21 يومًا قضاها محمد حسني في مستشفى العزل بالعبور، مرت كسنواتٍ، لم يُفكر طبيب التخدير في نفسه مثل خوفه على أسرته: "مراتي كانت حرارتها مرتفعة ومش عارف أطمن عليها بصورة كويسة"، لم يكن متأكدًا إذا ما نقل لها عدوى فيروس "كورونا" أم لا؟، تمنّى لو يبقى بجانبها: "كانت أصعب فترة في حياتي"، تجاوز الطبيب العشريني محنة المرض، عاد لعمله بالرعاية المركزة لمستشفى الدمرداش، لكن الخوف لا يفارقه: "إني أعدي حد من أهلي".
اعتاد حسني على المخاطر، منذ تخرجه في جامعة عين شمس وتخصصه كطبيب تخدير: "وأنا عارف إننا معرضين لدا"، كان مكانه في مستشفى الدمرداش، والذي رغم عدم تحويله لمستشفى عزل: "إلا إنه بيستقبل حالات اشتباه وأنا اتعديت أثناء شغلي هناك"، راهن الطبيب على وعي الناس منذ اليوم الأول: "وكنا عارفين إنه لو الناس مش بتخلي بالها مفيش حاجة هتقلل الإصابات"، عايش حسني إصابات عديدة في محيط زملائه، حتى باغتته الأعراض قبل عدة أشهر: "وقتها مرجعتش البيت، فضلت لحد ما عملت مسحة وطلعت إيجابية"، أخبر حسني زوجته، كتم انزعاجه: "تمنيت مكونش نقلت لها حاجة هي أو ابني الصغير"، انتقل الطبيب لمستشفى العبور لتلقي العلاج، باغته خوف من نوع آخر: "كوني بشوف تطور المرض في بعض الحالات وعارف الأعراض فدا كان مخوفني"، لحسن الحظ لم تتطور حالة حسني كثيرًا: "الحمد لله ربنا سترها معايا والأعراض كانت مقدور عليها".
لم يكن العزل يسيرًا، حاول حسني تسلية الوقت بإحضار اللاب توب الشخصي وتصفح الإنترنت: "بس كنت كل ما بسمع إن فيه حالة دخلت العناية المركزة بكون عايز أجري أساعد"، هوّن اتصال زملائه به العُزلة: "كانوا بيطمنوا دايما عليا وأساتذتي في الكلية كمان"، كانت قدرته على التعامل مع الخوف مرتفعة حتى علم من زوجته بارتفاع حرارتها وابنه: "مكنتش عارف أتصرف إزاي.. أروح لها إزاي ولا أعمل إيه؟"، تضرع إلى الله ألا يتجاوز الأمر أعراضًا خفيفة، ظل على اتصال دائم مع أهل بيته حتى تأكد أنها تجاوزت المرحلة الصعبة وباتت أفضل، حينها فقط عاد للقلق على نفسه، لم يتوقف عقله عن التفكير: "مكنتش عارف اتعديت إزاي ودا كان مرعب"، أخذ يفكر مرارًا: "أشوف مين قرب مني من اللي جم يكشفوا، مين لمست حاجة من حاجته؟.. أفكار ووساوس مبتقفش".
رغم صعوبة التجربة "بس دا داير على كل الأطباء مش أنا بس"، فمن لم يُصب منهم أو يتعرض للإصابة: "بيبقى خايف يروح عشان ميعديش عيلته"، حين أجرى تحليلاً: "والعينة طلعت سلبية مرتين ورا بعض"، وقتها قابلته حيرة أخرى: "أرجع للشغل ولا أستنى شوية؟"، لم يحتج حسني وقتًا طويلاً للتفكير، رجع لمكانه بمستشفيات جامعة عين شمس.
تأقلم حسني مع الموجة الأولى ويفعل ذلك مع الثانية "كل الدكاترة بيغزلوا برجل حمار وبالإمكانيات المتاحة"، لا يُخفي انزعاجه من موجات الغضب الموجهة ضدهم أحيانًا: "لو مريض دخل مستشفى ملقاش فيها سرير بيتخانق مع الدكاترة.. طب إحنا ذنبنا إيه؟ إحنا معرضين للخطر ومع ذلك موجودين ودا شغلنا"، لا يطلب الشاب اعترافًا بأهمية دورهم: "أد ما إنه الناس توعي بعضها وتساعدنا نعمل شغلنا"، ما زال قلقه على أسرته يقظًا، يتأكد من تعقيم نفسه جيدًا عدة مرات قبل الرحيل عن المستشفى، ومع ذلك لا تتركه الهواجس.
المصدر: منظمة الصحة العالمية