رحلة محمود الخطيب من النجاة الأولى إلى بيبو

كتب: محمد القرش

وصل الأسطورة محمود الخطيب إلى عامه الـ70 رئيسا للنادي الأهلي محققا نجاحات غير مسبوقة كمال فعل عندما كان لاعبا لكرة القدم، وجاء كل ذلك عقب العديد من الصعوبات والأزمات التي مر بها منذ أن كان في رحم أمه مرورا بإصابات الصغر وصدمة وفاة والدته.

سبعون عاما من البطولات والإنجازات والمساهمات الغالية في تاريخ النادي الأهلي والكرة المصرية، ساحرا الجماهير كلاعب كرة قدم وعضو مجلس إدارة وأمين صندوق ونائب رئيس ورئيس.


النجاة بالصرخة الأولى

الزوجة حامل وعدد الأبناء وصل إلى 9، وعم إبراهيم رب الأسرة تصله نصيحة من وصفى باشا بأن يذهب مع زوجته إلى الطبيب لتنظيم الإنجاب "إجهاض الطفل" بسبب ظروف المعيشة الصعبة لأسرة تتكون من 11 فرد.

وبالفعل اصطحب إبراهيم الخطيب زوجته إلى الطبيب يوسف جوهر في عام 1953، محاولة منه لمجابهة ظروف المعيشة، وأرسل الدكتور يوسف إحدى معاونيه لإجراء بعض الوسائل العلاجية للاجهاض.

وإذ تتحقق آية القرآن الكريم، "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً" [الإسراء:31]، ويقول الدكتور لإبراهيم: "روح يا شيخ ربنا عايز انك تضيف مولودا لأسرتك، ربنا يوفقك".

وفي 30 أكتوبر من عام 1954، أنجبت زوجة إبراهيم طفلا أسماه "محمود " تيمنا بأحد أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، طفلا خرج للحياة رغم أنف ظروف المعيشة والأطباء.

طفولة

ونشأ محمود في مركز أجا بالدقهلية قبل الانتقال إلى القاهرة، وصفه أبيه أنه نادر البكاء عكس باقي الأطفال، يحب رفع الأشياء ثقيلة حبا في ممارسة رياضة رفع الأثقال، لا يطلب الطعام إلا إذا عُرض عليه، ولا يشكو أو يتكلم.

وكان يذهب مع والده إلى العمل عندما كان يبلغ من العمر 4 سنوات، ويسلي نفسه في الطريق بمداعبة "غطاء الكازوزة" من المنزل حتى مقر عمل أبيه مما يدفع الوالد إلى تغيير حذائه أو إصلاحه كل يوم خميس.

وتلقى دراسته الابتدائية بمدرسة على مبارك لمدة عامين ، ثم مدرسة محمود خاطر عام 1961، وكان ناظرها محمود صقر يحب الكرة، لذا تكونت فرقة بالمدرسة وفى أحد الأيام تخلف كابتن الفرقة عن الحضور، ليطلب الناظر من الخطيب المشاركة، وتفوز المدرسة بكأس منطقة مصر الجديدة.

موهبة

محمود لم يكن طفلا عاديا فقط تعرض للعديد من الصعوبات التي كانت كافية أن تنهي حلم أي طفل في هذا السن، لكنه موهبته الاستثنائية مكنته من المرور بكل ذلك دون التفكير في ترك حلمه يذهب بعيدا عن عينيه وعقله وقلبه.

وكان أول مأزق تعرض له الساحر عندما كان يشارك في مباراة بين قريته والقرى المجاورة، ومن شدة مهاراته وقلة حيلة الأطفال أمامه، قام أحدهم بتدخل قوي جدا على قدمه، تسبب في إصابة بالغة من الركبة حتى القدم.

وروى والده أنه لم يقف عند هذا الحد، فبعد شفائه ذهب للعب كرة القدم مع شقيقه الأكبر "وحيد" فوق سطح المنزل، ليلحق "سيخ حديد" بقدمه الأذى مرة آخرى، ورغم إصابته القوية لم يترك كرة القدم إذ ارفق "فتلة" في الكرة الشراب وينططها بقدمه السليمة.

image-1

ومرة ثالثة تعرض الخطيب لموقف صعب بالنسبة لطفل في سن الابتدائية، حينما لعب فريق مدرسته مع مدرسة عزبة النخل هناك، وفاز بالمباراة ليخرج جمهور المدرسة المهزومة يريدون القاءه فى الترعة، ليجري محمود مع شقيقته الكبرى التي رافقته في هذه الحادثة.

