سرت رجفة في جسد هبة عبدالرؤوف حين أُعلن تحويل المستشفى الذي تعمل به في أسوان إلى عزل. تريثت الممرضة قبل الانضمام لصفوف الطاقم الطبي، تضاعفت مخاوفها حينما رفض أهلها الذهاب إلى مستشفى العزل. بدأت أول مجموعة من فريق التمريض ومن بُعد أخذت تتابع صاحبة الـ27 عامًا ما يجري، تُحدث نفسها كل ليلة ثمة واجب عليها تأديته، لكن مع متابعة أنباء الإصابات في صفوف الفريق الطبي دّب الخوف مُجددًا بداخلها: "لو الفريق الطبي اتصاب واللي زيي مراحش، أومال مين هيعالج المرضى؟".
كل يوم يطّن التساؤل بعقل الشابة صاحبة الـ27 عامًا، تؤنّب نفسها؛ لتراجعها عن الذهاب: "صحيح مرض مجهول مش عارفين علاجه بس ما صحابي بيواجهوه أهه". نقطة تحول مرت بها الممرضة العشرينية، زادها تشجيعًا صمود رفاقها في فريق التمريض، وبعد مضي 14 يومًا كانت ضمن صفوف الفريق الثاني المنضم لمستشفى العزل التخصصي في أسوان.
لليوم الأول رهبة في نفس عبدالرؤوف، أخذت بجسدها الضئيل تتعرف على التفاصيل الجديدة للمستشفى، استقبلها رفاقها بالترحاب، نالت تدريبًا على كيفية حماية نفسها من العدوى، رغم ذلك لم يفارقها الخوف حتى أنها لم ترغب في أول ليلة لها الدخول لغرف المصابين، لكن مع صباح اليوم التالي استعدت لمهمتها الجديدة، حالة مهيبة انتابت الأجواء بينما دقات قلبها تتسارع وهي ترتدي بدلة العزل الطبي: "كانت كبيرة عليا بسبب قصر قامتي"، كسر ذلك من التوتر حينما دخل رفاقها في نوبة ضحك فذابت معها مخاوف الممرضة الشابة.
فاجأت هبة رفاقها بصمودها، مجموعة تلو الأخرى تُغادر بعد 14 يومًا لاستقبال طاقم جديد وهي ثابتة لا تنوي الرحيل، مر شهر ونصف الشهر على هذا الحال: "أنا نفسي مكنتش متخيلة إني هقدر أكمل المدة دي بشكل متواصل"، كلما زارها الخوف وجدت من يهوّن: "كلنا في مركب واحد أنا وزمايلي، مبقاش في مجال للخوف".
تناوبت خمس مجموعات على مستشفى أسوان للعزل وهبة باقية حتى عيد الفطر في مايو 2020، قررت أن تقضيه وسط عائلها، لكن ما إن خرجت من أرجاء العزل وسكنها الخوف مجددًا، لكن هذه المرة على أسرتها، غيّرت من مسار طريق العودة، ذهبت إلى شقة غير مأهولة تملكها العائلة وظلت مُرابطة 14 يومًا وحدها في المكان: "كانت فترة صعبة، قاعدة لوحدي وأهلي كلهم سوا، والمخاوف بتزيد كل يوم من إني أكون اتصبت".
انقضت مدة العزل الذاتي الذي فرضته الشابة على نفسها، ذهبت لرؤية أهلها؛ لقاء فاتر لا يليق بالشوق، لا أحضان أو سلامات، لكنها رضيت برؤيتهم والاطمئنان على استقرار صحة والديها، ثم ما لبست وعادت مجددًا لمستشفى العزل، تؤدي مهمة تقدمت لها طواعية. في أرجاء المكان ما زال الخوف يطوف بأشكال شتى في يوم الممرضة العشرينية: "في نظرات المصابين لينا، نظراتهم لبعض. أوضة واحدة ممكن تجمع زوج وزوجة لكن بيبقوا خايفين من بعض وعلى بعض"، بإيمان تنزح الممرضة العشرينية الخوف عن نفسها، تطرد هواجس تشتتها عن عملها: "ده دوري ولازم أكمله للنهاية".