لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كان ليبرالي وراح.. أحقا؟

الدكتور عمرو حمزاوي

كان ليبرالي وراح.. أحقا؟

03:26 م الإثنين 27 أبريل 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – عمرو حمزاوي:
انتظرت إلى أن تنحسر موجات المزايدة على أفكاري وآرائي التي تلت حوارين تليفزيونيين مع الأستاذ عمرو أديب والأستاذ خيري رمضان ومقالات الرأي في الأيام الأخيرة، لكي أعود إليكم بشيء من التعقيب على ما حدث وبالكثير من التساؤلات أوجهها إليكم.

لا أنكر أيضا إنني أردت من الانتظار الامتناع عن التعقيب في لحظة شخصية سيطر عليها من جهة أولى الإحباط بعد "صدمة" المزايدة، ومن جهة ثانية الشعور السلبي وغير الصحي بكون التفكير النقدي غير مرغوب به من قبل بعض الأوساط المنتسبة للمعارضة غير المستتبعة وللفكرة الديمقراطية، ومن جهة ثالثة انطباع أرفض الاستسلام إليه مفاده أن الحوار العقلاني والموضوعي واحترام الاختلاف وقبول الرأي الآخر جميعها عناصر أصبحت خارج حساباتنا في مصر – ورفض الاستسلام هنا مصدره الثقة في وعيكم ووعي عموم الناس، والتشبث بالرفض نابع من كون توابع الاستسلام حتما ستفرض الابتعاد عن المجال العام والانسحاب من الشأن العام دون رجعة والاكتفاء بالحياة الأكاديمية إن هنا أو في أي مكان آخر.

انتظرت، والآن أكتب دون هذه القراءة السلبية، ومبتغيا أن نتحرك جميعا خطوة إلى الأمام.

أسئلكم مخلصا، لماذا تزايدون؟ أين "تراجعاتي" الكثيرة إن عن مواقف سابقة أو عن الفكرة الديمقراطية؟ وأين مصالحي الشخصية التي يتهمني البعض زيفا بالسعي وراءها ووراء "الشاي بالياسمين"، وكم مرة رميت "بشرب الشاي بالياسمين" وثبت خطأ الاتهام وسخف مطلقيه؟ أين مصالحي الشخصية هذه؟ هل تظنون إنني عازم على الترشح في الانتخابات البرلمانية؟ عبثا تظنون. هل تظنون إنني خائف من منع يتجدد من السفر أو من نوع آخر من العقاب؟ عبثا تظنون، فقد كنت أستطيع بعد رفع المنع من السفر الذهاب مع أسرتي إلى ولديي في ألمانيا والاستقرار هناك أو في جامعة محترمة في أي مكان آخر إن أردنا، غير أن قرارنا هو البقاء في مصر. هل تظنون إنني أسعى إلى دور يتجدد في الحياة السياسية؟ عبثا تظنون، فمصر اليوم وكما سجلت مرارا لا سياسة بها، ولست إلا براغب في مواصلة دوري في توظيف مساحة الكتابة المتاحة لي في المجال العام لمواجهة السلطوية الجديدة وتجديد خطاب الحركة الديمقراطية وتحفيزنا جميعا على التفكير.

نعم، أنا أميز ومنذ اللحظة الأولى بين 30 يونيو 2013 وبين 3 يوليو 2013، بين حراك شعبي شاركت به كان له مطلب ديمقراطي هو الانتخابات الرئاسية المبكرة وبين خروج على الآليات الديمقراطية رفضته دون صمت أو مساومة وتدخل للجيش في السياسة أعقبه إماتتها كنشاط سلمي وحر وتعددي وهيمنة للمكون العسكري-الأمني على إدارة شئون البلاد عارضتهما علنا موظفا المساحة المتاحة لي في المجال العام.