وكل هذا دفع والده إلى ملاحقته في الأماكن التي يذهب لها مانعا إياه ممارسة معشوقته، إذ حبسه في حجرة وأغلق عليه الباب، لكن محمود قفز من النافذة ذاهبا إلى كرة القدم مسحورا.

الثانوية الرياضية

ظل الوالد يتابعه وهو يمارس كرة الشوارع خوفا عليه من الإصابة، حتى عرض على محمود اللعب في أحد الأندية مع التكفل بالمصاريف، إذ يذهب الخطيب إلى نادي النصر.

وفي أحد الأيام، تقدم محمود بأوراقه للمدرسة الثانوية الرياضية مرفقا بها شهادة بأنه أفضل لاعب في بطولة شرق القاهرة للكرة ، ومجموعة 178 درجة ومجموع القبول 181 درجة، ليقوم بسحب أوراقه ويقدمها لمدرسة التجارة.

وبعد شهرين وصل للوالد خطاب من الثانوية الرياضية تطلب حضور محمود للاختبار ويذهب ويختبره على عثمان وممدوح خفاجي وينجح، وترسل المدرسة لوزارتي التربية والتعليم والشباب تطلب استثناء له من المجموع لنبوغه الرياضي.

الإسماعيلي أم الأهلي؟

وكان أول من حدث إبراهيم عن موهبة ابنه محمود هو المدرب ممدوح خفاجي، الذي عرض عليه انضمام الخطيب إلى فريق الكرة بالإسماعيلي والذي كان مدربا له حينها، وزاد خوف الوالد على نجله أكثر من كرة القدم ومشاكلها.

وزاد الطلب على محمود الخطيب، إذ انضم الأهلي إلى صراع التعاقد معه، وذهب الوالد إلى كابتن الشيوي "نسيبه"، والذي أكد له أفضلية الانضمام للأهلي قائلا: "يا بني الأهلى أفضل لو عاوز لبن العصفور يجيلك هوا، ده الأهلى لما يتغلب بينام تسعين في المائة من جمهور مصر زعلانين"، وينضم الأسطورة للمارد الأحمر.

image-1



أصعب فراق

بدأت القصة في عام 1974 عندما كان يصل الخطيب البيت عقب التدريبات ويجد والدته في المطبخ رافضة أحدا غيرها أن يُحضر الطعام له، كل ذلك رغم مرضها في الكلى، وبعد تحضير الطعام تذهب إلى سريرها واضعة منشفة بين أسنانها محاولة منها مجابهة شدة الألم.

وعندما شاهد الخطيب هذا الموقف يتكرر أكثر من مرة لم يتحمل أن يرى معشوقته الوحيدة في الحياة في هذه الحالة، إذ يذهب إلى الطبيب الذي طلب بإجراء عملية جراحية فورية، ليرفض الوالد هذه الفكرة بسبب نصيحة عمرها 10 أعوام من دكتور أجرى لها نفس العملية، قائلا لنجله: "أمك لو عملت العملية هتموت".

ولكن اقتنع إبراهيم بإجراء العملية بعد تأكيد الطبيب له أن الطب تقدم الآن عن 10 سنوات ماضية، وبعد إتمام العملية رحل الجميع عدا محمود الذي ظل بجانب والدته حتى استيقظت في الصباح واصفا إياها: "كانت أول مرة في حياتي اشوفها حلوة بهذا الشكل، وشها منور وابتسامتها حلوة، يومها كنت سعيد جدا، ومشيت الساعة 12 الظهر عشان اروح التمرين قبل مباراة الأهلي والترسانة بيومين".

وأثناء التدريبات نادى محمد صالح الوحش لمحمود من أجل الجلوس في غرفة الملابس بتواجد زيزو، ومع مقدمات كثيرة من مدرب الأهلي عن الأب والأم ودورهما في الحياة، طلب الخطيب منه أن يقول ما في الأمر، ليفاجأ بخبر وفاة والدته.

