاء والاعتقال الأمني والفكري والعقائدي بدعوى خطورته على الوطن، ولكن الواقع أنه الخطر على مقاعدهم التي ربما أقسموا ألا يغادروها..!

ملاحظة ثالثة وأخيرة، وهي مؤشر قليله إيجابي وأكثره سلبي بشأن العزوف النسبي عن الحضور للتصويت، وهذا قد يعني لدى البعض أن هناك كتلة تصويتية كبيرة غابت عن الساحة ربما تعاطفاً مع حكام الماضي القريب، لكنه يرصد أيضاً قصور واضح في آليات الاستقطاب المؤثرة على الشرائح الأقل حظاً من الشعب.. وأعني هنا أن المغريات المادية والعينية التي تم توظيفها في الماضي من قبل أصحاب المال السياسي، وأهل الحظوة صناع خلطة الدين والسياسة وكذلك محترفي النصب باسم الأحزاب السياسية.. هذا التراجع صحي في ظاهره، وإيجابياته تفصلها مساحة من عدم الثقة بين الشعب وبين مؤسسات الحكم.. والسؤال هنا لحاملي أبواق الإعلام الخاص أو الرسمي: أين أنتم من مسألة تنمية الحس الوطني لدى الشعب وتوعيته، وماذا قدمتم حتى الأن من أطروحات واقعية حتى يتم رأب الصدع ومد جسور ثقة بين المواطن العادي ومؤسسات الدولة..؟

شيء من الحكمة والواقعية يا من في دائرة المسئولية إن أردتم تحقيق مصداقية على تلك الأرض.. وعليكم بالانتباه والحذر، فالوعي العام في تنامي مستمر وإن بدا بطيئاً، والجهل سيتوارى أمام البحث عن الحقيقة.. الأجيال الجديدة حتماً ما سترفض من يستخف بها وبمستقبلها..
الحكم الجائر إلى زوال، ولنا العبرة في سنوات أربع مضت وعقود ثلاثة سبقتها..!

إعلان