أسئلكم مخلصا، هل جاء في حوارات التليفزيون أو في مقالات الأيام الماضية ما يفيد التراجع عن هذا الموقف؟

نعم، أنا ومنذ اللحظة الأولى ضد المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات التي تلت 3 يوليو 2013 وتورطت بها مؤسسات وأجهزة الدولة، وضد استباحة الدماء التي شهدها فض اعتصامي رابعة والنهضة، وضد الممارسات القمعية والتعذيب وإجراءات العقاب الجماعي والعصف الرسمي بسيادة القانون وتجاوزات الأجهزة الأمنية، وضد التعامل بمعايير مزدوجة مع انتهاكات الحقوق والحريات – فنصمت عنها حين تتجه لجماعة الإخوان ومؤيديها وحين لا تميز بين معارضين مسالمين وبين من يحملون السلاح ويحرضون على العنف ويمارسونه، وندينها حين تتجه لشباب أو طلاب أو فاعلين في المجتمع المدني يصنفون كثوريين أو يساريين أو ليبراليين.

وأنا أيضا ضد التبرير الفاسد للإرهاب وللعنف، وأرى في إدانتهما وإدانة استباحة الدماء في سيناء وأماكن أخرى وإدانة سقوط شهداء من القوات المسلحة ومن الشرطة ومن بين صفوف المواطنين من جراء الإجرام الإرهابي واجبا وطنيا. وكما أطالب بعدالة انتقالية تحاسب على نحو قانوني منضبط واعتيادي (وليس في محاكم استثنائية) المتورطين في الانتهاكات والقمع، أطالب بمواجهة للإرهاب تلتزم بسيادة القانون وتمزج بين الأدوات العسكرية والأمنية وبين الأدوات القانونية والتنموية والمجتمعية.

أسئلكم مخلصا، هل جاء في حوارات التليفزيون أو في مقالات الأيام الماضية ما يفيد التراجع عن هذا الرأي؟

نعم، أنا أطالب سلميا وعلنيا بتعديل المواد الدستورية غير الديمقراطية – مواد الوضعية الاستثنائية للمؤسسة العسكرية ومحاكمة المدنيين عسكريا، وسلميا وعلنيا بتعديل القوانين والتعديلات القانونية السلطوية التي مررت منذ صيف 2013 – إلغاء الحد الزمني الأقصى للحبس الاحتياطي وقانون التظاهر وتعديلات قانون العقوبات وقانون القضاء العسكري وقانون الإرهاب والكيانات الإرهابية، وأقف ضد الإجراءات القمعية والعقوبات السالبة للحرية وغياب ضمانات التقاضي العادل والضغوط السلطوية المتتالية على المجتمع المدني بمنظماته الحقوقية وغير الحكومية، وضد فرض الرأي الواحد والصوت الواحد عبر منظومة الحكم / السلطة والنخب الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة معها وعبر وسطائها من طيور الظلام تارة لتمرير المظالم والانتهاكات وتارة لتبرير هيمنة المكون العسكري-الأمني على شئون البلاد وتعطيل حرية المواطن في الاختيار إن إزاء مرشح الضرورة الرئاسي وقت الانتخابات الرئاسية أو الآن إزاء رئيس الضرورة، الحاكم الفرد مجددا.

وأنا أيضا مع الإقرار بأن إجراء الاستفتاء على الدستور وتنظيم الانتخابات الرئاسية - وعلى الرغم من نواقصهما الديمقراطية العديدة - منحا منظومة الحكم / السلطة مشروعية قانونية وترجما تأييدها لدى قطاعات شعبية مؤثرة يتعين الامتناع عن الاستعلاء عليها، وبأن النتائج الحتمية لهذين العاملين ومعهما مقتضيات الحد من حالة الاستقطاب المجتمعي التي لم نشهدها من قبل ومنع انهيار السلم الأهلي وحماية مصر من الانزلاق إلى دوامات الحرب الأهلية والحفاظ عليها وسط انفجارات إقليمية متتالية هي:

1) ابتعاد المعارضة غير الملتحقة بالحكم (وليس المعارضة المستتبعة طلبا للحماية أو للعوائد) وابتعاد الحركة الديمقراطية (وعيا وليس خوفا أو تراجعا أو بحثا عن ملاذات آمنة من القمع الرسمي) عن حديث "إسقاط النظام" والتركيز في عملها السلمي والعلني على شروط وخطوات إيقاف المظالم والانتهاكات وتطيق العدالة الانتقالية والانتصار لسيادة القانون، وعلى شروط وخطوات استعادة مسار تحول ديمقراطي حقيقي يواجه طغيان الإدارة الأمنية لشئون البلاد ويضمن تداول السلطة ويسعى لإحياء السياسة من مواتها (المرشح للاستمرار بعد انتخابات برلمانية ستسيطر عليها مؤسسات وأجهزة الدولة ويديرها المال السياسي) - ومن ثم النجاة بمصر من السلطوية الجديدة التي أواجهها ومنذ اللحظة الأولى ولن أؤيدها أبدا؛

2) يلي ذلك ضرورة مزج المعارضة والحركة الديمقراطية بين العمل على هذه القضايا الكبرى وبين الاهتمام بتفاصيل القرارات والسياسات العامة، والاشتباك الموضوعي والإيجابي معها دون الانزلاق إلى عنتريات الرفض الدائم – على سبيل المثال وخلال الأسابيع الأخيرة، رأيت أن صانع القرار الرسمي لم يكن أمامه بعد ذبح المصريين الأقباط في ليبيا من بدائل غير توجيه ضربة عسكرية سريعة ومحدودة، ورأيت أن تنظيم المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ اتسم بالنجاح وأن مسئوليتنا هي متابعة نتائجه والتحذير من التداعيات السلبية لغياب رؤية حكومية للتنمية المستدامة وللسياسة الاجتماعية ولاستمرار الانحياز لرؤوس الأموال الكبيرة على حساب الاستثمارات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ولتواصل ولع الحكم / السلطة بالمشروعات الكبرى، بينما كتبت أكثر من مرة ضد التعذيب والانتهاكات الأخرى وطالبت بمحاسبة المتورطين وعارضت الحرب على اليمن ومن ثم الدور العسكري المصري فيها وسجلت رفضي لغياب الشفافية بشأن تفاصيل الدور المصري؛

3) على المعارضة والحركة الديمقراطية أيضا المزج بين القضايا الكبرى وبين ضرورة الاقتراب اليومي من المواطن والاشتباك الإيجابي مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية ومع ظروفه المعيشية.

إذن، لماذا تزايدون؟ لماذا تروجون لمزايدات البعض في اليمين واليسار ممن صمتوا دهرا عن الخروج على الإجراءات الديمقراطية في صيف 2013 وصمتوا عن تخويني وتخوين غيري ممن غردوا بعيدا عن السرب؟ لماذا تزايدون، وبعضكم أنتم صمت طويلا عن انتهاكات الحقوق والحريات وتعامل مع دماء فض الاعتصامات بمعايير مزدوجة، ونفر آخر منكم لم ينبه إلى خطر السلطوية الجديدة إلا بعد أن أسس لها وبعد أن تعددت الأصوات التي تقاومها واليوم يوظف أفكار وآراء بل ومفردات لغوية استخدمتها منذ صيف 2013 ويقحم ذاته على نقاشات دائرة ويزايد وينتج الكثير من الصخب والضجيج طلبا لمصداقية أودى بها صمت البدايات؟

نعم، أنا ضد المعارضة من الخارج لأن حقائق جغرافية وتاريخ مصر تلغيها ولأن سمات مجتمعنا دوما ستنزع عن التنظيم السياسي من الخارج المصداقية وشرعية القبول الشعبي وتحيلها إلى خانات الأوهام.

وأوهام المعارضة من الخارج، وقد سجلت ذلك أكثر من مرة، تختلف جذريا عن ممارسة المصريات والمصريين المقيمين في الخارج للحق الطبيعي والمشروع في الاهتمام بالشأن العام والتعبير السلمي والحر والعلني عن الرأي المعارض والناقد لما آلت إليه الأوضاع في مصر – وهو الحق الذي يمتد بالقطع لغير المصريين أيضا لأننا لا نسكن العالم بمفردنا، وأوهام المعارضة من الخارج تختلف جذريا عن الحق الطبيعي والمشروع للمنظمات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية المصرية والعالمية في إدانة المظالم والانتهاكات والمطالبة بإيقافها وإيقاف الإفلات من العقاب، وأوهام المعارضة من الخارج تختلف عن إسهامات الكتاب والمفكرين والأكاديميين المهتمين بالأحوال المصرية من الخارج – وبينهم مصريون وكثير من غير المصريين – والتي تربط بين نقاشنا المحلي وبين النقاشات العالمية ويتميز بعضها بموضوعية تضيف لمعرفتنا ولعلمنا ولا تنتقص منهما أبدا شريطة عدم ادعاء أصحابها احتكار الحقيقة المطلقة أو التورط في ممارسة الاستعلاء على النقاش المحلي بعبارات مقتضبة أو بصيغ أقرب إلى "نحن نعرف ونعبر عن الرأي بحرية، وأنتم لا تعرفون ولا تقدرون على التعبير الحر" وهي في عموميتها غير دقيقة.

أنا، لذلك، مع جر الخطوط الفاصلة القاطعة بين المعارضة والحركة الديمقراطية الفاعلتين من داخل مصر - وليس من داخل منظومة الحكم / السلطة أو من مواقع تأييدها - وبين أوهام المعارضة من الخارج دون تردد أو مساومة.

إذن، لماذا تزايدون؟ لماذا تعطون بعض مروجي أوهام المعارضة والعمل السياسي من الخارج مساحات لمزايداتهم الرديئة، وتسمحون لبعض حلفاء السلطوية الجديدة وبعض طيور ظلام الداخل بتوظيف أشد رداءة لذات المزايدات؟

نعم، أنا ضد امتناع المعارضة غير المستتبعة والحركة الديمقراطية عن ممارسة النقد الذاتي، عن الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت خلال السنوات الماضية وأفقدتنا الكثير من التعاطف الشعبي والتي تناولتها بالتحليل مرات عديدة، عن العمل على تجاوز وضعية التهافت والركود الفكري الراهنة بمواجهة الواقع والبحث عن سبل حقيقية لاستعادة مسار تحول ديمقراطي والنجاة مصر من السلطوية الجديدة ومواجهة الخلط المستمر بين الدين والسياسة، عن المزج بين سيادة القانون والحقوق والحريات والديمقراطية والعدالة الانتقالية وبين مقتضيات التنمية المستدامة والعيش المشترك والأمن وتماسك الدولة الوطنية.

ولهذا، أحاول مراجعة نفسي وأجتهد لممارسة النقد الذاتي علنا وأعترف بأخطائي دون تنازل عن مبادئي، وأبحث عن تجديد الخطاب الديمقراطي دون تراجع عن القيم الحاكمة للفكرة الديمقراطية، وأثق أن الانتصار الفعلي لها لن يتأتى إلا على المدى المتوسط أو الطويل.

إذن، لماذا تزايدون؟ وإذا كنتم ترفضون مكارثية الصوت الواحد والرأي الواحد المفروضة رسميا وعبر النخب المتحالفة مع الحكم وعبر وسطائهم من طيور الظلام، فكيف تقبلون بل وتروجون لمكارثية بديلة تحسب نفسها عبثا على المعارضة والديمقراطية وترفض التفكير والنقد الذاتي وتتعبد يوميا في محراب التهافت والركود وتخرج على الناس بأختام النقاء الثوري والحرية الزائفة وتتهم أصحاب الرأي الآخر إما بالخيانة أو بالانسحاب لاتقاء القمع أو بالتراجع لإيثار السلامة؟ كيف تقبلون بل وتروجون لمكارثية من يرون في "المزايدة" وسيلة وحيدة لجذب الانتباه العام وفي تسفيه الرأي الآخر بديلا عن التعبير عن أفكار وآراء واضحة المعالم وفي حمل الأختام الزائفة وتوزيع الاتهامات الزائفة وإنتاج الضجيج الفاسد مهمتهم الوحيدة؟ كيف تقبلون وتروجون لمكارثية من صمتوا في بدايات السلطوية الجديدة وبعضهم شارك فيها ويدعون اليوم من "ملاذات آمنة" احتكار الحقيقة المطلقة ويمارسون الوصاية على الآخرين ويقحمون أنفسهم على الأفكار والآراء الأخرى بوصمها بما ليس فيها؟
أسئلكم مخلصا، لماذا؟

إعلان

إعلان

إعلان