أنطلق محمود كشخص دون عقل لا يعرف أين يذهب وماذا يفعل من شدة الصدمة التي تلقاها، واصطحبه زملاءه إلى مكان جثمان والدته في المنزل، واحتضن والده وهو يسمع حديثه: "مش قولت لك يا بني انها هتموت".

دخل غرفتها مقبلا ومودعا إياها قبل الدفنة وصلاة الجنازة، وبعدها بأيام قليلة كان هناك مباراة للأهلي عاجزا الخطيب عن خوضها بسبب الحزن الشديد الذي يسيطر عليه.

فرحة الجمهور

تحدث معه الجهاز الفني للنادي الأهلي بضرورة الحضور إلى التدريبات من أجل الخروج من حالة الحزن، وهو الحديث الذي أكد عليه والده قائلا: "يا محمود عايز اطلب منك طلب، كلنا هنموت ودلوقتي في ناس حبيتك واديتك دعم جامد جدا ووقفوا جنبك، دلوقتي لازم ترد جميل الجمهور وتلعب، وده هسياعدنا كلنا في تخطي الأحزان".

وروى الخطيب اللحظة التي لم ولن تمحى من ذاكرته أبدا، مع نزوله أرض الملعب هتف 80 ألف متفرج "بيبو بيبو" (بصوت منخفض) مما أثر فيه مؤكدا أن الجمهور هو صاحب الفضل عليه بعد الله.

وذهب إلى المنزل بعد المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي مع أداء ليس بجيد، ليأخذه والده بالأحضان: "كدا انت عملت حاجة كويسة والأعمار بيد الله".

بين الزعيم وسعيد صالح

في السبعينات لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت محمود الخطيب، الذي سحر الجماهير بهمسات كرة القدم، وتغنى به نجوم وأساطير شاشات التلفاز المصرية والعربية.

وقال عادل إمام عن الخطيب: "مفيش شك أن الخطيب واد لعيب ما فيش كده، أحسن مهاجم في مصر الآن ويليه علي خليل".

وأضاف: "الخطيب والكرة فى "حالة حب"، وأنصحه بالابتعاد عن الباكات (المشاغبين)، وحارس المرمى يعتبر نفسه ماشفش حاجة لما الكورة تبقى مع الخطيب".

ونصحه: "أقول له اوعى الغرور، وتدرب كويس، وابتعد عن "بوبو" وسامي منصور الله يخليك، وأوحش حاجة في الخطيب شعره".

وزاد في تغنيه بلاعب الأهلي: "تشعر وأنت تشاهده بحلاوة الكرة المصرية التي افتقدناها من زمان، هو في كلمة "نوارة" فرقة الفنانين المتحدين الأهلوية الكروية".

وكتب الفنان سعيد صالح: "بيبو؟ يا عيني و يا روحي عليه، ده أحلى لعيب في الدنيا كلها، مش فنان هذا الجيل وبس ده فنان سطر اسمه التاريخ مثل التتش وحجازي وعبد الكريم صقر والجندى وصالح".

وأردف: "حبيبي بيبو، على فكرة انا بحبه قوى قوى قوى، دايما مستعد ويعرف قدراته وقدرات خصمه، ومهاراته الأساسية فوق في العلالي خالص".

وأكد: "عايز أقول له لما يلعب لازم يحط فى اعتباره الناس اللى بتحبه وبتحب فنه، دى كفاية علشان يقدم لنا كل اللى عنده عشان (نتكيف) أكتر وأكتر".

وأضاف: "فنان الكرة الخطيب فى مهمته صعوبة أكثر من مهمتنا بالمسرح والسينما نحن نمتع الناس بالنكتة وبالحركة، لكنه هو يمتعهم بالتغزيلة والهدف، وكل لعب الخطيب "افيهات" كروية، ابن مين فى مصر اللي ما يقولش أن الخطي احسن لعيب".

واختتم نجم الفن: "كل ماتشات الخطيب حلوة وكل أهدافه إعجاز، لعيب مجبتوش ولادة، هو في كلمة (لو لم يكن لاعب كرة كنت أود أن يكون تلميذا في مدرسة المشاغبين)".

القصة التالية: الخطيب ووالدته.. ندم رافقه بعد الوفاة.. وعزاء تلقاه من 80 ألف مشجع