-
الدرب الأحمر؛ القاهرة- منتصف القرن الـ19
يجذب بيت التاجر محمد الزيات أنظار الجميع.. عدة مبانٍ بارتفاع طابقين، تدور حولها المشربيات الخشبية، تفصلها ساحة واسعة وتُزيّن الرسوم المميزة أسقفها العالية. يتبدل عليه الساكنون من الأعيان إلى أن يُعرف باسم أحدهم وهو "مدكور باشا".
الآن؛ يأتي عامل بمحل مجاور للبيت ليدلنا على إحدى العائلات الثلاث المتبقية فيه بعد أن هجره الباقون.. يمشي خطوات داخل ردهته المتهدمة، ثم يردد: "مش هيهدوه بقى.. ده كل شوية يقع منه حته!".
حي شرق، بورسعيد – 1868
يجري "بول" نحو المبنى الواقع بجوار مشروع حفر قناة السويس، حاملا خطابًا في يديه. فذلك المبنى وسيلته الوحيدة للتواصل مع ذويه. يتمنى أن يلحق ويسلم خطابه ليخرج مع أول المراكب الذاهبة إلى مارسيليا.
هذا المبنى الذي يعود إلى عام 1867 وفقا لأقدم بطاقة بريدية؛ أي بعد 8 سنوات فقط من عمر المدينة بأكملها؛ صار متهالكًا، خطرًا، سقطت أسقفه، وتبقت أحرف باهته على واجهته وهي دليله الوحيد للكشف عن هويته: "Poste Française - البوستة الفرنسية".
زمن طويل؛ اختلف فيه بيت مدكور والبوستة الفرنسية في الهوية، المكان، والأحداث. وخلال العامين الماضيين جمعهما مصير واحد، حيث يبقى الاثنان مهددين بـ"الهدم" بعد خروجهما من قائمة المنشآت ذات الطراز المعماري المميز التي يعدها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري وتحول دون هدمها.. تلك هى قصتنا، التي نتتبع فيها كيف تبدل الحال بـ"بيت مدكور" و"البوستة الفرنسية"؟، وكيف أفقدتنا هذه العوامل الكثير من المباني؟، فنستحضر رحلة طويلة ومثيرة تعيشها المباني التراثية في مصر.