رهبة ومشاعر مختلطة، سيطرت على الدكتورة ميرنا رضا، عند تفكيرها في كفالة طفل: "الموضوع يمكن مكنش سهل خالص، وله رهبة كبيرة ومشاعر متلخبطة، حمل تأخر 4 سنين، وبعد ما أقدم على الكفالة أعرف إني حامل".
تستعيد ميرنا بدايات الفكرة، والتي كانت خلال فترة الخطبة، حيث عرض عليها محمد خطيبها حينها وزوجها الآن، فكرة الاحتضان، لكنها لم تكن تدرك حينها كامل الأثر الذي سيتحقق من احتضان طفل: "يعنى إيه الإنجاز اللي بعمله!" كان رد خطيبها آنذاك: "قالي يمكن كفالتنا لطفل مش هتغير العالم، لكن بالنسبة للطفل ده العالم وحياته كلها هتتغير".
وقتها اقتنعت ميرنا بالأمر، لكنها لم تتحمس له، وفضلت تأجيله: "قولت نخلف الأول وبعدين نحتضن طفل بعد كدا، ومع تأخر الإنجاب حسيت إن مكنش ينفع أربط رزق زي الاحتضان، برزق تاني زي الإنجاب".
حسمت الصيدلانية التي تقيم بمنطقة الشيخ زايد أمرها، وقررت عن قناعة استكمال رحلتها للاحتضان، ولم تكتف بذلك بل اختارت البحث عن أضعف فرص الكفالة لدى الأطفال، لتكون البذرة أو النواة لنشر فكرة احتضان الذكور بعد تضاؤل فرصهم في الحصول على أسرة مقارنة بالإناث:
في الأول لما قررنا نكفل كان هدفنا تكون دي أفضل فرصة للطفل اللي هنكفله وبصينا على أضعف فرص الكفالة لقينا الأولاد الذكور فرصهم أقل من البنات، خاصة أطفال دور الرعاية الصحية.
أجرت ميرنا جميع المقابلات المتعلقة بالكفالة خلال فترة حملها، كما تروي: "كل المقابلات كانت في أواخر شهري الثامن". وبعد أيام وضعت مولودها الأول سليمان، الذي لم يكن مكتمل النمو، ليقضي أيامه الأولي دخل الحضانة.
بدأت عبارات اللوم والتخويف من المحيطين بـ"ميرنا" تتجدد: "مش قلنالك الموضوع صعب وابنك محتاج رعاية، والحياة مش وردي زي ما أنتِ مُتخيلة".
كانت تلك الأيام صعبة على ميرنا الأم الجديدة: "متلخبطة وخفت خوف حقيقي لأول مرة"، وفيها زادت المسؤولية والإحباطات، كما تروي، لكنها قررت الاستمرار في إنهاء إجراءات الكفالة.
وتعلقت الخطوة التالية بإجراء مُقابلة مع لجنة الأزهر ووزارة التضامن بعد خروج طفلها سُليمان من الحضانة، تقول ميرنا: "الحمد لله اتوافق علينا وحصلنا على جواب المشاهدة، اللي نقدر بيه نشوف طفلنا ويكون معانا".
لم تتوقف محاولات إقناع ميرنا بالعدول عن الأمر والتراجع عن فكرة الاحتضان: "كلمتني واحدة صاحبتي قالتلي دا أكتر وقت الست بتبقى فيه ضعيفة بعد الولادة، ومع تعب البيبي أوعي تاخدي قرار غلط تندمي عليه عمرك كله"، ليسيطر عليها التردد من جديد.
تجاوزت ميرنا محاولات إثناءها عن قرارها بشأن الكفالة: "فكرت بعدها يعني هو ربنا لو كان رزقني بتوأم هبقي بظلمهم أو ينفع أرجع واحد فيهم.."، لتبدأ البحث عن ابنها الثاني شقيق سليمان.
اختارت ميرنا اسم داوود قبل أن تختار الطفل، الذي خاضت رحلة إيجاده من خلال منصات السوشيال ميديا المُهتمة بالاحتضان في مصر، وانتقلت بعدها إلى البحث داخل دور الرعاية.
ازدادت الأمور صعوبة على ميرنا في عملية اختيار ابنها بالكفالة: "كل ما كنت بشوف طفل أنهار وأعيط، قلبي واجعني ومش عارفة هختار بناءً على إيه ومحمد يسألني طيب إيه؟ أقوله مش عارفة للأسف كل الأطفال اللي قابلناها كان عمرها فوق السنة وإحنا كنا مقررين يكون أصغر عُمر علشان يتربى مع سُليمان".
ترددت ميرنا مع زوجها على 3 أماكن حتى وجدت داوود ابنها بالكفالة رفيقا لأخيه سليمان ابنها البيولوجي: "كنت طول رحلة البحث بدعي.. وبقول هعرفه إزاي يعني؟ هحس بيه إزاي؟ وهيحصل إيه؟ ومش بعمل حاجة غير إني بدعي بس".
وصلت ميرنا لدار أيتام كانت قد زارتها من قبل أكثر من مرة: "نزلولي 3 أولاد كلهم سنة فيما فوق، سألت هل في عمر شهور؟، قالوا لأ، لحظتها داوود كان مع أسرة تانية والمُشرفة واخداه وطالعة شفته وجيت أسلم عليه فضل يلعب معايا ويضحك وراح حاضني.. وهنا قلبي اتخطف وشعُرت بأن الصلة بينا قوية كأننا كنا مع بعض طوال حياتنا".
أحست ميرنا بالحزن حينما سمعت مسؤولة الدار تقول إن داوود مع أسرة أخرى لكنها سترد بموقفها غداً لحسم قرارها بشأن كفالته من عدمها، لكن عاطفة ميرنا طغت على ملامحها بدرجة لاحظتها المسؤولة: "شافت في عيوني اللهفة، سمعتها تاني قالتلي أنت لو خلاص أكيد هتاخديه هدبسلك جواب المشاهدة في ورقة ويبقى ابنك".
بدأت ميرنا ممارسة دور الأم بالنسبة لداوود: "قلبي طار وفضلت أحضنه وادوني أرضعه وأكلته، كنت بروحله زيارة في الدار لحد ما ورقه يخلص، ولما أروح البيت أفضل وأنا بنيّم سليمان أعيط وابني التاني بعيد عني وأسأل نفسي: يا ترى مين بينيّمه ويأكله؟"، حتى انتهت جميع الإجراءات وتسلمت طفلها.
لم تفكر ميرنا ولو للحظة في التفرقة بين داوود "ابن بالكفالة" وسليمان "ابن بيولوجي"، بل على العكس، وجدت مع داوود أن كل شيء له إحساس مختلف: "كل حاجة معاه ليها طعم تاني وأول مرة من كل حاجة، أول خطوة وأول مرة يقول ماما وأول حضن، وحنيّته على سليمان أخوه الصغير اللي شايفه بيبي وضحكته منوره حياتنا وبتخطف قلوبنا، فرحتي ما تتوصفش وهما بيلعبوا سوا وبيكبروا قدامي، الحمد لله كان أحسن وأعظم قرار في حياتي".