يعود أدهم وأبناؤه إلى بضعة الأمتار الآمنة التي يقيمون فيها، وقد انبعثت الروائح الكريهة حولها، لتراكم النفايات.
لا شيء يفعله أدهم كل دقيقة سوى "محاولتهم البقاء أحياء"، كما يقول.
تمر أيامه هكذا، ثم تدخل زوجته مرحلة "المخاض".. يشعر أنه تائه وعاجز في تلك اللحظة، فيقول: "أي امرأة حين يحدث لها ذلك، ترغب في تغيير ملابسها، دخول الحمام، وكلها أمور صعبة وغير متوفرة في مثل هذا المكان، فزوجتي تتحمل على نفسها".
لم يتخيل أدهم أن يكون اثنان من أطفاله أبناء حروب، يولدان في مراكز إيواء.
فتذكر عندما نزح إلى مدارس الأونروا وقت حرب 2021، وحلّت علامات الولادة على زوجته بغرفة يشاركها بها 30 فردًا، فذهب بها بصعوبة إلى مستشفى العودة؛ ثم عادا ثانية إلى المدرسة بمولودهما "محمد الضيف"، الذي أسماه على اسم قائد كتائب القسام.
الآن، العدد صار ثلاثة أضعاف في الغرفة، والطريق صار أخطر، والمستشفيات لم تعد متاحة للولادة.
لم يأمن أدهم للولادة بالمدرسة، فيقرر المخاطرة بالذهاب إلى المستشفى الوحيد المتاح للولادة بالجنوب، وهو المستشفى الإماراتي.
ذلك المستشفى يزدحم بالمصابين والأطفال الخدج المنقولين من مستشفى الشفاء بعد إخلائه، ولم يتوفر فيها المستلزمات ومسكنات الألم لزوجة أدهم. فيضطر للبحث في كل مكان عن صيدلية للحصول عليها، وينجح في ذلك.
تولد "ديانا"، لتفتح عينيها على ظلمة يقطعها ضوء النيران القادم من النوافذ.
ولم تملك الأم رفاهية البقاء للرعاية، فعادوا سريعًا إلى مدرسة الأونروا برفح مرة أخرى.
صور المولود الرابع محمد الضيف بمدارس الأونروا 2021
في الحرب السابقة، تدبرت ملابس لابنه الرابع (محمد الضيف) من "فاعل خير"، ثم انتهى الأمر وعادوا إلى بيتهم، الذي طالته بعض الأضرار. لكن هذه المرة، تأتي ابنته الصغرى وسط حرب أفظع وأكثر جنونًا، لا بيت ستعود إليه، ولا ملابس، ولا حليب، ولا حفاضات.
أدهم وأسرته نجوا من جولة الموت الأولى حتى الاتفاق على الهدنة المؤقتة. انتظر فيها العودة إلى الشمال، فيقول إنه "يريد الرجوع وبناء بيته من جديد".. لكنه عَرف أن من يحاول يصيبه الرصاص. فألقت الطائرات الإسرائيلية منشورات تحذر الناس من مغبة العودة شمالاً تحت عنوان: "الحرب لم تنته بعد".
تجددت الحرب والقصف وانقطع الاتصال بأدهم وأسرته.
تنويه: في هذه القصة، أنت حاولت كثيرًا لأخذ اختيارات مختلفة، لكن في الحقيقة، فقرارات أدهم وسكان غزة تتوقف عليها حياتهم، ولم يستطيعوا إعادة المحاولة.
المصادر:
- السلطات الصحية في غزة.
- وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا).
- شهادات أطباء ونازحين بمستشفى الشفاء.
- مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.
- الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين.
قصة: مارينا ميلاد
جرافيك: مصطفي عثمان
تصميم وتنفيذ: محمد عزت
الصور: وكالة الأونروا
الرسومات مصممة بتقنيات الذكاء الاصطناعي