لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رف السينما - دولان والبحث عن الاتزان

ممدوح صلاح

رف السينما - دولان والبحث عن الاتزان

10:07 م السبت 14 فبراير 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - ممدوح صلاح

المخرج الكندي (إكسافير دولان) وهو عنده 26 سنة أصبح يعتبر من المخرجين ذوى الأهمية فى خريطة السينما، وتقاسمه جائزة لجنة التحكيم في مهرجان (كان) اللي فات مع المخرج الكبير (جان لوك جودار) البالغ من العمر 84 سنة له دلالات قوية ولو بشكل غير مقصود، وفيلمه الحائز على الجائزة (ماما) هو محاولة جريئة على المستوى الأسلوبي والشعوري لحكاية قصة بسيطة.

تدور أحداث الفيلم عن ''الإنسان'' فى أكثر حالاته تجريدًا، وبوعى شديد وقدرة على التحكم في الأدوات ينسج المخرج/السيناريست نسيجًا دقيقًا حول الاحتياج البشرى، الابن المراهق المصاب بمرض نقص الانتباه وفرط الحركة، بسبب قوانين الحكومة بقى محتاج لأمه اللي هترعاه في البيت لعدم قدرتها على إدخاله مكان مناسب للعلاج .. وبيبان بعد شوية إن الأم كمان في حاجة لابنها اللي بدأ يدخل في طور الرجولة وممكن تعتمد عليه في استقرار حياتها، والجارة اللي عندها صعوبة في الكلام في أمس الحاجة للصحبة المكونة من الأم وابنها بكل تعقيداتهم ومشاكلهم اللي بتبعدها عن مشاكلها الشخصية وتدريجيًا بتتحسن حالتها وتزيد ثقتها في نفسها.. الأبطال محطمين وفي سعى دائم لاستعادة الاتزان أمام المشاكل النفسية والاقتصادية والاجتماعية، وبشكل مش كئيب ومش سوداوي بقدر ما هو إنساني وحيوي.. كل البشر في مرحلة ما بيبقوا محتاجين للمساندة بشدة، وده لا يدعو للاكتئاب، لكن للتعاطف والتماهي مع أبطال الفيلم والغوص في حياتهم.

باقتراب النهاية، بنشوف تتابع بتتخيل فيه الأم حياتها لو مشيت بشكل مستقر مثالي، والنوع ده من التتابعات – اللي شبهه صديق بإعلانات شركات خدمات المحمول – قد يكون تقليدي أو مرفوض فى سياقات كتير، وممكن يفصلك عن عالم الفيلم بشكله البراق الاصطناعي.. لكن هنا، ولسبب مجهول، بيشتغل .. وبقدر استمالة المخرج ليك طول مدة العرض للتوحد مع أزمة الأبطال، بييجي التتابع ده وكأنه من جواك إنت كمتفرج، وكأنه أمنيتك ليهم إن حياتهم تكون أحلى، فى سلسلة من النجاح والسعادة خالية من الشوائب، حتى برغم يقينك الداخلي بإن الدنيا مش بالبساطة دى.

الاختيار الأغرب في الفيلم هو أبعاد الصورة السينمائية، تم تنفيذ الفيلم بنسبة 1:1 بمعنى إن الصورة مربعة تمامًا مش مستطيلة كعادة الأفلام، عشان أقرب الصورة لخيالكم دي نفس نسبة صور برنامج Instagram.

اختيار صادم ومثير للدهشة، وعلى قدر علمي محدش استخدمه فى فيلم روائى طويل قبل كده، وخلاني تلقائيًا أفترض إنه اختيار له علاقة بالمعاصرة والتعبير عن الزمن الحالي، وكأن الشاب المراهق (بطل الفيلم) بينقل لنا العالم من عينه المعتادة على التكوين العجيب ده من الصور المنتشرة دلوقتى.

بس الحقيقة إن الموضوع مالوش دعوة بكده خالص، الاختيار ده فى الأساس بيلعب وظيفتين بيظهروا بوضوح مع استمرار عرض الفيلم، أولاً: الصورة المربعة طول الوقت مناسبة لتكوين كادر يحمل وش إنسان بس، بدون أى إضافات خارجية ولا ظهور للبيئة حواليه، بسبب الكادر المربع كانت فيه لقطات كتيرة مقربة، وإحساس لدى المتفرج إنك برغم إرادتك مركز مع ملامح الأبطال وتعبيراتهم اللى بتملى الكادر، وبتصب في ''إنسانية'' الفيلم بوضوح.

ثانياً: في أوقات كتيرة بتلعب حدود الكادر دور الإطار الخارجي المفروض على أبطاله، المحبوسين جواه، النسبة دي مش مريحة لعين المشاهد المعتادة على الصورة التقليدية، وطول الوقت بتحسسه إنه مش شايف كل حاجة، ومش قادر يتحرك بعينه فى الكادر بحرية، والمخرج بيأكد ع المعنى ده بإن في أوقات السعادة البطل نفسه بيحرك إيده فبتتمدد حدود الكادر تدريجيًا للصورة العادية المستطيلة اللي بيظهر فيها البيئة المحيطة والأبطال الآخرين وبيريح عينك كمتفرج، قبل ما يرجع تانى للتكوين الخانق بعد شوية.

معظم اختيارات الفيلم من شكل الصورة أو تطور السيناريو أو استخدام الموسيقى بكثافة بتنافي الشائع في السينما (الجيدة)، وبعضها لو عمله مخرج تانى فى سياق تانى هيبدو مبتذل ومحاولات استعراضية تقلل من الفيلم .. لكن الفوضى دي والاختيارات الغريبة لايقة هنا على روح الفيلم وبتضيف ليه عكس المتوقع! .. بتخليه مش بس تجربة إنسانية ناضجة لكن كمان تجربة فنية جديدة وكاسرة للملل، بالظبط زى بطل الفيلم اللى برغم من إثارته للمشاكل وأخطاؤه إلا إن ماحدش يقدر ينكر إنه بيضيف روح وتجديد على حياة المحيطين بيه.

تحفظي الوحيد على الصورة في الفيلم، هو إنها كلاسيكية من حيث الإضاءة والتكوين والألوان على عكس نسبة الإطار الجديدة، مع إنها كانت فرصة متاحة لمدير التصوير إنه يصمم تكوينات وإضاءات ومؤثرات تستغل التجديد ده.. حتى إني لاحظت إن الصورة مش شبه الأفلام الرقمية الجديدة وتقارب التصوير السينمائي التقليدي على خام 35 ملم، وبالرجوع للإنترنت تأكد ظني، المخرج ومدير التصوير اختاروا التصوير بالخام السينمائي لفيلم هيتعرض بنسبة لم توجد إلا بعد التطور الرقمي الجديد. وده تناقض مش مفهوم بالنسبة لي! ومالوش علاقة مباشرة بالفيلم وموضوعه. ومش فاهم هل الإرباك البصرى ده غير مقصود، ولا هو جزء من حالة التناقض العامة اللي بيثيرها الفيلم فيك طول الوقت – بشكل لا شعوري – من التنقل من حالة لأخرى ومن إحساس للتانى.

لكن من المؤكد إنها كانت رحلة سينمائية استثنائية وعاصفة مع مخرج لا يلتزم بالمفروض، ومع الأبطال التلاتة خلال بحثهم عن داخل نفسهم وداخل الآخرين عن اتزانهم المفقود.

ssss

 لقطة من فيلم ماما للمخرج الكندي إكسافير دولان

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان