كتب: محمود عبد الرحمن- يوسف محمد

"رحلة محمود الخطيب".. من أحلام الطفولة إلى أسطورة

على جانبي شريط قطار السكك الحديد بمنطقة عين شمس، يقف طفل صغير لا يتجاوز عمره 9 سنوات، يتابع بشغف مباراة كرة قدم بين فريقين يتألف كل منهما من 5 لاعبين، يقضي الطفل ساعات يوميًا في الانتظار، متمنيًا أن تأتي فرصته للمشاركة في لعب كرة القدم التي كانت اهتمام الوحيد حينها.

"كنا نخليه يقعد بره لحد ما واحد في الفريق يتعب"، يقول صالح علي، قائد أحد الفرق، يسترجع الرجل الذي تقارب عمره من الـ 76-عاما هذا المشهد الذي مر عليه عقود من الزمن وكأنه حدث بالأمس، حتى حدث مالم يكن متوقع بعد كل هذه السنوات وأصبح هذا الطفل الصغير الذي كان ينتظر دوره للعب، أسطورة الكرة المصرية محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي أكبر نادٍ في أفريقيا.

image-1

منزل عائلة محمود الخطيب القديم


مع دقات الثالثة عصرا -قبل 60 عاما-، اعتاد "صالح" وأصدقاؤه من أبناء منطقته عين شمس الشرقية التجمع في ساحة واسعة قريبة من شريط القطار السكك الحديد الذي تحول إلى مترو حاليا، حيث خصصها هو وغيره من هما في نفس عمره للعب كرة القدم كروتين يومي معتاد يقول: "كل واحد يخلص مدرسته ويجي على المكان ده"، ليبدأ هؤلاء الأطفال مباراة كرة قدم شعبية كانت سببا في ظهور موهبة نادرا ما تتكرر في الملاعب.

image-1

"الكابتن الخطيب، رغم صغره، لكنه كان موهبة وكمان حدوته"، هكذا يتذكره صالح، يروي حكاية الطفل الصغير الذي كان يقف خارج حدود ساحة اللعب بكرة صغيرة تشبه كرة التنس يشغل بها وقته حتى يتم السماح له بالمشاركة: "كنا نقسم نفسنا فرق، والفريق اللي يكسب هو اللي يكمل في اللعب، والخسران يخرج"، يقول صالح، مسترجعًا تقاليد اللعبة في أيامهم.

موهبة "الخطيب" التي أشاد بها عظماء اللعبة مثل المايسترو صالح سليم الذي وصفه في إحدى الفيديوهات النادرة بأنه لا يقل موهبة عن الأسطورة البرازيلية "بيليه"، لم يلاحظها "صالح"، ومن هم في جيله الذي اعتادوا اللعب معه حتى انتقاله إلى نادي النصر القاهري، قبل أن يلمع نجمه في الخامسة عشر من عمره وتردد اسمه بين عشاق الساحرة المستديرة خاصة أثناء مشاركته في دوري المدرسة الرياضية، ليوافق مسئولو نادي النصر على انتقال الخطيب صاحب الـ 16 عاما حينها إلى النادي الأهلي.

"لما بدأ يتألق بدأنا نركز معاه"، يقولها سيد أبو عميرة. لم يتوقع "سيد" الذي شارف على إتمام العقد الثامن من العمر، أن يصل الخطيب إلى ما هو عليه الآن "كواحد من أساطير الكرة ورئيسا لأكبر نادٍ في القارة السمراء: "كان عنده مهارة بس مكنتش متخيل أن هيبقى أسطورة".

image-1

صورة معلقة للراحل إبراهيم الخطيب والد محمود الخطيب رئيس الأهلي على داخل منزل العائلة


يرجع سيد –الذي ظهر عليه الكبر- سبب تفوق الخطيب وحفر اسمه بين أساطير اللعبة هو نشأته على الكرة الشعبية "الشراب" التي تمكن اللاعب من التحكم في الكرة وفقا لما يرى: "كرة الشراب هي الأساس واللي ملعبهاش لم يلعب كرة القدم"، يقولها الرجل، بجانب دعم أسرته له والتي لم تمنعه من ممارسة هوايته المفضلة بلعب كرة القدم، على عكس ما كان يحدث مع سيد.

"أهلي كانوا يرفضوا أني ألعب زي الخطيب"، يستكمل، الراجل يتذكر الصعوبات التي كان يوجهها عكس الدعم الذي تلقاه الأسطورة الخطيب من عائلته: "كان شقيقه وحيد لاعب كبير ومهاراته عالية"، قبل أن تتبدد أحلام "سيد" عقب تعيينه موظفا بهيئة مترو الأنفاق.

