انهار عالم أية أحمد في دقائق، حين تحولت المستشفى التي تعمل بها إلى عزل. قوانين وأدوات جديدة صارت تعمل بها الممرضة التي انضمت لميدان العمل قبل عامين وحسب.
طبقات الملابس والأجواء المُحيطة كانت تفرض عُزلة إضافية، لكن التواصل كان طوق النجاة الوحيد لدى الممرضة الشابة. حاولت على مدار العام ونصف العام أن تبقى بالقُرب من المرضى نفسيًا، حتى وإن فرضت الإجراءات الصحية التباعد.
أدركت أية لغة أخرى للتقارب "مش لازم نبقى جنب بعض جسديًا، بس يكفي نقول كلمة حلوة أو نوصل رسالة من الأهالي للمرضى". في العام الأول من الجائحة كانت الهواتف مُتاحة داخل غرف العزل ولكن بحدود "وأغلب اللي كانوا موجودين كُبار في السن مش معاهم تليفونات حديثة"، أو حتى لا يحملون هواتف من الأساس.
في المستشفى نوعين من الحالات المصابة، بين قسم داخلي "ده اللي حالته كويسة وتسمح أنه يتكلم ولو بسيط"، والعناية المُركزة وتلك التي تنقطع فيها حالات التواصل تمامًا نظرًا للحالة الصحية للمريض "لكن كنا بنحاول نونسهم برسائل ولادهم ليهم".
لم تكن ثمة وسيلة للتواصل سوى الطريقة الشفهية من خلال أية وزملائها، يُحمّلون برسائل مختلفة من أسر المرضى عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، تحفظ أية ما أُرسل لها وحين تدلف غرف العناية المُركزة تستعيد كل رسالة للمريض في ذهنها "وابدأ أقولهاله كأنها حدوتة بسيطة.. كانت بتفرق جدًا في نفسية المرضى".
في أغلب الأوقات لم تكن تتلقى الممرضة الشابة ردًا من المريض، لكن أمارات وجهه تشي بأثر الرسالة على نفسه. تتذكر سيدة سبعينية كانت تخشى من نسيان ابنائها لها "كانت شايفة أنهم سابوها وروحوا وخايفين منها"، غير أن للرسائل التي كانت توصلها أية لها عميق الأثر بداخل نفس السيدة "بنتها كانت بتبعت لي أنها مش ناسياها وبتبات قدام المستشفى ومستنياها تخرج".
تتأثر أية بالرسائل كما المرضى "لأني أنا كمان بعيدة عن أهلي"، تُدرك كيف لكلمة واحدة سكب السكينة داخل قلوب المتواجدين في مستشفى العزل "لما تطبطب على كتفه، أو تقوله كلمة حلوة بتغير نفيسته جدًا".
رسائل ومواقف مختلفة مرت على الممرضة الشابة، تشعر أحيانًا أنها انخرطت وسط عائلة المصاب وصارت جزءًا منه، ذات مرة كانت لسان ابنة مريضة تُخبرها أنها قد تصالحت مع زوجها وأن الطلاق لن يتم "وقتها الست اتبسطت جدًا، رغم أنها مكنتش عارفة تتكلم".
قرابة عام ونصف مروا على أية بين جنبات مستشفى العزل، تُدرك أنها مُحملة بأمانة الحفاظ على صحة المرضى ورعايتهم وأيضًا مشاعرهم النفسية، لا تتوانى في إيصال الرسائل "لسة إمبارح واحد باعت لي أقول لواحدة كبيرة عندنا: عبده بيقولك يا تيتة تعالي عندنا متفضليش في المستشفى كتير".