مسجد الفتح بمنطقة أسما شنودة بعين شمس الشرقية

حكاية اللقب "بيبو"

يقول سيد، إن أسطورة النادي الأهلي كان معروفًا في البداية باسم محمود الخطيب، بينما "بيبو" اسم شهرته حاليا جاء لاحقًا، وهو ما أكده صالح الذي لعب مع الخطيب قديما قائلاً: أن اسم "بيبو" لم يكن معروفًا في البداية، موضحا أن هذا الاسم ارتبط به بعد أن انطلق في مشواره الكروي وبدأت شهرته تزداد، خاصة بعد انتقاله إلى النادي الأهلي.

من الحلمية إلى عين شمس

في حي الحلمية الشعبي، حيث كانت المنازل متلاصقة والجيران يعرفون بعضهم البعض، عاش محمود الخطيب، النجم الذي لم تغره الأضواء رغم تألقه وشهرته.

يقول الدكتور عصام حيدر، صديق الطفولة لـ "بيبو"، في منطقة الحلمية قبل انتقاله إلى عين شمس "ما يميز الخطيب تواضعه، فلم يتعالى على أي شخص حتى الآن"، يتذكر حيدر، أخصائي العلاج الطبيعي في نادي الطيران، تلك الأيام، يصفه بـ "ابن البلد"، وواحدًا من الذين تشربوا بأخلاق المصريين الجدعان.

image-1

حارة منزل عائلة محمود الخطيب


"حتى بعد ما بقي نجم كبير ظل كما هو"، يقول حيدر، موضحا أن الخطيب كافح في طريقه الطويل بين الأندية حتى وصل إلى قلعة الجزيرة، المكان الذي أخلص له وأصبح أحد رموزه بفضل موهبته وأخلاقه العالية.

لا يختلف "سيد" وصالح"، و" حيدر" على موهبة الخطيب، يعتبره الأصدقاء الثلاثة واحدا من أعظم اللاعبين في تاريخ كرة القدم على الرغم من عدم حصوله على الفرص التي يستحقها في الخارج، يقول الأصدقاء، إن "بيبو"، كان يمتلك مهارات استثنائية، كانت تمكنه من اللعب في أفضل الأندية الأوروبية.

"ذكريات الطفولة".. شقيق محمود الخطيب يكشف رحلته من الشوارع إلى أسطورة الكرة المصرية

داخل عمارة أحمد أبو العز المكونة من ثلاثة طوابق بمنطقة عين شمس الشرقية، جلس أحمد الخطيب، أحد أشقاء نجم كرة القدم محمود الخطيب، يسترجع أيام الطفولة مع عائلته المكونة من 12 أخًا وأختًا بالعمارة التي حملت الرقم 11.

"محمود كان الشقيق العاشر بين إخوتي"، يقولها أحمد. يعيد الرجل الذي عمل مهندسًا في إحدى الدول خارج مصر شريط الذكريات؛ يسترجع تفاصيل الأيام التي كانوا يلعبون فيها كرة القدم داخل شوارع المنطقة: "كنا نلعب في الشارع بشكل عادي، وكان الكابتن وحيد، أخي الأكبر، هو اللي يتولى تدريبنا وشكل لنا فريقًا صغيرًا وكنّا نخوض مباريات خارج منطقتنا".

image-1

أحد سكان منطقة عين شمس يؤكد على حبهم للنادي الأهلي يكتابة عبارات على جدران المنازل


يستكمل أحمد أن هذا الفريق كان يحمل أسماءً عفوية على اسم من يقوده: "كان هناك فريق شقيقي وحيد وفريق عادل علي حسن، وغيرهم"، يتذكر شغفهم بلعب كرة القدم التي صنعت فيما بعد نجمًا لامعًا في سماء كرة القدم المصرية وهو محمود الخطيب.

"كانت حياتنا كلها كرة لدرجة أننا كنا نصوم أثناء اللعب ولا نأكل"، يتذكر "الخطيب"، يستعيد ذكرياته عن تلك الأيام التي قضاها مع إخوته وأصدقائه في الشوارع يقول" كان هناك شخص يُدعى إبراهيم الشيخ وآخر يُدعى لطفي كانوا يتحدون فرقًا من شوارع أخرى".

صالح علي لعب كرة شراب رفقة الخطيب في الطفولة

يواصل أحمد سرد ذكرياته عن تلك الأوقات، قائلاً: "كان شقيقي محمود الخطيب مهاريًا خلال فترة الطفولة"، مما جعله يتفوق على أقرانه ويظهر بمستوى مختلف تمامًا، موضحا أن مهاراته في المراوغة والتمرير كانت تجذب الانتباه، وكانت تؤكد على موهبته في كرة القدم، وهو ما مكنته ليصبح أسطورة.

"في كل مباراة كنا نلعبها، كان محمود يترك بصمة واضحة"، موضحا أنه لم يكن فقط لاعبًا جيدًا، بل كان يتمتع بشغف كبير للعبة، يسترجع أحمد اللحظات التي كان يشاهد فيها شقيقه يتألق، حتى أصبح رمزًا في تاريخ كرة القدم المصرية.

ذكريات جيران وأصدقاء محمود الخطيب "أسطورة تتجلى في تواضعها"

في شارع أسما شنودة بمنطقة عين شمس الشرقية، عاش محمود الخطيب طفولته. شابًا محبًا لكرة القدم، بحسب ما يصفه جيرانه، ليتحول هذا الفتى الشغوف مع مرور السنوات إلى أسطورة رياضية تألقت في سماء الكرة المصرية، بينما ظل حاضرًا بينهم رغم مجده الرياضي.

يروي جيرانه مواقف تعبّر عن تواضعه وتواصله الدائم معهم، مؤكدين أنه لم يكن نجمًا رياضيًا فحسب، بل ابنًا من أبناء الحي لم تغيره الأضواء والشهرة.

على بُعد أمتار قليلة من المنزل الذي عاش فيه الخطيب، يقف محمد دسوقي أمام مسجد الفتح، الذي كان الخطيب يتردد عليه لأداء الصلوات الخمس في طفولته.


يسترجع "دسوقي"، الطبيب البيطري المتقاعد، ذكرياته مع أسطورة النادي الأهلي خلال فترة الطفولة، يقول: "كان الخطيب يأتي للصلاة في المسجد عندما كنا أطفالًا".

يتذكر دسوقي تلك الفترة من حياة الخطيب قائلاً: "لم يكن هناك مترو، وكان الشارع ضيقًا ومليئًا بالرمال، وكان الخطيب يقضي يومه بالكامل في اللعب"، يسترجع ما كان يقوله عمه، الذي درس مع الخطيب في مدرسة الحلمية الإعدادية: "عمي كان دائمًا يقول إنه مكنش يجلس في الفصل، دايما مشغول بلعب كرة القدم."

وأضاف دسوقي: "بعد احتراف الخطيب، بقينا نشاهده يلعب، لكنه كان يأتي للصلاة معنا يوم الجمعة"، موضحا أن موهبة الخطيب وإصراره على اللعبة ومسيرته الاحترافية بين الأندية كانت تدل على أنه سيصبح أسطورة في كرة القدم.

الأهلي على بيتي

على مدخل منزله المجاور لمنزل الخطيب، قام حازم طارق، الطالب في الفرقة الرابعة بكلية نظم المعلومات الإدارية بجامعة عين شمس، برسم شعار النادي الأهلي، الذي يترأسه الخطيب، تعبيرًا عن انتمائه وحبه العميق للمارد الأحمر.

يتذكر حازم زيارات محمود الخطيب إلى منطقته، يحكي أحد المواقف الطريفة التي حدثت معه أثناء الصلاة في المسجد، حيث فوجئ بوجود الخطيب بجانبه، ليقول: "حسيت بصدمة وقتها".


يضيف حازم أن الخطيب يتحدث معهم عن كرة القدم وإنجازات الأهلي، ويشاركهم في المناسبات العامة، مما يعكس تواضعه الكبير رغم كونه رئيس النادي الأكثر شهرة داخل القارة السمراء مما زاد من مكانته لدى الجماهير.

أنا زملكاوي بس بحب الخطيب

على الرغم من تشجيعه لنادي الزمالك، الغريم التقليدي للنادي الأهلي، إلا أن محمود عبد المحسن أمين، المدير المالي السابق بشركة النصر العامة للمقاولات، يحمل إعجابًا كبيرًا بمحمود الخطيب، رئيس القلعة الحمراء.

يصف "محمود" الخطيب بكونه شخصية هادئة ومحبوبة، يسرد كيف كان يزور المنطقة ليصلي معهم، وارتباطه الوثيق بأهل منطقته.


ويؤكد الشاب أن الخطيب حقق نجاحاته بفضل جهوده وتفانيه في كرة القدم، مشيرًا إلى أنه لا ينسى أهل منطقته، إذ يسأل دائمًا عن احتياجات المسجد ويقدم المساعدة: "ساهم حتى في بناء مسجد الشريف".

الرجوع للرئيسية